يقول تعالى ذكره : ( ألم نخلقكم ) أيها الناس ( من ماء مهين ) يعني : من نطفة ضعيفة .
كما حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( ألم نخلقكم من ماء مهين ) يعني بالمهين : الضعيف .
وقوله : ( فجعلناه في قرار مكين ) يقول : فجعلنا الماء المهين في رحم استقر فيها فتمكن .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( في قرار مكين ) قال : الرحم .
وقوله : ( إلى قدر معلوم ) يقول : إلى وقت معلوم لخروجه من الرحم عند الله ، ( فقدرنا فنعم القادرون ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة ( فقدرنا ) بالتشديد . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة بالتخفيف .
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، وإن كنت أوثر التخفيف لقوله : ( فنعم القادرون ) ، إذ كانت العرب قد تجمع بين اللغتين ، كما قال : ( فمهل الكافرين أمهلهم رويدا ) فجمع بين التشديد [ ص: 133 ] والتخفيف ، كما قال الأعشى :
وأنكرتني وما كان الذي نكرت من الحوادث إلا الشيب والصلعا
وقد يجوز أن يكون المعنى في التشديد والتخفيف واحدا . فإنه محكي عن العرب ، قدر عليه الموت ، وقدر - بالتخفيف والتشديد .
وعني بقوله : ( فقدرنا فنعم القادرون ) ما حدثنا به ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن ابن المبارك عن جويبر ، عن الضحاك ( فقدرنا فنعم القادرون ) قال : فملكنا فنعم المالكون .
وقوله : ( ويل يومئذ للمكذبين ) يقول جل ثناؤه : ويل يومئذ للمكذبين بأن الله خلقهم من ماء مهين .