القول في هل أتاك حديث موسى ( 15 ) إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى ( 16 ) تأويل قوله تعالى : ( اذهب إلى فرعون إنه طغى ( 17 ) فقل هل لك إلى إن تزكى ( 18 ) ) .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : هل أتاك يا محمد حديث موسى بن عمران ، وهل سمعت خبره حين ناجاه ربه بالواد المقدس ، يعنى بالمقدس : المطهر المبارك . وقد ذكرنا أقوال أهل العلم في ذلك فيما مضى ، فأغنى عن إعادته في هذا [ ص: 200 ] الموضع ، وكذلك بينا معنى قوله : ( طوى ) وما قال فيه أهل التأويل ، غير أنا نذكر بعض ذلك هاهنا .
وقد اختلف أهل التأويل في قوله : ( طوى ) فقال بعضهم : هو اسم الوادي .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( طوى ) اسم الوادي .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( إنك بالوادي المقدس طوى ) قال : اسم المقدس طوى .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى ) كنا نحدث أنه قدس مرتين ، واسم الوادي طوى .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : طأ الأرض حافيا .
ذكر بعض من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، سفيان ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ( إنك بالوادي المقدس طوى ) قال : طأ الأرض بقدمك .
. وقال آخرون : بل معنى ذلك أن الوادي قدس طوى : أي مرتين ، وقد بينا ذلك كله ووجوهه فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وقرأ ذلك الحسن بكسر الطاء ، وقال : بثت فيه البركة والتقديس مرتين . حدثنا بذلك أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا هشيم ، عن عوف ، عن الحسن .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة ( طوى ) بالضم ولم يجروه وقرأ ذلك بعض أهل الشأم والكوفة ( طوى ) بضم الطاء والتنوين .
اذهب إلى فرعون إنه طغى ) يقول تعالى ذكره : نادى وقوله : ( موسى ربه : أن اذهب إلى فرعون ، فحذفت " أن " إذ كان النداء قولا فكأنه قيل لموسى قال ربه : اذهب إلى فرعون . وقوله : ( إنه طغى ) يقول : عتا وتجاوز حده في العدوان ، والتكبر على ربه .
وقوله : ( فقل هل لك إلى أن تزكى ) يقول : فقل له : هل لك إلى أن تتطهر [ ص: 201 ] من دنس الكفر ، وتؤمن بربك ؟
كما حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( هل لك إلى أن تزكى ) قال : إلى أن تسلم . قال : والتزكي في القرآن كله : الإسلام ، وقرأ قول الله : ( وذلك جزاء من تزكى ) قال : من أسلم ، وقرأ ( وما يدريك لعله يزكى ) قال : يسلم ، وقرأ ( وما عليك ألا يزكى ) . ألا يسلم .
حدثني سعيد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : ثنا حفص بن عمر العدني ، عن الحكم بن أبان عن عكرمة ، قول موسى لفرعون : ( هل لك إلى أن تزكى ) هل لك إلى أن تقول : لا إله إلا الله .
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( تزكى ) فقرأته عامة قراء المدينة ( تزكى ) بتشديد الزاي ، وقرأته عامة قراء الكوفة والبصرة ( إلى أن تزكى ) بتخفيف الزاي . وكان أبو عمرو يقول فيما ذكر عنه ( تزكى ) بتشديد الزاي ، بمعنى : تتصدق بالزكاة ، فتقول : تتزكى ، ثم تدغم ، وموسى لم يدع فرعون إلى أن يتصدق وهو كافر ، إنما دعاه إلى الإسلام ، فقال : تزكى : أي تكون زاكيا مؤمنا ، والتخفيف في الزاي هو أفصح القراءتين في العربية .