[ ص: 516 ] القول في تأويل قوله تعالى ( إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن )
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك :
فقال بعضهم : تأويله : " ولا يحل " ، لهن يعني للمطلقات " أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن " ، من الحيض إذا طلقن ، حرم عليهن أن يكتمن أزواجهن الذين طلقوهن ، في الطلاق الذي عليهم لهن فيه رجعة يبتغين بذلك إبطال حقوقهم من الرجعة عليهن .
ذكر من قال ذلك :
4727 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني الليث عن يونس عن ابن شهاب قال : قال الله تعالى ذكره : " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " إلى قوله : " وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم " قال : بلغنا أن " ما خلق في أرحامهن " الحمل ، وبلغنا أن الحيضة ، فلا يحل لهن أن يكتمن ذلك ، لتنقضي العدة ولا يملك الرجعة إذا كانت له
4728 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان عن منصور عن إبراهيم : " ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن " قال : الحيض
4729 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن بشار أبو أحمد قال : حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم : " ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن " قال : أكبر ذلك الحيض . [ ص: 517 ]
4730 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت مطرفا عن الحكم قال : قال إبراهيم في قوله : " ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن " قال : الحيض
4731 - حدثني يعقوب قال : حدثنا قال : حدثنا ابن علية خالد الحذاء عن عكرمة في قوله : " ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن " قال : الحيض ثم قال خالد : الدم .
وقال آخرون : هو الحيض ، غير أن الذي حرم الله تعالى ذكره عليها كتمانه فيما خلق في رحمها من ذلك ، هو أن تقول لزوجها المطلق وقد أراد رجعتها قبل الحيضة الثالثة : " قد حضت الحيضة الثالثة " كاذبة لتبطل حقه بقيلها الباطل في ذلك .
ذكر من قال ذلك :
4732 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن عبيدة بن معتب عن إبراهيم في قوله : " ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن " قال : الحيض ، المرأة تعتد قرأين ، ثم يريد زوجها أن يراجعها ، فتقول : قد حضت الثالثة "
4733 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم : " ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن " قال : أكثر ما عني به الحيض . [ ص: 518 ]
وقال آخرون : بل المعنى الذي نهيت عن كتمانه زوجها المطلق : الحبل والحيض جميعا .
ذكر من قال ذلك :
4734 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا قال : حدثنا يزيد بن زريع الأشعث عن نافع عن ابن عمر : " ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن " ، من الحيض والحمل ، لا يحل لها إن كانت حائضا أن تكتم حيضها ، ولا يحل لها إن كانت حاملا أن تكتم حملها .
4735 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت مطرفا عن الحكم عن مجاهد في قوله : " ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن " ، قال : الحمل والحيض قال أبو كريب : قال ابن إدريس : هذا أول حديث سمعته من مطرف .
4736 - حدثني أبو السائب قال : حدثنا ابن إدريس عن مطرف عن الحكم عن مجاهد مثله إلا أنه قال : الحبل .
4737 - حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري قال : حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن ليث عن مجاهد في قوله : " ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن " قال : من الحيض والولد
4738 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني مسلم بن خالد الزنجي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن " ، قال : من الحيض والولد
4739 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره : " ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن " قال : لا يحل للمطلقة أن تقول : " إني حائض " [ ص: 519 ] وليست بحائض ولا تقول : " إني حبلى " وليست بحبلى ولا تقول : " لست بحبلى " ، وهي حبلى .
4740 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله .
4741 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك عن الحجاج عن مجاهد قال : الحيض والحبل قال : تفسيره أن لا تقول : " إني حائض " وليست بحائض ، ولا : " لست بحائض " وهي حائض ، ولا : " إني حبلى " وليست بحبلى ، ولا : " لست بحبلى " ، وهي حبلى .
4742 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك عن الحجاج عن القاسم بن نافع عن مجاهد نحو هذا التفسير في هذه الآية .
