[ ص: 457 ] ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر )
قال القول في تأويل قوله تعالى ( أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : ومن كان مريضا أو على سفر في الشهر فأفطر ، فعليه صيام عدة الأيام التي أفطرها ، من أيام أخر غير أيام شهر رمضان .
ثم اختلف أهل العلم في وأوجب معه عدة من أيام أخر . المرض الذي أباح الله معه الإفطار
فقال بعضهم : هو المرض الذي لا يطيق صاحبه معه القيام لصلاته .
ذكر من قال ذلك :
2853 - حدثنا معاذ بن شعبة البصري قال : حدثنا شريك ، عن مغيرة ، عن إبراهيم وإسماعيل بن مسلم عن الحسن أنه قال : إذا لم يستطع المريض أن يصلي قائما أفطر .
2854 - حدثني يعقوب قال حدثنا هشيم ، عن مغيرة - أو عبيدة - عن إبراهيم في المريض إذا لم يستطع الصلاة قائما فليفطر . يعني : في رمضان .
2855 - حدثنا هناد قال : حدثنا ، عن حفص بن غياث إسماعيل قال : سألت الحسن : متى يفطر الصائم؟ قال : إذا جهده الصوم . قال : إذا لم [ ص: 458 ] يستطع أن يصلي الفرائض كما أمر .
وقال بعضهم : وهو كل مرض كان الأغلب من أمر صاحبه بالصوم الزيادة في علته زيادة غير محتملة . وذلك هو قول ، حدثنا بذلك عنه محمد بن إدريس الشافعي الربيع .
وقال آخرون : وهو [ كل ] مرض يسمى مرضا .
ذكر من قال ذلك :
2856 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن المثنى الحسن بن خالد الربعي قال : حدثنا طريف بن شهاب العطاردي : أنه دخل على في رمضان وهو يأكل ، فلم يسأله . فلما فرغ قال : إنه وجعت إصبعي هذه . محمد بن سيرين
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أن " المرض " الذي أذن [ ص: 459 ] الله تعالى ذكره بالإفطار معه في شهر رمضان ، من كان الصوم جاهده جهدا غير محتمل ، فكل من كان كذلك فله الإفطار وقضاء عدة من أيام أخر . وذلك أنه إذا بلغ ذلك الأمر ، فإن لم يكن مأذونا له في الإفطار فقد كلف عسرا ، ومنع يسرا . وذلك غير الذي أخبر الله أنه أراده بخلقه بقوله : " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " . وأما من كان الصوم غير جاهده ، فهو بمعنى الصحيح الذي يطيق الصوم ، فعليه أداء فرضه .
وأما قوله : " فعدة من أيام أخر " ، فإن معناها : أياما معدودة سوى هذه الأيام .
وأما "الأخر" ، فإنها جمع "أخرى" كجمعهم "الكبرى" على "الكبر" و" القربى " على " القرب " .
فإن قال قائل : أوليست " الأخر " من صفة الأيام؟
قيل : بلى .
فإن قال : أوليس واحد " الأيام " " يوم " وهو مذكر؟
قيل : بلى .
فإن قال : فكيف يكون واحد " الأخر " " أخرى " ، وهي صفة ل " اليوم " ، ولم يكن " آخر " ؟
قيل : إن واحد " الأيام " وإن كان إذا نعت بواحد " الأخر " فهو " آخر " ، فإن " الأيام " في الجمع تصير إلى التأنيث ، فتصير نعوتها وصفاتها كهيئة صفات المؤنث ، كما يقال : " مضت الأيام جمع " ، ولا يقال : أجمعون ، ولا أيام آخرون .
فإن قال لنا قائل : فإن الله تعالى قال : " فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " [ ص: 460 ] ، ومعنى ذلك عندك : فعليه عدة من أيام أخر ، كما قد وصفت فيما مضى . فإن كان ذلك تأويله ، فما قولك فيمنمن صيام عدة من أيام أخر ، أو غير مجزيه ذلك ، وفرض صوم عدة من أيام أخر ثابت عليه بهيئته ، وإن صام الشهر كله؟ كان مريضا أو على سفر فصام الشهر ، وهو ممن له الإفطار ، أيجزيه ذلك ، وغير جائز له صومه ، والواجب عليه الإفطار فيه ، حتى يقيم هذا ويبرأ هذا؟ وهل لمن كان مريضا أو على سفر صيام شهر رمضان ، أم ذلك محظور عليه
قيل : قد اختلف أهل العلم في كل ذلك ، ونحن ذاكرون اختلافهم في ذلك ، ومخبرون بأولاه بالصواب إن شاء الله .
