قال أبو جعفر : فأما الظلمات ، فجمع ، واحدها ظلمة .
أما الرعد ، فإن أهل العلم اختلفوا فيه :
فقال بعضهم : هو ملك يزجر السحاب .
ذكر من قال ذلك :
419 - حدثنا ، قال : حدثنا محمد بن المثنى محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، قال : . الرعد ، ملك يزجر السحاب بصوته
420 - حدثنا ، قال : حدثنا محمد بن المثنى ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، مثله .
421 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : حدثنا ، عن فضيل بن عياض ليث ، عن مجاهد ، مثله .
422 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم قال : أنبأنا إسماعيل بن سالم ، عن أبي صالح ، قال : الرعد ، ملك من الملائكة يسبح . [ ص: 339 ]
423 - حدثني نصر بن عبد الرحمن الأزدي ، قال : حدثنا محمد بن يعلى ، عن أبي الخطاب البصري ، عن قال : الرعد ، ملك موكل بالسحاب يسوقه ، كما يسوق الحادي الإبل ، يسبح . كلما خالفت سحابة سحابة صاح بها ، فإذا اشتد غضبه طارت النار من فيه ، فهي الصواعق التي رأيتم . شهر بن حوشب ،
424 - حدثت عن المنجاب بن الحارث ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : الرعد ، ملك من الملائكة اسمه الرعد ، وهو الذي تسمعون صوته .
425 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا عبد الملك بن حسين ، عن عن السدي ، أبي مالك ، عن ابن عباس ، قال : الرعد ، ملك يزجر السحاب بالتسبيح والتكبير .
426 - وحدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا ، عن علي بن عاصم عن ابن جريج ، مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : الرعد اسم ملك ، وصوته هذا تسبيحه ، فإذا اشتد زجره السحاب ، اضطرب السحاب واحتك . فتخرج الصواعق من بينه .
427 - حدثنا الحسن ، قال : حدثنا عفان . قال : حدثنا أبو عوانة ، عن [ ص: 340 ] موسى البزار ، عن عن شهر بن حوشب ، ابن عباس ، قال : الرعد ملك يسوق السحاب بالتسبيح ، كما يسوق الحادي الإبل بحدائه .
428 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا يحيى بن عباد ، وشبابة ، قالا حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، قال : الرعد ملك يزجر السحاب .
429 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا عتاب بن زياد ، عن عكرمة ، قال : الرعد ملك في السحاب ، يجمع السحاب كما يجمع الراعي الإبل .
430 - وحدثنا بشر ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : الرعد خلق من خلق الله جل وعز ، سامع مطيع لله جل وعز .
431 - حدثنا القاسم بن الحسن ، قال : حدثنا الحسين بن داود ، قال : حدثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، عكرمة ، قال : إن الرعد ملك يؤمر بإزجاء السحاب فيؤلف بينه ، فذلك الصوت تسبيحه .
432 - وحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، قال : الرعد ملك .
433 - وحدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن المغيرة بن سالم ، عن أبيه ، أو غيره ، أن قال : الرعد ملك . علي بن أبي طالب
434 - حدثنا المثنى ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، قال : أخبرنا موسى بن سالم أبو جهضم ، مولى ابن عباس ، قال : كتب ابن عباس إلى أبي الجلد يسأله عن الرعد ، فقال : الرعد ملك . [ ص: 341 ]
435 - حدثنا المثنى ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، قال : حدثنا عمر بن الوليد الشني ، عن عكرمة ، قال : الرعد ملك يسوق السحاب كما يسوق الراعي الإبل .
436 - حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا حفص بن عمر ، قال : حدثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، قال : كان ابن عباس إذا سمع الرعد ، قال : سبحان الذي سبحت له ، قال : وكان يقول : إن الرعد ملك ينعق بالغيث كما ينعق الراعي بغنمه .
وقال آخرون : إن الرعد ريح تختنق تحت السحاب فتصاعد ، فيكون منه ذلك الصوت .
ذكر من قال ذلك :
437 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا بشر بن إسماعيل ، عن أبي كثير ، قال : كنت عند أبي الجلد ، إذ جاءه رسول ابن عباس بكتاب إليه ، فكتب إليه : " كتبت تسألني عن الرعد ، فالرعد الريح .