4743 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن ليث عن مجاهد مثله وزاد فيه : قال : وذلك كله في بغض المرأة زوجها وحبه
4744 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع في قوله : ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن يقول : لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن من الحيض والحبل ، لا يحل لها أن تقول : " إني قد حضت " ولم تحض ولا يحل أن تقول : " إني لم أحض " ، وقد حاضت ولا يحل لها أن تقول : " إني حبلى " وليست بحبلى ولا أن تقول : " لست بحبلى " ، وهي حبلى
4745 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن " الآية قال : لا يكتمن الحيض [ ص: 520 ] ولا الولد ، ولا يحل لها أن تكتمه وهو لا يعلم متى تحل ، لئلا يرتجعها - تضاره
4746 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال : حدثنا يزيد قال : أخبرنا جويبر عن الضحاك في قوله : ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن يعني الولد قال : الحيض والولد هو الذي ائتمن عليه النساء .
وقال آخرون : بل عنى بذلك الحبل .
ثم اختلف قائلو ذلك في السبب الذي من أجله نهيت عن كتمان ذلك الرجل ، فقال بعضهم : نهيت عن ذلك لئلا تبطل حق الزوج من الرجعة ، إذا أراد رجعتها قبل وضعها وحملها .
ذكر من قال ذلك :
4747 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك عن قباث بن رزين عن علي بن رباح أنه حدثه : أن قال لرجل : اتل هذه الآية فتلا . فقال : إن فلانة ممن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن وكانت طلقت وهي حبلى ، فكتمت حتى وضعت [ ص: 521 ] عمر بن الخطاب
4748 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : إذا طلق الرجل امرأته تطليقة أو تطليقتين وهي حامل ، فهو أحق برجعتها ما لم تضع حملها ، وهو قوله : " ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر "
4749 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك عن يحيى بن بشر أنه سمع عكرمة يقول : الطلاق مرتان بينهما رجعة ، فإن بدا له أن يطلقها بعد هاتين فهي ثالثة ، وإن طلقها ثلاثا فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره . إنما اللاتي ذكرن في القرآن : " ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن " ، هي التي طلقت واحدة أو ثنتين ، ثم كتمت حملها لكي تنجو من زوجها ، فأما إذا بت الثلاث التطليقات ، فلا رجعة له عليها حتى تنكح زوجا غيره .
وقال آخرون : السبب الذي من أجله نهين عن كتمان ذلك أنهن في الجاهلية كن يكتمنه أزواجهن ، خوف مراجعتهم إياهن ، حتى يتزوجن غيرهم ، فيلحق نسب الحمل - الذي هو من الزوج المطلق - بمن تزوجته . فحرم الله ذلك عليهن .
ذكر من قال ذلك :
4750 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا سويد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن " قال : كانت المرأة إذا طلقت كتمت ما في بطنها وحملها لتذهب بالولد إلى غير أبيه ، فكره الله ذلك لهن . [ ص: 522 ]
4751 - حدثني محمد بن يحيى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد عن قتادة : " ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن " قال : علم الله أن منهن كواتم يكتمن الولد . وكان أهل الجاهلية كان الرجل يطلق امرأته وهي حامل ، فتكتم الولد وتذهب به إلى غيره ، وتكتم مخافة الرجعة ، فنهى الله عن ذلك ، وقدم فيه .
4752 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة : " ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن " ، قال : كانت المرأة تكتم حملها حتى تجعله لرجل آخر منها
وقال آخرون : بل السبب الذي من أجله نهين عن كتمان ذلك ، هو أن الرجل كان إذا أراد طلاق امرأته سألها هل بها حمل؟ كيلا يطلقها ، وهي حامل منه للضرر الذي يلحقه وولده في فراقها إن فارقها ، فأمرن بالصدق في ذلك ونهين عن الكذب .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 523 ]
4753 - حدثني موسى قال : حدثنا أسباط عن : " السدي ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن " ، فالرجل يريد أن يطلق امرأته فيسألها : هل بك حمل؟ فتكتمه إرادة أن تفارقه ، فيطلقها وقد كتمته حتى تضع . وإذا علم بذلك فإنها ترد إليه ، عقوبة لما كتمته ، وزوجها أحق برجعتها صاغرة .
