القول في تأويل قوله تعالى : ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى    ( 25 ) إن في ذلك لعبرة لمن يخشى   ( 26 ) أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها   ( 27 ) رفع سمكها فسواها   ( 28 ) ) . 
يعني تعالى ذكره بقوله : ( فأخذه الله   ) فعاقبه الله ( نكال الآخرة والأولى   ) يقول : عقوبة الآخرة من كلمتيه ، وهي قوله : ( أنا ربكم الأعلى   ) ، والأولى قوله : ( ما علمت لكم من إله غيري   ) . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا أبو كريب ،  قال : سمعت أبا بكر ،  وسئل عن هذا فقال : كان بينهما أربعون سنة ، بين قوله : ( ما علمت لكم من إله غيري   ) ، وقوله : ( أنا ربكم الأعلى   ) قال : هما كلمتاه ، ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى   ) قيل له : من ذكره ؟ قال : أبو حصين ،  فقيل له : عن أبي الضحى ،  عن ابن عباس ؟  قال : نعم  . 
حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ،  قوله : ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى   ) قال : أما الأولى فحين قال : ( ما علمت لكم من إله غيري   ) ، وأما الآخرة فحين قال : ( أنا ربكم الأعلى   )  . 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا عبد الرحمن ،  قال : ثنا محمد بن أبي الوضاح ،  عن عبد الكريم الجزري ،  عن مجاهد ،  في قوله : ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى   ) قال : هو قوله : ( ما علمت لكم من إله غيري   ) ، وقوله : ( أنا ربكم الأعلى   ) وكان بينهما أربعون سنة  .  [ ص: 204 ] 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا عبد الرحمن ،  قال : ثنا أبو عوانة ،  عن إسماعيل الأسدي ،  عن الشعبي  بمثله . 
حدثنا أبو كريب ،  قال : ثنا  وكيع ،  عن زكريا ،  عن عامر   ( نكال الآخرة والأولى   ) قال : هما كلمتاه ( ما علمت لكم من إله غيري   ) و ( أنا ربكم الأعلى   ) . 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى ،  وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء ،  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  قوله : ( نكال الآخرة والأولى   ) فذلك قوله : ( ما علمت لكم من إله غيري   ) والآخرة في قوله : ( أنا ربكم الأعلى   )  . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  قال : أخبرني من سمع  مجاهدا  يقول : كان بين قول فرعون   : ( ما علمت لكم من إله غيري   ) وبين قوله : ( أنا ربكم الأعلى   ) أربعون سنة  . 
حدثت عن الحسين ،  قال : سمعت أبا معاذ  يقول : ثنا عبيد ،  قال : سمعت الضحاك  يقول في قوله : ( نكال الآخرة والأولى   ) أما الأولى فحين قال فرعون   : ( ما علمت لكم من إله غيري   ) ، وأما الآخرة فحين قال : ( أنا ربكم الأعلى   ) فأخذه الله بكلمتيه كلتيهما ، فأغرقه في اليم  . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد  في قوله : ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى   ) قال : اختلفوا فيها فمنهم من قال : نكال الآخرة من كلمتيه ، والأولى قوله : ( ما علمت لكم من إله غيري   ) وقوله : ( أنا ربكم الأعلى   ) . 
وقال آخرون : عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، عجل الله له الغرق مع ما أعد له من العذاب في الآخرة . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان ،  عن الأعمش ،  عن خيثمة الجعفي ،  قال : كان بين كلمتي فرعون  أربعون سنة ، قوله : ( أنا ربكم الأعلى   ) ، وقوله : ( ما علمت لكم من إله غيري   )  . 
حدثنا أبو كريب ،  قال : ثنا  وكيع ،  عن إسرائيل ،  عن ثوير ،  عن مجاهد ،  قال : مكث فرعون  في قومه بعد ما قال : ( أنا ربكم الأعلى   ) أربعين سنة . 
قال آخرون : بل عني بذلك : فأخذه الله نكال الدنيا والآخرة .  [ ص: 205 ] 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا هوذة ،  قال : ثنا عوف ،  عن الحسن ،  في قوله : ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى   ) قال : الدنيا والآخرة . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  عن الحسن   ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى   ) قال : عقوبة الدنيا والآخرة ، وهو قول قتادة   . 
وقال آخرون : الأولى عصيانه ربه وكفره به ، والآخرة قوله : ( أنا ربكم الأعلى   ) . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان ،  عن إسماعيل بن سميع ،  عن أبي رزين   ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى   ) قال : الأولى تكذيبه وعصيانه ، والآخرة قوله : ( أنا ربكم الأعلى   ) ، ثم قرأ : ( فكذب وعصى ثم أدبر يسعى فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى   ) فهي الكلمة الآخرة . 
وقال آخرون : بل عني بذلك أنه أخذه بأول عمله وآخره . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان ،  عن منصور ،  عن مجاهد   ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى   ) قال : أول عمله وآخره . 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا عبد الرحمن ،  قال : ثنا سفيان ،  عن منصور ،  عن مجاهد   ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى   ) قال : أول أعماله وآخرها . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن الكلبي   : ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى   ) قال : نكال الآخرة من المعصية والأولى . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا جرير ،  عن منصور ،  عن مجاهد ،  قوله : ( نكال الآخرة والأولى   ) قال : عمله للآخرة والأولى  . 
وقوله : ( إن في ذلك لعبرة لمن يخشى   ) يقول تعالى ذكره : إن في العقوبة التي عاقب الله بها فرعون  في عاجل الدنيا ، وفي أخذه إياه نكال الآخرة والأولى ، عظة ومعتبرا لمن يخاف الله ويخشى عقابه ، وأخرج نكال الآخرة مصدرا من قوله : ( فأخذه الله   ) لأن قوله ( فأخذه الله   ) نكل به فجعل ( نكال الآخرة   ) مصدرا من معناه لا من لفظه . 
وقوله : ( أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها   ) يقول تعالى ذكره للمكذبين بالبعث من قريش ،  القائلين : ( أئذا كنا عظاما نخرة قالوا تلك إذا كرة خاسرة   ) أأنتم أيها الناس أشد خلقا ، أم السماء بناها ربكم ، فإن من بنى السماء فرفعها سقفا ، هين عليه خلقكم  [ ص: 206 ] وخلق أمثالكم ، وإحياؤكم بعد مماتكم وليس خلقكم بعد مماتكم بأشد من خلق السماء . وعني بقوله : ( بناها ) : رفعها فجعلها للأرض سقفا . 
وقوله : ( رفع سمكها فسواها   )  يقول تعالى ذكره : فسوى السماء ، فلا شيء أرفع من شيء ، ولا شيء أخفض من شيء ، ولكن جميعها مستوي الارتفاع والامتداد . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله : ( رفع سمكها فسواها   ) يقول : رفع بناءها فسواها  . 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى ،  وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء ،  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  قوله : ( رفع سمكها فسواها   ) قال : رفع بناءها بغير عمد  . 
حدثني علي ،  قال : ثنا أبو صالح ،  قال : ثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس ،  قوله : ( رفع سمكها   ) يقول : بنيانها  . 
				
						
						
