[ ص: 362 ] ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) القول في تأويل قوله تعالى (
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في هذه الآية : هل نزلت مرادا بها كل مشركة ، أم مرادا بحكمها بعض المشركات دون بعض ؟ وهل نسخ منها بعد وجوب الحكم بها شيء أم لا ؟
فقال بعضهم : نزلت مرادا بها من أي أجناس الشرك كانت ، عابدة وثن كانت ، أو كانت يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو من غيرهم من أصناف الشرك ، ثم نسخ تحريم تحريم نكاح كل مشركة على كل مسلم أهل الكتاب بقوله : ( نكاح يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات ) إلى ( وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) [ سورة المائدة : 4 - 5 ]
ذكر من قال ذلك :
4212 - حدثني علي بن واقد قال : حدثني عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " ، ثم استثنى نساء أهل الكتاب فقال : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ) حل لكم ( إذا آتيتموهن أجورهن ) .
4213 - حدثنا محمد بن حميد قال : حدثنا عن يحيى بن واضح الحسين [ ص: 363 ] بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة والحسن البصري قالا " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " ، فنسخ من ذلك نساء أهل الكتاب ، أحلهن للمسلمين .
4214 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " ، قال : نساء أهل مكة ومن سواهن من المشركين ، ثم أحل منهن نساء أهل الكتاب .
4215 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن عن ابن جريج مجاهد مثله .
4216 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع قوله : " ولا تنكحوا المشركات " إلى قوله : " لعلهم يتذكرون " ، قال : حرم الله المشركات في هذه الآية ، ثم أنزل في " سورة المائدة " ، فاستثنى نساء أهل الكتاب فقال : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن ) .
وقال آخرون : بل أنزلت هذه الآية مرادا بحكمها مشركات العرب ، لم ينسخ منها شيء ولم يستثن ، وإنما هي آية عام ظاهرها ، خاص تأويلها .
ذكر من قال ذلك :
4217 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا قال : حدثنا يزيد بن زريع سعيد عن قتادة قوله : " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " ، يعني : مشركات العرب اللاتي ليس فيهن كتاب يقرأنه .
4218 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا [ ص: 364 ] معمر عن قتادة قوله : " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " ، قال : المشركات من ليس من أهل الكتاب ، وقد تزوج حذيفة يهودية أو نصرانية .
4219 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن قتادة في قوله : " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " ، يعني مشركات العرب اللاتي ليس لهن كتاب يقرأنه .
4220 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عن وكيع سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير قوله : " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " ، قال : مشركات أهل الأوثان .
وقال آخرون : بل أنزلت هذه الآية مرادا بها كل مشركة من أي أصناف الشرك كانت ، غير مخصوص منها مشركة دون مشركة ، وثنية كانت أو مجوسية أو كتابية ، ولا نسخ منها شيء .
ذكر من قال ذلك :
4221 - حدثنا عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني قال : حدثنا أبي قال : حدثنا قال : حدثنا عبد الحميد بن بهرام الفزاري قال : سمعت شهر بن حوشب يقول : عبد الله بن عباس وقال الله تعالى ذكره : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصناف النساء ، إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات ، وحرم كل ذات دين غير الإسلام ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله ) [ سورة المائدة : 5 ] وقد نكح يهودية ، ونكح طلحة بن عبيد الله حذيفة بن اليمان نصرانية ، فغضب رضي الله عنه غضبا شديدا ، حتى هم بأن يسطو عليهما . فقالا نحن نطلق يا أمير المؤمنين [ ص: 365 ] ولا تغضب ! فقال : لئن حل طلاقهن لقد حل نكاحهن ، ولكن أنتزعهن منكم صغرة قماء . عمر بن الخطاب
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله قتادة : من أن الله تعالى ذكره عنى بقوله : " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " من لم يكن من أهل الكتاب من المشركات وأن الآية عام ظاهرها خاص باطنها ، لم ينسخ منها شيء وأن نساء أهل الكتاب غير داخلات فيها . وذلك أن الله تعالى ذكره أحل بقوله : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) - للمؤمنين من نكاح محصناتهن ، مثل الذي أباح لهم من نساء المؤمنات .
وقد بينا في غير هذا الموضع من كتابنا هذا ، وفي كتابنا ( كتاب اللطيف من البيان ) : أن كل آيتين أو خبرين كان أحدهما نافيا حكم الآخر في فطرة العقل ، فغير جائز أن يقضى على أحدهما بأنه ناسخ حكم الآخر ، إلا بحجة من خبر قاطع للعذر مجيئه . وذلك غير موجود ، أن قوله : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ) ناسخ ما كان قد وجب تحريمه من النساء بقوله : " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " . فإذ لم يكن ذلك موجودا كذلك ، فقول القائل : " هذه ناسخة هذه " ، دعوى لا برهان له عليها ، والمدعي دعوى [ ص: 366 ] لا برهان له عليها متحكم ، والتحكم لا يعجز عنه أحد .
وأما القول الذي روي عن عن شهر بن حوشب ابن عباس عن عمر رضي الله عنه : من تفريقه بين طلحة وحذيفة وامرأتيهما اللتين كانتا كتابيتين ، فقول لا معنى له - لخلافه ما الأمة مجتمعة على تحليله بكتاب الله تعالى ذكره ، وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم . وقد روي عن رضي الله عنه من القول خلاف ذلك ، بإسناد هو أصح منه ، وهو ما : - عمر بن الخطاب
4222 - حدثني به موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال : حدثنا محمد بن بشر قال : حدثنا عن سفيان بن سعيد عن يزيد بن أبي زياد قال : قال زيد بن وهب عمر : المسلم يتزوج النصرانية ، ولا يتزوج النصراني المسلمة .
وإنما ذكره عمر لطلحة وحذيفة رحمة الله عليهم نكاح اليهودية والنصرانية حذارا من أن يقتدي بهما الناس في ذلك ، فيزهدوا في المسلمات ، أو لغير ذلك من المعاني ، فأمرهما بتخليتهما . كما :
4223 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : حدثنا الصلت بن بهرام عن شقيق قال : تزوج حذيفة يهودية ، فكتب إليه عمر : " خل سبيلها " فكتب إليه : " أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها ؟ " ، فقال : " لا أزعم [ ص: 367 ] أنها حرام ، ولكن أخاف أن تعاطوا المومسات منهن " .
وقد : -
4224 - حدثنا تميم بن المنتصر قال : أخبرنا إسحاق الأزرق عن شريك عن أشعث بن سوار عن الحسن عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جابر بن عبد الله . نتزوج نساء أهل الكتاب ولا يتزوجون نساءنا
فهذا الخبر - وإن كان في إسناده ما فيه - فالقول به ، لإجماع الجميع على صحة القول به أولى من خبر عبد الحميد بن بهرام عن . شهر بن حوشب
فمعنى الكلام إذا : ولا تنكحوا أيها المؤمنون مشركات غير أهل الكتاب حتى يؤمن فيصدقن بالله ورسوله وما أنزل عليه .