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال : الذي نهيت المرأة المطلقة عن كتمانه زوجها المطلقها تطليقة أو تطليقتين مما خلق الله في رحمها - الحيض والحبل . لأنه لا خلاف بين الجميع أن العدة تنقضي بوضع الولد الذي خلق الله في رحمها ، كما تنقضي بالدم إذا رأته بعد الطهر الثالث ، في قول من قال : " القرء " الطهر ، وفي قول من قال : هو الحيض ، إذا انقطع من الحيضة الثالثة ، فتطهرت بالاغتسال .
فإذا كان ذلك كذلك وكان الله تعالى ذكره إنما حرم عليهن كتمان المطلق الذي وصفنا أمره ، ما يكون بكتمانهن إياه بطول حقه الذي جعله الله له بعد الطلاق عليهن إلى انقضاء عددهن ، وكان ذلك الحق يبطل بوضعهن ما في بطونهن إن كن حوامل ، وبانقضاء الأقراء الثلاثة إن كن غير حوامل علم أنهن [ ص: 524 ] منهيات عن كتمان أزواجهن المطلقيهن من كل واحد منهما ، - أعني من الحيض والحبل - مثل الذي هن منهيات عنه من الآخر ، وأن لا معنى لخصوص من خص بأن المراد بالآية من ذلك أحدهما دون الآخر ، إذ كانا جميعا مما خلق الله في أرحامهن ، وأن في كل واحدة منهما من معنى بطول حق الزوج بانتهائه إلى غاية ، مثل ما في الآخر .
ويسأل من خص ذلك - فجعله لأحد المعنيين دون الآخر - عن البرهان على صحة دعواه من أصل أو حجة يجب التسليم لها ، ثم يعكس عليه القول في ذلك ، فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله .
وأما الذي قاله من أنه معني به نهي النساء كتمان أزواجهن الحبل عند إرادتهم طلاقهن ، فقول لما يدل عليه ظاهر التنزيل مخالف ، وذلك أن الله تعالى ذكره قال : " السدي والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن " ، بمعنى : ولا يحل أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن من الثلاثة القروء ، إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر .
وذلك أن الله تعالى ذكره ذكر تحريم ذلك عليهن ، بعد وصفه إياهن بما وصفهن به ، من فراق أزواجهن بالطلاق ، وإعلامهن ما يلزمهن من التربص ، معرفا لهن بذلك ما يحرم عليهن وما يحل ، وما يلزمهن من العدة ويجب عليهن فيها . فكان مما عرفهن : أن من الواجب عليهن أن لا يكتمن أزواجهن الحيض والحبل الذي يكون بوضع هذا وانقضاء هذا إلى نهاية محدودة انقطاع حقوق أزواجهن ضرارا منهن لهم ، فكان نهيه عما نهاهن عنه من ذلك ، بأن يكون من صفة ما يليه [ ص: 525 ] قبله ويتلوه بعده ، أولى من أن يكون من صفة ما لم يجر له ذكر قبله .
قال أبو جعفر : فإن قال قائل : ما معنى قوله : " إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر " ؟ أو يحل لهن كتمان ذلك أزواجهن إن كن لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر حتى خص النهي عن ذلك المؤمنات بالله واليوم الآخر؟
قيل : معنى ذلك على غير ما ذهبت إليه ، وإنما معناه : أن كتمان المراة المطلقة زوجها المطلقها ما خلق الله تعالى في رحمها من حيض وولد في أيام عدتها من طلاقه ضرارا له ، ليس من فعل من يؤمن بالله واليوم الآخر ولا من أخلاقه ، وإنما ذلك من فعل من لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر وأخلاقهن من النساء الكوافر فلا تتخلقن أيتها المؤمنات بأخلاقهن ، فإن ذلك لا يحل لكن إن كنتن تؤمن بالله واليوم الآخر وكنتن من المسلمات لا أن المؤمنات هن المخصوصات بتحريم ذلك عليهن دون الكوافر ، بل الواجب على كل من لزمته فرائض الله من النساء اللواتي لهن أقراء - إذا طلقت بعد الدخول بها في عدتها - أن لا تكتم زوجها ما خلق الله في رحمها من الحيض والحبل .