438 - حدثني إبراهيم بن عبد الله ، قال : حدثنا عمران بن ميسرة ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن الحسن بن الفرات ، عن أبيه قال : كتب ابن عباس [ ص: 342 ] إلى أبي الجلد يسأله عن الرعد ، فقال : الرعد ريح .
قال أبو جعفر : فإن كان الرعد ما ذكره ابن عباس ومجاهد ، فمعنى الآية : أو كصيب من السماء فيه ظلمات وصوت رعد . لأن الرعد إن كان ملكا يسوق السحاب ، فغير كائن في الصيب ، لأن الصيب إنما هو ما تحدر من صوب السحاب ، والرعد إنما هو في جو السماء يسوق السحاب . على أنه لو كان فيه ثم لم يكن له صوت مسموع ، فلم يكن هنالك رعب يرعب به أحد ، لأنه قد قيل : إن مع كل قطرة من قطر المطر ملكا ، فلا يعدو الملك الذي اسمه " الرعد " لو كان مع الصيب ، إذا لم يكن مسموعا صوته ، أن يكون كبعض تلك الملائكة التي تنزل مع القطر إلى الأرض ، في أن لا رعب على أحد بكونه فيه . فقد علم - إذ كان الأمر على ما وصفنا من قول ابن عباس - أن معنى الآية : أو كمثل غيث تحدر من السماء فيه ظلمات وصوت رعد ، إن كان الرعد هو ما قاله ابن عباس ، وأنه استغنى بدلالة ذكر الرعد باسمه على المراد في الكلام من ذكر صوته . وإن كان الرعد ما قاله أبو الجلد فلا شيء في قوله : " فيه ظلمات ورعد " متروك . لأن معنى الكلام حينئذ : فيه ظلمات ورعد الذي هو ما وصفنا صفته .
وأما ، فإن أهل العلم اختلفوا فيه : فقال بعضهم بما : البرق
439 - حدثنا مطر بن محمد الضبي ، قال : حدثنا أبو عاصم ، - ح - وحدثني قال : حدثني محمد بن بشار ، عبد الرحمن بن مهدي ، - ح - وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قالوا جميعا : حدثنا ، عن سفيان الثوري سلمة بن كهيل ، عن سعيد بن أشوع ، عن ربيعة [ ص: 343 ] بن الأبيض ، عن علي ، قال : البرق مخاريق الملائكة .
440 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا عبد الملك بن الحسين ، عن أبي مالك ، عن عن السدي ، ابن عباس : البرق مخاريق بأيدي الملائكة ، يزجرون بها السحاب .
441 - وحدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن المغيرة بن سالم ، عن أبيه ، أو غيره ، أن قال : الرعد الملك ، والبرق ضربه السحاب بمخراق من حديد . علي بن أبي طالب
وقال آخرون : هو سوط من نور يزجي به الملك السحاب .
ذكر من قال ذلك :
442 - حدثت عن المنجاب بن الحارث ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، بذلك .
وقال آخرون : هو ماء .
ذكر من قال ذلك :
443 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا بشر بن إسماعيل ، عن أبي كثير ، قال : كنت عند أبي الجلد ، إذ جاء رسول ابن عباس بكتاب إليه ، فكتب إليه : " كتبت إلي تسألني عن البرق ، فالبرق الماء "
444 - حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، قال : حدثنا عمران بن ميسرة ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن الحسن بن الفرات ، عن أبيه ، قال : كتب ابن عباس إلى أبي الجلد يسأله عن البرق ، فقال : البرق ماء . [ ص: 344 ]
445 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن رجل ، من أهل البصرة من قرائهم ، قال : كتب ابن عباس إلى أبي الجلد - رجل من أهل هجر - يسأله عن البرق ، فكتب إليه : " كتبت إلي تسألني عن البرق ، وإنه من الماء "
وقال آخرون : هو مصع ملك .
446 - حدثنا ، قال : حدثنا محمد بن بشار عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن عثمان بن الأسود ، عن مجاهد ، قال : البرق ، مصع ملك .
