[ ص: 378 ]  [ ص: 379 ]  [ ص: 380 ]  [ ص: 381 ] بسم الله الرحمن الرحيم 
القول في تأويل قوله تعالى : ( هل أتاك حديث الغاشية    ( 1 ) وجوه يومئذ خاشعة    ( 2 ) عاملة ناصبة   ( 3 ) تصلى نارا حامية   ( 4 ) تسقى من عين آنية   ( 5 ) ليس لهم طعام إلا من ضريع   ( 6 ) لا يسمن ولا يغني من جوع   ( 7 ) ) . 
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد  صلى الله عليه وسلم : ( هل أتاك   ) يا محمد   ( حديث الغاشية   ) يعني : قصتها وخبرها . 
واختلف أهل التأويل في معنى الغاشية ، فقال بعضهم : هي القيامة تغشى الناس بالأهوال . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني علي ،  قال : ثنا أبو صالح ،  قال : ثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس   ( الغاشية ) من أسماء يوم القيامة ، عظمه الله ، وحذره عباده . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله : ( هل أتاك حديث الغاشية   ) قال : الغاشية : الساعة  . 
حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ،  في قوله : ( هل أتاك حديث الغاشية   ) قال : الساعة . 
وقال آخرون : بل الغاشية : النار تغشى وجوه الكفرة . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا أبو كريب ،  قال : ثنا ابن يمان ،  عن أشعث ،  عن سعيد ،  في قوله :  [ ص: 382 ]  ( هل أتاك حديث الغاشية   ) قال : غاشية النار . 
والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( هل أتاك حديث الغاشية   ) لم يخبرنا أنه عنى غاشية القيامة ، ولا أنه عنى غاشية النار . وكلتاهما غاشية ، هذه تغشى الناس بالبلاء والأهوال والكروب ، وهذه تغشى الكفار باللفح في الوجوه والشواظ والنحاس ، فلا قول في ذلك أصح من أن يقال كما قال جل ثناؤه ، ويعم الخبر بذلك كما عمه . 
وقوله : ( وجوه يومئذ خاشعة   ) يقول تعالى ذكره : وجوه يومئذ ، وهي وجوه أهل الكفر به 
خاشعة ، يقول : ذليلة . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( وجوه يومئذ خاشعة   ) أي : ذليلة . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن قتادة ،  في قوله : ( خاشعة ) قال : خاشعة في النار . 
وقوله : ( عاملة ) يعني : عاملة في النار . وقوله : ( ناصبة ) يقول : ناصبة فيها . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس   ( عاملة ناصبة   ) فإنها تعمل وتنصب من النار . 
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ،  قال : سمعت الحسن ،  قرأ : ( عاملة ناصبة   ) قال : لم تعمل لله في الدنيا ، فأعملها في النار . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( عاملة ناصبة   ) تكبرت في الدنيا عن طاعة الله ، فأعملها وأنصبها في النار . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن قتادة ،  في قوله : ( عاملة ناصبة   ) قال : عاملة ناصبة في النار . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قوله : ( عاملة ناصبة   ) قال : لا أحد أنصب ولا أشد من أهل النار .  [ ص: 383 ] 
وقوله : ( تصلى نارا حامية   ) يقول تعالى ذكره : ترد هذه الوجوه نارا حامية قد حميت واشتد حرها . 
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الكوفة   ( تصلى ) بفتح التاء ، بمعنى : تصلى الوجوه . وقرأ ذلك أبو عمرو   ( تصلى ) بضم التاء اعتبارا بقوله : ( تسقى من عين آنية   ) ، والقول في ذلك أنهما قراءتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . 
وقوله : ( تسقى من عين آنية   ) يقول : تسقى أصحاب هذه الوجوه من شراب عين قد أنى حرها ، فبلغ غايته في شدة الحر . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ،  قوله : ( تسقى من عين آنية   ) قال : هي التي قد أطال أنينها . 
حدثني يعقوب ،  قال : ثنا  ابن علية ،  عن أبي رجاء ،  عن الحسن ،  في قوله : ( تسقى من عين آنية   ) قال : أنى طبخها منذ يوم خلق الله الدنيا . 