فقال بعضهم : الإفطار في المرض عزمة من الله واجبة ، وليس بترخيص .
ذكر من قال ذلك :
2857 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن بشار ابن أبي عدي - وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا - جميعا ، عن ابن علية سعيد ، عن قتادة ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس وقال : الإفطار في السفر عزمة .
2858 - حدثني قال : حدثنا محمد بن المثنى قال : أخبرنا وهب بن جرير شعبة ، عن يعلى ، عن يوسف بن الحكم قال : سألت ابن عمر - أو : سئل - عن الصوم في السفر فقال : أرأيت لو تصدقت على رجل بصدقة فردها عليك ، ألم تغضب؟ فإنها صدقة من الله تصدق بها عليكم . [ ص: 461 ]
2859 - حدثنا نصر بن عبد الرحمن الأزدي قال : حدثنا المحاربي عن عبد الملك بن حميد قال : قال أبو جعفر : كان أبي لا يصوم في السفر ، وينهى عنه .
2860 - وحدثنا ابن حميد قال : حدثنا قال : حدثنا يحيى بن واضح عبيد عن الضحاك : أنه كره الصوم في السفر .
وقال أهل هذه المقالة : من صام في السفر فعليه القضاء إذا قام .
ذكر من قال ذلك :
2861 - حدثنا قال : حدثنا نصر بن علي الجهضمي مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا ربيعة بن كلثوم ، عن أبيه ، عن رجل : أن عمر أمر الذي صام في السفر أن يعيد . .
2862 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن المثنى محمد بن أبي عدي ، عن سعيد [ ص: 462 ] بن عمرو بن دينار ، عن رجل من بني تميم عن أبيه قال : أمر عمر رجلا صام في السفر أن يعيد صومه .
2863 - حدثني ابن حميد الحمصي قال : حدثنا علي بن معبد ، عن عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم عن عطاء عن المحرر بن أبي هريرة قال : كنت مع أبي في سفر في رمضان ، فكنت أصوم ويفطر . فقال لي أبي : أما إنك إذا أقمت قضيت .
2864 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن المثنى سليمان بن داود قال : حدثنا شعبة ، عن عاصم مولى قريبة ، قال : سمعت عروة يأمر رجلا صام في السفر أن يقضي .
2865 - حدثنا قال : حدثنا ابن المثنى عبد الصمد قال : حدثنا شعبة عن عاصم مولى قريبة : أن رجلا صام في السفر ، فأمره عروة أن يقضي .
2866 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن صبيح قال : حدثنا ربيعة بن كلثوم ، عن أبيه كلثوم : أن قوما قدموا على وقد صاموا رمضان في سفر ، فقال لهم : والله لكأنكم كنتم تصومون! فقالوا : والله يا أمير المؤمنين [ ص: 463 ] لقد صمنا! قال : فأطقتموه! قالوا : نعم . قال : فاقضوه ، فاقضوه . عمر بن الخطاب
وعلة من قال هذه المقالة : أن الله تعالى ذكره فرض بقوله : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " صوم شهر رمضان على من شهده مقيما غير مسافر ، وجعل على من كان مريضا أو مسافرا صوم عدة من أيام أخر غير أيام شهر رمضان بقوله : " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " . قالوا : فكما - لأن الذي فرضه الله عليه بشهوده الشهر صوم الشهر دون غيره - فكذلك غير جائز لمن لم يشهده من المسافرين مقيما ، صومه . لأن الذي فرضه الله عليه عدة من أيام أخر . واعتلوا أيضا من الخبر بما : - غير جائز للمقيم إفطار أيام شهر رمضان وصوم عدة أيام أخر مكانها
2867 - حدثنا به محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطي قال : حدثنا يعقوب بن محمد الزهري قال : حدثنا عبد الله بن موسى ، عن أسامة بن زيد ، عن الزهري ، عن ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عبد الرحمن بن عوف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصائم في السفر كالمفطر في الحضر . "
2868 - حدثني محمد بن عبيد الله بن سعيد قال : حدثنا يزيد بن عياض [ ص: 464 ] عن الزهري ، عن ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبي سلمة بن عبد الرحمن كالمفطر في الحضر الصائم في السفر .