447 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا هشام ، عن ، قال : بلغني أن البرق ملك له أربعة أوجه ، وجه إنسان ، ووجه ثور ، ووجه نسر ، ووجه أسد ، فإذا مصع بأجنحته فذلك البرق . محمد بن مسلم الطائفي
448 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، وهب بن سليمان ، عن شعيب الجبائي قال : في كتاب الله : الملائكة حملة العرش ، لكل ملك منهم وجه إنسان وثور وأسد ، فإذا حركوا أجنحتهم فهو البرق [ ص: 345 ] . وقال أمية بن أبي الصلت :
رجل وثور تحت رجل يمينه والنسر للأخرى ، وليث مرصد
449 - حدثنا الحسين بن محمد ، قال : حدثنا ، عن علي بن عاصم عن ابن جريج ، مجاهد ، عن ابن عباس : البرق ملك .
450 - وقد حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن قال : الصواعق ملك يضرب السحاب بالمخاريق ، يصيب منه من يشاء . ابن جريج ،
قال أبو جعفر : وقد يحتمل أن يكون ما قاله علي بن أبي طالب وابن عباس ومجاهد بمعنى واحد . وذلك أن تكون المخاريق التي ذكر علي رضي الله عنه أنها هي البرق ، هي السياط التي هي من نور ، التي يزجي بها الملك السحاب ، كما قال ابن عباس . ويكون إزجاء الملك بها السحاب مصعه إياه . وذلك أن المصاع عند العرب أصله : المجالدة بالسيوف ، ثم تستعمله في كل شيء جولد به في حرب وغير حرب ، كما قال أعشى بني ثعلبة ، وهو يصف جواري يلعبن بحليهن ويجالدن به .
[ ص: 346 ]
إذا هن نازلن أقرانهن
وكان المصاع بما في الجون
وقد ذكرنا ما في معنى " الصاعقة " ما قال فيما مضى . شهر بن حوشب
وأما تأويل الآية ، فإن أهل التأويل مختلفون فيه :
فروي عن ابن عباس في ذلك أقوال : أحدها ما
451 - حدثنا به محمد بن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت " : أي هم من ظلمات ما هم فيه من الكفر والحذر من القتل - على الذي هم عليه من الخلاف والتخويف منكم - على مثل ما وصف من الذي هو في ظلمة الصيب ، فجعل أصابعه في أذنيه من الصواعق حذر الموت ، يكاد البرق يخطف أبصارهم - أي لشدة ضوء الحق - كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ، أي يعرفون الحق ويتكلمون به ، فهم من قولهم به على استقامة ، فإذا ارتكسوا منه إلى الكفر قاموا متحيرين .
والآخر ما [ ص: 347 ]
452 - حدثني به موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن في خبر ذكره ، عن السدي أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : " أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق " إلى " إن الله على كل شيء قدير " أما الصيب فالمطر . كان رجلان من المنافقين من أهل المدينة هربا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين ، فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله ، فيه رعد شديد وصواعق وبرق ، فجعلا كلما أضاء لهما الصواعق جعلا أصابعهما في آذانهما من الفرق أن تدخل الصواعق في مسامعهما فتقتلهما ، وإذا لمع البرق مشيا في ضوئه ، وإذا لم يلمع لم يبصرا وقاما مكانهما لا يمشيان ، فجعلا يقولان : ليتنا قد أصبحنا فنأتي محمدا فنضع أيدينا في يده ، فأصبحا فأتياه فأسلما ووضعا أيديهما في يده ، وحسن إسلامهما ، فضرب الله شأن هذين المنافقين الخارجين مثلا للمنافقين الذين بالمدينة ، وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم جعلوا أصابعهم في آذانهم فرقا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، أن ينزل فيهم شيء أو يذكروا بشيء فيقتلوا ، كما كان ذانك المنافقان الخارجان يجعلان أصابعهما في آذانهما ، وإذا أضاء لهم مشوا فيه ، فإذا كثرت أموالهم ، وولد لهم الغلمان ، وأصابوا غنيمة أو فتحا ، مشوا فيه ، وقالوا : إن دين محمد صلى الله عليه وسلم دين صدق . فاستقاموا عليه ، كما كان ذانك المنافقان يمشيان ، إذا أضاء لهم البرق مشوا فيه ، وإذا أظلم عليهم قاموا . فكانوا [ ص: 348 ] إذا هلكت أموالهم ، وولد لهم الجواري ، وأصابهم البلاء ، قالوا : هذا من أجل دين محمد ، فارتدوا كفارا ، كما قام ذانك المنافقان حين أظلم البرق عليهما .