حدثني به يعقوب  مرة أخرى ، فقال : منذ يوم خلق الله السماوات والأرض . 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى  وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن ،  قال : ثنا ورقاء ،  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد  في قول الله : ( من عين آنية   ) قال : قد بلغت إناها ، وحان شربها . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله : ( تسقى من عين آنية   ) يقول : قد أنى طبخها منذ خلق الله السماوات والأرض . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن الحسن ،  في قوله : ( من عين آنية   ) قال : من عين أنى حرها : يقول : قد بلغ حرها . 
وقال بعضهم : عني بقوله : ( من عين آنية   ) من عين حاضرة . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ،  في قوله : ( تسقى من عين آنية   ) قال : آنية : حاضرة .  [ ص: 384 ] 
وقوله : ( ليس لهم طعام إلا من ضريع   ) يقول : ليس لهؤلاء الذين هم أصحاب الخاشعة العاملة الناصبة يوم القيامة طعام ، إلا ما يطعمونه من ضريع . والضريع عند العرب : نبت يقال له الشبرق ، وتسميه أهل الحجاز  الضريع إذا يبس ، ويسميه غيرهم : الشبرق ، وهو سم . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس   ( ليس لهم طعام إلا من ضريع   ) قال : الضريع : الشبرق . 
حدثني محمد بن عبيد المحاربي ،  قال : ثنا  عباد بن يعقوب الأسدي ،  قال محمد   : ثنا ، وقال عباد   : أخبرنا محمد بن سليمان ،  عن عبد الرحمن الأصبهاني ،  عن عكرمة  في قوله : ( ليس لهم طعام إلا من ضريع    ) قال : الشبرق  . 
حدثني يعقوب ،  قال : ثنا إسماعيل بن علية ،  عن أبي رجاء ،  قال : ثني نجدة ،  رجل من عبد القيس  عن عكرمة ،  في قوله : ( ليس لهم طعام إلا من ضريع   ) قال : هي شجرة ذات شوك ، لاطئة بالأرض ، فإذا كان الربيع سمتها قريش الشبرق ، فإذا هاج العود سمتها الضريع . 
حدثنا ابن بشار ،  قال : ثنا عبد الرحمن ،  قال : ثنا سفيان ،  عن ليث ،  عن مجاهد   ( ليس لهم طعام إلا من ضريع   ) قال : الشبرق . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان ،  عن ليث ،  عن مجاهد ،  مثله . 
حدثني محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى;  وحدثني الحارث ،  قال : ثنا الحسن;  قال : ثنا ورقاء ،  جميعا عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  قوله : ( ضريع ) قال : الشبرق اليابس . 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن قتادة   ( إلا من ضريع   ) قال : هو الشبرق إذا يبس يسمى الضريع . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله : ( ليس لهم طعام إلا من ضريع   ) يقول : من شر الطعام ، وأبشعه وأخبثه . 
حدثني محمد بن عبيد ،  قال : ثنا  شريك بن عبد الله ،  في قوله :  [ ص: 385 ]  ( ليس لهم طعام إلا من ضريع   ) قال : الشبرق . 
وقال آخرون : الضريع : الحجارة . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا أبو كريب ،  قال : ثنا ابن يمان ،  عن جعفر ،  عن سعيد ،  في قوله : ( ليس لهم طعام إلا من ضريع   ) قال : الحجارة . 
وقال آخرون : الضريع : شجر من نار . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني علي ،  قال : ثنا أبو صالح ،  قال : ثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس ،  قوله : ( ليس لهم طعام إلا من ضريع   ) يقول : شجر من نار . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قوله : ( ليس لهم طعام إلا من ضريع   ) قال : الضريع : الشوك من النار . قال : وأما في الدنيا فإن الضريع : الشوك اليابس الذي ليس له ورق ، تدعوه العرب الضريع ، وهو في الآخرة شوك من نار . 
وقوله : ( لا يسمن ولا يغني من جوع   ) يقول : لا يسمن هذا الضريع يوم القيامة أكلته من أهل النار ، ( ولا يغني من جوع   ) يقول : ولا يشبعهم من جوع يصيبهم . 
				
						
						
