قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بقوله : " ولا يئوده حفظهما " ولا يشق عليه ولا يثقله .
يقال منه : " قد آدني هذا الأمر فهو يؤودني أودا وإيادا " ويقال : " ما آدك فهو لي آئد " يعني بذلك : ما أثقلك فهو لي مثقل .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
5799 - حدثنا المثنى بن إبراهيم قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : [ ص: 404 ] حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " ولا يئوده حفظهما " يقول : لا يثقل عليه .
5800 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " ولا يئوده حفظهما " قال : لا يثقل عليه حفظهما .
5801 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ولا يئوده حفظهما " لا يثقل عليه لا يجهده حفظهما .
5802 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن الحسن وقتادة في قوله : " ولا يئوده حفظهما " قال : لا يثقل عليه شيء .
5803 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال : حدثنا يوسف بن خالد السمتي قال : حدثنا نافع بن مالك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : " ولا يئوده حفظهما " قال : لا يثقل عليه حفظهما .
5804 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن أبي زائدة وحدثنا يحيى بن أبي طالب قال : أخبرنا يزيد قالا جميعا : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك : " ولا يئوده حفظهما " قال : لا يثقل عليه .
5805 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا عن يحيى بن واضح ، عبيد ، عن الضحاك مثله .
5806 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : سمعته يعني خلادا يقول : سمعت أبا عبد الرحمن المديني يقول في هذه الآية : " ولا يئوده حفظهما " قال : لا يكبر عليه .
5807 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى بن [ ص: 405 ] ميمون ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " ولا يئوده حفظهما " قال : لا يكرثه .
5808 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن : " السدي ولا يئوده حفظهما " قال : لا يثقل عليه .
5809 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " ولا يئوده حفظهما " يقول : لا يثقل عليه حفظهما .
5810 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ولا يئوده حفظهما " قال : لا يعز عليه حفظهما .
قال أبو جعفر : " والهاء " " والميم " " والألف " في قوله : " حفظهما " من ذكر " السموات والأرض " . فتأويل الكلام : وسع كرسيه السموات والأرض ، ولا يثقل عليه حفظ السموات والأرض .
وأما تأويل قوله : " وهو العلي " فإنه يعني : والله العلي .
" والعلي " " الفعيل " من قولك : " علا يعلو علوا " إذا ارتفع ، " فهو عال وعلي " " والعلي " ذو العلو والارتفاع على خلقه بقدرته .
وكذلك قوله : " العظيم " ذو العظمة ، الذي كل شيء دونه ، فلا شيء أعظم منه كما : -
5811 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " العظيم " الذي قد كمل في عظمته . [ ص: 406 ]
قال أبو جعفر : واختلف أهل البحث في معنى قوله : .
" وهو العلي " .
فقال بعضهم : يعني بذلك ; وهو العلي عن النظير والأشباه ، وأنكروا أن يكون معنى ذلك : " وهو العلي المكان " . وقالوا : غير جائز أن يخلو منه مكان ، ولا معنى لوصفه بعلو المكان ؛ لأن ذلك وصفه بأنه في مكان دون مكان .
وقال آخرون : معنى ذلك : وهو العلي على خلقه بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه ؛ لأنه - تعالى ذكره - فوق جميع خلقه وخلقه دونه ، كما وصف به نفسه أنه على العرش ، فهو عال بذلك عليهم .
وكذلك اختلفوا في معنى قوله : " العظيم " .
فقال بعضهم : معنى " العظيم " في هذا الموضع : المعظم ، صرف " المفعل " إلى " فعيل " كما قيل للخمر المعتقة : " خمر عتيق " كما قال الشاعر : .
وكأن الخمر العتيق من الإس فنط ممزوجة بماء زلال
وإنما هي " معتقة " . قالوا : فقوله " العظيم " معناه : المعظم الذي يعظمه خلقه ويهابونه ويتقونه . قالوا : وإنما يحتمل قول القائل : " هو عظيم " أحد معنيين : أحدهما : ما وصفنا من أنه معظم ، والآخر : أنه عظيم في المساحة والوزن . قالوا : وفي بطول القول بأن يكون معنى ذلك : أنه عظيم في المساحة والوزن صحة القول بما قلنا . [ ص: 407 ]
وقال آخرون : بل تأويل قوله : " العظيم " هو أن له عظمة هي له صفة .
وقالوا : لا نصف عظمته بكيفية ، ولكنا نضيف ذلك إليه من جهة الإثبات وننفي عنه أن يكون ذلك على معنى مشابهة العظم المعروف من العباد ؛ لأن ذلك تشبيه له بخلقه ، وليس كذلك . وأنكر هؤلاء ما قاله أهل المقالة التي قدمنا ذكرها ، وقالوا : لو كان معنى ذلك أنه " معظم " لوجب أن يكون قد كان غير عظيم قبل أن يخلق الخلق ، وأن يبطل معنى ذلك عند فناء الخلق ؛ لأنه لا معظم له في هذه الأحوال .
وقال آخرون : بل قوله : إنه " العظيم " وصف منه نفسه بالعظم . وقالوا : كل ما دونه من خلقه فبمعنى الصغر لصغرهم عن عظمته .