والثالث ما
453 - حدثني به محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عباس : " أو كصيب من السماء " كمطر ، " فيه ظلمات ورعد وبرق " إلى آخر الآية ، هو مثل المنافق في ضوء ما تكلم بما معه من كتاب الله وعمل مراءاة للناس ، فإذا خلا وحده عمل بغيره ، فهو في ظلمة ما أقام على ذلك . وأما الظلمات فالضلالة ، وأما البرق فالإيمان ، وهم أهل الكتاب . [ ص: 349 ]
وإذا أظلم عليهم ، فهو رجل يأخذ بطرف الحق لا يستطيع أن يجاوزه .
والرابع ما
454 - حدثني به المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " أو كصيب من السماء " وهو المطر ، ضرب مثله في القرآن يقول : " فيه ظلمات " يقول : ابتلاء ، " ورعد " يقول فيه تخويف " وبرق يكاد البرق يخطف أبصارهم " يقول : يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين ، " كلما أضاء لهم مشوا فيه " يقول : كلما أصاب المنافقون من الإسلام عزا اطمأنوا ، وإن أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر يقول : " وإذا أظلم عليهم قاموا " كقوله : ( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ) [ سورة الحج : 11 ] .
ثم اختلف سائر أهل التأويل بعد في ذلك ، نظير ما روي عن ابن عباس من الاختلاف :
455 - فحدثني محمد بن عمرو الباهلي ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى بن ميمون ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : إضاءة البرق وإظلامه ، على نحو ذلك المثل .
456 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . [ ص: 350 ]
457 - حدثنا عمرو بن علي ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
458 - وحدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا ، عن يزيد بن زريع سعيد ، عن قتادة ، في قول الله : " فيه ظلمات ورعد وبرق " إلى قوله " وإذا أظلم عليهم قاموا " فالمنافق إذا رأى في الإسلام رخاء أو طمأنينة أو سلوة من عيش ، قال : أنا معكم وأنا منكم ، وإذا أصابته شديدة حقحق والله عندها ، فانقطع به ، فلم يصبر على بلائها ، ولم يحتسب أجرها ، ولم يرج عاقبتها .
459 - وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : " فيه ظلمات ورعد وبرق " يقول : أجبن قوم لا يسمعون شيئا إلا إذا ظنوا أنهم هالكون فيه حذرا من الموت والله محيط بالكافرين ثم ضرب لهم مثلا آخر فقال : " يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه " يقول : هذا المنافق ، إذا كثر ماله ، وكثرت ماشيته ، وأصابته عافية قال : لم يصبني منذ دخلت في ديني هذا إلا خير " وإذا أظلم عليهم قاموا " يقول : إذا ذهبت أموالهم وهلكت مواشيهم وأصابهم البلاء ، قاموا متحيرين .
460 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق بن الحجاج ، عن عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس : " فيه ظلمات ورعد وبرق " قال : مثلهم [ ص: 351 ] كمثل قوم ساروا في ليلة مظلمة ، ولها مطر ورعد وبرق على جادة ، فلما أبرقت أبصروا الجادة فمضوا فيها ، وإذا ذهب البرق تحيروا . وكذلك ، كلما تكلم بكلمة الإخلاص أضاء له ، فإذا شك تحير ووقع في الظلمة ، فكذلك قوله : " المنافق كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا " ثم قال : في أسماعهم وأبصارهم التي عاشوا بها في الناس ، " ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم "
قال أبو جعفر :
461 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو تميلة ، عن عبيد بن سليمان الباهلي ، عن الضحاك بن مزاحم ، " فيه ظلمات " قال : أما الظلمات فالضلالة ، والبرق الإيمان .