وقال آخرون : إباحة الإفطار في السفر رخصة من الله تعالى ذكره ، رخصها لعباده ، والفرض الصوم . فمن صام فرضه أدى ، ومن أفطر فبرخصة الله له أفطر . قالوا : وإن صام في سفر فلا قضاء عليه إذا أقام .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 465 ]
2869 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا أيوب قال : حدثنا عروة وسالم : أنهما كانا عند عمر بن عبد العزيز إذ هو أمير على المدينة فتذاكروا الصوم في السفر ، قال سالم : كان ابن عمر لا يصوم في السفر . وقال عروة : وكانت عائشة تصوم . فقال سالم : إنما أخذت عن ابن عمر . وقال عروة : إنما أخذت عن عائشة . حتى ارتفعت أصواتهما . فقال عمر بن عبد العزيز : اللهم عفوا ! إذا كان يسرا فصوموا ، وإذا كان عسرا فأفطروا .
2870 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا عن ابن علية أيوب قال : حدثني رجل قال : ذكر الصوم في السفر عند عمر بن عبد العزيز ثم ذكر نحو حديث ابن بشار .
2871 - حدثني يعقوب قال : حدثنا عن ابن علية محمد بن إسحاق - وحدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس حدثنا ابن إسحاق - عن الزهري عن قال : خرج سالم بن عبد الله في بعض أسفاره في ليال بقيت من رمضان ، فقال : إن الشهر قد تشعشع - قال عمر بن الخطاب أبو كريب في حديثه : أو : تسعسع ، ولم يشك يعقوب - فلو صمنا! فصام وصام الناس معه . ثم أقبل مرة قافلا حتى إذا كان بالروحاء أهل هلال شهر رمضان ، فقال : إن الله قد [ ص: 466 ] قضى السفر ، فلو صمنا ولم نثلم شهرنا! قال : فصام وصام الناس معه . .
2872 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا الحكم بن بشير قال : حدثني أبي - وحدثنا قال : أخبرنا محمد بن بشار عبيد الله قال : أخبرنا بشير بن سلمان - عن قال : سألت خيثمة أنس بن مالك عن الصوم في السفر ، قال : قد أمرت غلامي أن يصوم فأبى . قلت : فأين هذه الآية : " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر "؟ قال : نزلت ونحن يومئذ نرتحل جياعا وننزل على غير شبع ، وإنا اليوم نرتحل شباعا وننزل على شبع .
2873 - حدثنا هناد قال : حدثنا عن وكيع بشير بن سلمان عن عن خيثمة أنس نحوه .
2874 - حدثنا هناد وأبو السائب قالا حدثنا أبو معاوية عن عاصم [ ص: 467 ] عن أنس : أنه سئل عن الصوم في السفر فقال : من أفطر فبرخصة الله ، ومن صام فالصوم أفضل .
2875 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو أسامة عن أشعث بن عبد الملك عن محمد بن عثمان بن أبي العاص قال : الفطر في السفر رخصة ، والصوم أفضل .
2876 - حدثني المثني قال : حدثنا عبد الصمد قال : حدثنا شعبة قال : حدثنا أبو الفيض قال : كان علي علينا أميرا بالشام فنهانا عن الصوم في السفر ، فسألت أبا قرصافة - رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من بني ليث قال عبد الصمد : سمعت رجلا من قومه يقول : إنه واثلة بن الأسقع - قال : لو صمت في السفر ما قضيت . . [ ص: 468 ]
2877 - حدثنا هناد قال : حدثنا عن وكيع بسطام بن مسلم عن عطاء قال : إن صمتم أجزأ عنكم ، وإن أفطرتم فرخصة .
2878 - حدثنا هناد قال : حدثنا عن وكيع كهمس قال : سألت عن الصوم في السفر ، فقال : إن صمتم أجزأ عنكم ، وإن أفطرتم فرخصة . سالم بن عبد الله
2879 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبد الرحيم عن طلحة بن عمرو عن عطاء قال : من صام فحق أداه ، ومن أفطر فرخصة أخذ بها .