462 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثني عبد الرحمن بن زيد في قوله : " فيه ظلمات ورعد وبرق " فقرأ حتى بلغ : " إن الله على كل شيء قدير " قال : هذا أيضا مثل ضربه الله للمنافقين ، كانوا قد استناروا بالإسلام كما استنار هذا بنور هذا البرق .
463 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، قال : قال : ليس في الأرض شيء سمعه المنافق إلا ظن أنه يراد به ، وأنه الموت ، كراهية له ابن جريج - كما إذا كانوا بالبراز في المطر ، فروا من الصواعق . ، والمنافق أكره خلق الله للموت
464 - حدثنا عمرو بن علي ، قال : حدثنا أبو معاوية ، قال : حدثنا عن ابن جريج ، عطاء في قوله : " أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق " قال : مثل ضرب للكافر . [ ص: 352 ]
وهذه الأقوال التي ذكرنا عمن رويناها عنه ، فإنها - وإن اختلفت فيها ألفاظ قائليها - متقاربات المعاني ، لأنها جميعا تنبئ عن أن الله ضرب الصيب لظاهر إيمان المنافق مثلا ومثل ما فيه من ظلمات لضلالته ، وما فيه من ضياء برق لنور إيمانه ، واتقاءه من الصواعق بتصيير أصابعه في أذنيه ، لضعف جنانه ونخب فؤاده من حلول عقوبة الله بساحته ، ومشيه في ضوء البرق باستقامته على نور إيمانه ، وقيامه في الظلام ، لحيرته في ضلالته وارتكاسه في عمهه .
فتأويل الآية إذا - إذ كان الأمر على ما وصفنا - أو مثل ما استضاء به المنافقون من قيلهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بألسنتهم : آمنا بالله وباليوم الآخر وبمحمد وما جاء به ، حتى صار لهم بذلك في الدنيا أحكام المؤمنين ، وهم - مع إظهارهم بألسنتهم ما يظهرون - بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله وباليوم الآخر ، مكذبون ، ولخلاف ما يظهرون بالألسن في قلوبهم معتقدون ، على عمى منهم ، وجهالة بما هم عليه من الضلالة لا يدرون أي الأمرين اللذين قد شرعا لهم [ فيه ] الهداية ، أفي الكفر الذي كانوا عليه قبل إرسال الله محمدا صلى الله عليه وسلم بما أرسله به إليهم ، أم في الذي أتاهم به محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربهم ؟ فهم من وعيد الله إياهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم وجلون ، وهم مع وجلهم من ذلك في حقيقته شاكون ، في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا . كمثل غيث سرى ليلا في مزنة ظلماء [ ص: 353 ] وليلة مظلمة يحدوها رعد ، ويستطير في حافاتها برق شديد لمعانه ، كثير خطرانه ، يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ويختطفها من شدة ضيائه ونور شعاعه ، وينهبط منها تارات صواعق ، تكاد تدع النفوس من شدة أهوالها زواهق .
فالصيب مثل لظاهر ما أظهر بألسنتهم من الإقرار والتصديق ، والظلمات التي هي فيه لظلمات ما هم مستبطنون من الشك والتكذيب ومرض القلوب . وأما الرعد والصواعق ، فلما هم عليه من الوجل من وعيد الله إياهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في آي كتابه ، إما في العاجل وإما في الآجل ، أن يحل بهم ، مع شكهم في ذلك : هل هو كائن أم غير كائن ؟ وهل له حقيقة أم ذلك كذب وباطل ؟ مثل . فهم من وجلهم ، أن يكون ذلك حقا ، يتقونه بالإقرار بما جاء به المنافقون محمد صلى الله عليه وسلم بألسنتهم ، مخافة على أنفسهم من الهلاك ونزول النقمات ، وذلك تأويل قوله جل ثناؤه " يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت " يعني بذلك : يتقون وعيد الله الذي أنزله في كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، بما يبدونه بألسنتهم من ظاهر الإقرار ، كما يتقي الخائف أصوات الصواعق بتغطية أذنيه وتصيير أصابعه فيها ، حذرا على نفسه منها .
وقد ذكرنا الخبر الذي روي عن ابن مسعود أنهما كانا يقولان : إن وابن عباس فرقا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل فيهم شيء ، أو يذكروا بشيء فيقتلوا . فإن كان ذلك صحيحا - ولست أعلمه صحيحا إذ كنت بإسناده مرتابا - فإن القول الذي روي عنهما هو القول ، وإن يكن غير صحيح ، فأولى بتأويل الآية ما قلنا ، لأن الله إنما قص علينا من خبرهم في أول مبتدأ قصتهم ، أنهم يخادعون الله ورسوله والمؤمنين بقولهم : آمنا بالله وباليوم الآخر ، مع شك قلوبهم ومرض أفئدتهم في حقيقة ما زعموا أنهم به مؤمنون ، مما جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند ربهم . وبذلك وصفهم في جميع آي القرآن التي ذكر فيها صفتهم . فكذلك ذلك في هذه الآية . المنافقين كانوا إذا حضروا مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخلوا أصابعهم [ ص: 354 ] في آذانهم
وإنما جعل الله إدخالهم أصابعهم في آذانهم مثلا لاتقائهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بما ذكرنا أنهم يتقونهم به ، كما يتقي سامع صوت الصاعقة بإدخال أصابعه في أذنيه ، وذلك من المثل نظير تمثيل الله جل ثناؤه ما أنزل فيهم من الوعيد في آي كتابه بأصوات الصواعق . وكذلك قوله " حذر الموت " جعله جل ثناؤه مثلا لخوفهم وإشفاقهم من حلول عاجل العقاب المهلكهم الذي توعدوه بساحتهم كما يجعل سامع أصوات الصواعق أصابعه في أذنيه ، حذر العطب والموت على نفسه ، أن تزهق من شدتها .
وإنما نصب قوله " حذر الموت " على نحو ما تنصب به التكرمة في قولك : " زرتك تكرمة لك " تريد بذلك : من أجل تكرمتك ، وكما قال جل ثناؤه ، ( ويدعوننا رغبا ورهبا ) [ سورة الأنبياء : 90 ] على التفسير للفعل .
وقد روي عن قتادة أنه كان يتأول قوله : " حذر الموت " حذرا من الموت . [ ص: 355 ]
465 - حدثنا بذلك الحسن بن يحيى ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أنبأنا معمر ، عنه .
وذلك مذهب من التأويل ضعيف ، لأن القوم لم يجعلوا أصابعهم في آذانهم حذرا من الموت ، فيكون معناه ما قال إنه يراد به ، حذرا من الموت ، وإنما جعلوها من حذار الموت في آذانهم .
وكان قتادة وابن جريج يتأولان قوله : " يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت " أن ذلك من الله جل ثناؤه صفة للمنافقين بالهلع وضعف القلوب وكراهة الموت ، ويتأولان في ذلك قوله : ( يحسبون كل صيحة عليهم ) [ سورة المنافقون ] .
وليس الأمر في ذلك عندي كالذي قالا . وذلك أنه قد كان فيهم من لا تنكر شجاعته ولا تدفع بسالته ، كقزمان ، الذي لم يقم مقامه أحد من المؤمنين بأحد ، أو دونه . وإنما كانت كراهتهم شهود المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتركهم معاونته على أعدائه ، لأنهم لم يكونوا في أديانهم مستبصرين ، ولا برسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقين ، فكانوا للحضور معه مشاهده كارهين ، إلا بالتخذيل عنه . ولكن ذلك وصف من الله جل ثناؤه لهم بالإشفاق من حلول عقوبة الله بهم على نفاقهم ، إما عاجلا وإما آجلا . ثم أخبر جل ثناؤه أن [ ص: 356 ] المنافقين - الذين نعتهم الله النعت الذي ذكر - وضرب لهم الأمثال التي وصف ، وإن اتقوا عقابه ، وأشفقوا عذابه إشفاق الجاعل في أذنيه أصابعه حذار حلول الوعيد الذي توعدهم به في آي كتابه - غير منجيهم ذلك من نزوله بعقوتهم ، وحلوله بساحتهم ، إما عاجلا في الدنيا ، وإما آجلا في الآخرة ، للذي في قلوبهم من مرضها ، والشك في اعتقادها ، فقال : " والله محيط بالكافرين " بمعنى جامعهم ، فمحل بهم عقوبته .