2880 - حدثنا هناد قال : حدثنا عن وكيع سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير قال : الفطر في السفر رخصة ، والصوم أفضل .
2881 - حدثنا هناد قال : حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن عطاء قال : هو تعليم ، وليس بعزم - يعني قول الله : " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " ، إن شاء صام وإن شاء لم يصم .
2882 - حدثنا هناد قال : حدثنا أبو أسامة عن هشام عن الحسن : في الرجل يسافر في رمضان ، قال : إن شاء صام وإن شاء أفطر .
2883 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا سفيان بن حبيب قال : حدثنا العوام بن حوشب قال : لمجاهد : الصوم في السفر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم فيه ويفطر . قال : قلت : فأيهما أحب إليك؟ قال : إنما هي رخصة ، وأن تصوم رمضان أحب إلي . قلت
2884 - حدثنا قال : حدثنا ابن المثني محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة [ ص: 469 ] عن حماد عن سعيد بن جبير وإبراهيم ومجاهد أنهم قالوا : الصوم في السفر ، إن شاء صام وإن شاء أفطر ، والصوم أحب إليهم .
2885 - حدثنا قال : حدثنا ابن المثني محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال : قال لي مجاهد في الصوم في السفر - يعني صوم رمضان - : والله ما منهما إلا حلال ، الصوم والإفطار ، وما أراد الله بالإفطار إلا التيسير لعباده .
2886 - حدثنا قال : حدثنا ابن المثني محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن الأشعث بن سليم قال : صحبت أبا الأسود بن يزيد وعمرو بن ميمون وأبا وائل إلى مكة وكانوا يصومون رمضان وغيره في السفر .
2887 - حدثنا علي بن حسن الأزدي قال : حدثنا عن معافى بن عمران سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير : الفطر في السفر رخصة ، والصوم أفضل .
2888 - حدثني محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطي قال : حدثنا يعقوب قال : حدثنا صالح بن محمد بن صالح عن أبيه قال : قلت : إنا نسافر في الشتاء في رمضان ، فإن صمت فيه كان أهون علي من أن أقضيه في الحر! فقال : قال الله : ( للقاسم بن محمد يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) ما كان أيسر عليك فافعل . [ ص: 470 ]
قال أبو جعفر : وهذا القول عندنا أولى بالصواب ، لإجماع الجميع على أن مريضا لو صام شهر رمضان - وهو ممن له الإفطار لمرضه - أن صومه ذلك مجزئ عنه ، ولا قضاء عليه إذا برأ من مرضه بعدة من أيام أخر ، فكان معلوما بذلك أن حكم المسافر حكمه في أن لا قضاء عليه إن صامه في سفره . لأن الذي جعل للمسافر من الإفطار وأمر به من قضاء عدة من أيام أخر ، مثل الذي جعل من ذلك للمريض وأمر به من القضاء . ثم في دلالة الآية كفاية مغنية عن استشهاد شاهد على صحة ذلك بغيرها . وذلك قول الله تعالى ذكره : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) ، ولا عسر أعظم من أن يلزم من صامه في سفره عدة من أيام أخر ، وقد تكلف أداء فرضه في أثقل الحالين عليه حتى قضاه وأداه .