وكان مجاهد يتأول ذلك كما :
466 - حدثني محمد بن عمرو الباهلي ، قال : حدثنا أبو عاصم . عن عيسى بن ميمون ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : والله محيط بالكافرين " قال : جامعهم في جهنم . "
وأما ابن عباس فروي عنه في ذلك ما :
467 - حدثني به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " والله محيط بالكافرين " يقول : الله منزل ذلك بهم من النقمة .
468 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، في قوله : " والله محيط بالكافرين " قال : جامعهم .
ثم عاد جل ذكره إلى نعت إقرار المنافقين بألسنتهم ، والخبر عنه وعنهم وعن نفاقهم ، وإتمام المثل الذي ابتدأ ضربه لهم ولشكهم ومرض قلوبهم ، فقال : " يكاد البرق " يعني بالبرق ، الإقرار الذي أظهروه بألسنتهم بالله وبرسوله وما جاء به من عند ربهم . فجعل البرق له مثلا على ما قدمنا صفته . [ ص: 357 ]
" يخطف أبصارهم " يعني : يذهب بها ويستلبها ويلتمعها من شدة ضيائه ونور شعاعه .
469 - كما حدثت عن المنجاب بن الحارث ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، في قوله : " يكاد البرق يخطف أبصارهم " قال : يلتمع أبصارهم ولما يفعل .
قال أبو جعفر : والخطف السلب ، ومنه الخبر الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يعني بها النهبة . ومنه قيل للخطاف الذي يخرج به الدلو من البئر خطاف ، لاختطافه واستلابه ما علق به ، ومنه قول نابغة بني ذبيان : نهى عن الخطفة ،
خطاطيف حجن في حبال متينة تمد بها أيد إليك نوازع
فجعل ضوء البرق وشدة شعاع نوره ، كضوء إقرارهم بألسنتهم بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من عند الله واليوم الآخر وشعاع نوره ، مثلا .
ثم قال تعالى ذكره : " كلما أضاء لهم " يعني أن البرق كلما أضاء لهم ، وجعل البرق لإيمانهم مثلا . وإنما أراد بذلك : أنهم كلما أضاء لهم الإيمان ، وإضاءته لهم أن يروا فيه ما يعجبهم في عاجل دنياهم ، من النصرة على الأعداء ، وإصابة الغنائم في المغازي ، وكثرة الفتوح ، ومنافعها ، والثراء في الأموال ، والسلامة في الأبدان والأهل والأولاد - فذلك إضاءته لهم ، لأنهم إنما يظهرون بألسنتهم ما يظهرونه من الإقرار ، ابتغاء ذلك ، ومدافعة عن أنفسهم وأموالهم وأهليهم وذراريهم ، وهم كما وصفهم الله جل ثناؤه بقوله : ( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه ) [ سورة الحج : 11 ] .
ويعني بقوله " مشوا فيه " مشوا في ضوء البرق . وإنما ذلك مثل لإقرارهم على ما وصفنا . فمعناه : كلما رأوا في الإيمان ما يعجبهم في عاجل دنياهم على ما وصفنا ، ثبتوا عليه وأقاموا فيه ، كما يمشي السائر في ظلمة الليل وظلمة الصيب الذي وصفه جل ثناؤه ، إذا برقت فيها بارقة أبصر طريقه فيها .
" وإذا أظلم " يعني : ذهب ضوء البرق عنهم .
ويعني بقوله " عليهم " على السائرين في الصيب الذي وصف جل ذكره . وذلك للمنافقين مثل . ومعنى إظلام ذلك أن المنافقين كلما لم يروا في الإسلام ما يعجبهم في دنياهم - عند ابتلاء الله مؤمني عباده بالضراء ، وتمحيصه إياهم بالشدائد والبلاء ، من إخفاقهم في مغزاهم ، وإنالة عدوهم منهم ، أو إدبار من [ ص: 359 ] دنياهم عنهم أقاموا على نفاقهم ، وثبتوا على ضلالتهم ، كما قام السائر في الصيب الذي وصف جل ذكره إذا أظلم وخفت ضوء البرق ، فحار في طريقه ، فلم يعرف منهجه .