فإن ظن ذو غباوة أن الذي صامه لم يكن فرضه الواجب ، فإن في قول الله تعالى ذكره : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام " " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " ، ما ينبئ أن المكتوب صومه من الشهور على كل مؤمن ، هو شهر رمضان مسافرا كان أو مقيما ، لعموم أمر الله تعالى ذكره المؤمنين بذلك بقوله : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام " " شهر رمضان " وأن قوله : " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " معناه : ومن كان مريضا أو على سفر فأفطر برخصة الله ، فعليه صوم عدة أيام أخر مكان الأيام التي أفطر في سفره أو مرضه ثم في تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله - إذ سئل عن الصوم في السفر : " " - الكفاية الكافية عن الاستدلال على صحة ما قلنا في ذلك بغيره . إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر
2889 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبد الرحيم ووكيع وعبدة عن عن أبيه ، عن هشام بن عروة عائشة : حمزة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم في السفر - وكان يسرد الصوم - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن [ ص: 471 ] شئت فصم وإن شئت فأفطر . . أن
2890 - حدثنا أبو كريب وعبيد بن إسماعيل الهباري قالا حدثنا ابن إدريس قال : حدثنا عن أبيه أن هشام بن عروة حمزة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه . . [ ص: 472 ]
2891 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد قال : أخبرنا حيوة بن شريح قال : أخبرنا أبو الأسود أنه سمع عروة بن الزبير يحدث عن أبي مراوح حمزة الأسلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : يا رسول الله ، إني أسرد الصوم ، فأصوم في السفر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما هي رخصة من الله لعباده ، فمن فعلها فحسن جميل ، ومن تركها فلا جناح عليه . فكان حمزة يصوم الدهر ، فيصوم في السفر والحضر . وكان عن عروة بن الزبير يصوم الدهر ، فيصوم في السفر والحضر ، حتى إن كان ليمرض فلا يفطر . وكان أبو مراوح يصوم الدهر ، فيصوم في السفر والحضر . .
ففي هذا ، مع نظائره من الأخبار التي يطول باستيعابها الكتاب ، الدلالة الدالة على صحة ما قلنا : من أن الإفطار رخصة لا عزم ، والبيان الواضح على صحة ما قلنا في تأويل قوله : " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " . [ ص: 473 ]
قال أبو جعفر : فإن قال قائل : إن الأخبار بما قلت وإن كانت متظاهرة ، فقد تظاهرت أيضا بقوله : " " ؟ ليس من البر الصيام في السفر
قيل : إن ذلك إذا كان الصيام في مثل الحال التي جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في ذلك لمن قال له .
2892 - حدثنا الحسين بن يزيد السبيعي قال : حدثنا ابن إدريس عن محمد بن عبد الرحمن عن محمد بن عمرو بن الحسن عن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في سفره قد ظلل عليه ، وعليه جماعة ، فقال : " من هذا؟ قالوا : صائم . قال : ليس من البر الصوم في السفر .
قال أبو جعفر : أخشى أن يكون هذا الشيخ غلط ، وبين ابن إدريس ومحمد بن عبد الرحمن شعبة . .
2892 م - حدثنا قال : حدثنا ابن المثني محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري عن محمد بن عمرو بن الحسن بن علي عن قال : جابر بن عبد الله . . رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا قد اجتمع الناس عليه وقد ظلل عليه ، فقالوا : هذا رجل صائم! فقال رسول الله صلى الله [ ص: 474 ] عليه وسلم : ليس من البر أن تصوموا في السفر
فمن بلغ منه الصوم ما بلغ من الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم ، ذلك ، فليس من البر صومه . لأن الله تعالى ذكره قد حرم على كل أحد تعريض نفسه لما فيه هلاكها ، وله إلى نجاتها سبيل . وإنما يطلب البر بما ندب الله إليه وحض عليه من الأعمال ، لا بما نهى عنه .
وأما الأخبار التي رويت عنه صلى الله عليه وسلم من قوله : " " فقد يحتمل أن يكون قيل لمن بلغ منه الصوم ما بلغ من هذا الذي ظلل عليه ، إن كان قبل ذلك . وغير جائز عليه أن يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، إن كان قيل ذلك؛ لأن الأخبار التي جاءت بذلك عن رسول الله صلى [ ص: 475 ] الله عليه وسلم واهية الأسانيد ، لا يجوز الاحتجاج بها في الدين . الصائم في السفر كالمفطر في الحضر
فإن قال قائل : وكيف عطف على " المريض " ، وهو اسم بقوله : " أو على سفر " و" على " صفة لا اسم . . .
قيل : جاز أن ينسق ب " على " على " المريض " ، لأنها في معنى الفعل . وتأويل ذلك : أو مسافرا ، كما قال تعالى ذكره : ( دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما ) [ يونس : 12 ] ، فعطف ب " القاعد ، والقائم " على " اللام " التي في " لجنبه " ، لأن معناها الفعل ، كأنه قال : دعانا مضطجعا أو قاعدا أو قائما .