[ ص: 288 ] القول في ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ( 23 ) ) تأويل قوله (
قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : " ألم تر " يا محمد " إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب " يقول : الذين أعطوا حظا من الكتاب " يدعون إلى كتاب الله " .
واختلف أهل التأويل في " الكتاب " الذي عنى الله بقوله : " يدعون إلى كتاب الله " .
فقال بعضهم : هو التوراة ، دعاهم إلى الرضى بما فيها ، إذ كانت الفرق المنتحلة الكتب تقر بها وبما فيها : أنها كانت أحكام الله قبل أن ينسخ منها ما نسخ .
ذكر من قال ذلك :
6781 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال حدثني سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس قال : دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيت المدراس على جماعة من يهود ، فدعاهم إلى الله ، فقال له نعيم بن عمرو ، والحارث [ ص: 289 ] بن زيد : على أي دين أنت يا محمد ؟ فقال : " على ملة إبراهيم ودينه . فقالا فإن إبراهيم كان يهوديا ! فقال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فهلموا إلى التوراة ، فهي بيننا وبينكم ! فأبيا عليه ، فأنزل الله - عز وجل - : " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون " إلى قوله : " ما كانوا يفترون " .
6782 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد مولى آل زيد عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس قال : دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بيت المدراس فذكر نحوه ، إلا أنه قال : فقال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فهلما إلى التوراة وقال أيضا : فأنزل الله فيهما : " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب " وسائر الحديث مثل حديث أبي كريب .
وقال بعضهم : بل ذلك كتاب الله الذي أنزله على محمد ، وإنما دعيت طائفة منهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليحكم بينهم بالحق ، فأبت .
ذكر من قال ذلك :
6783 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون [ ص: 290 ] " أولئك أعداء الله اليهود ، دعوا إلى كتاب الله ليحكم بينهم ، وإلى نبيه ليحكم بينهم ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، ثم تولوا عنه وهم معرضون .
6784 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه ، عن قتادة : " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب " الآية قال : هم اليهود ، دعوا إلى كتاب الله وإلى نبيه ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم ، ثم يتولون وهم معرضون !
6785 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن قوله : " ابن جريج ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم " قال : كان أهل الكتاب يدعون إلى كتاب ليحكم بينهم بالحق يكون ، وفي الحدود . وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعوهم إلى الإسلام ، فيتولون عن ذلك .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب أن يقال : إن الله - جل ثناؤه - أخبر عن طائفة من اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عهده ، ممن قد أوتي علما بالتوراة أنهم دعوا إلى كتاب الله الذي كانوا يقرون أنه من عند الله - وهو التوراة - في بعض ما تنازعوا فيه هم ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وقد يجوز أن يكون تنازعهم الذي كانوا [ ص: 291 ] تنازعوا فيه ، ثم دعوا إلى حكم التوراة فيه فامتنعوا من الإجابة إليه ، كان أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمر نبوته ، ويجوز أن يكون ذلك كان أمر إبراهيم خليل الرحمن ودينه ، ويجوز أن يكون ذلك ما دعوا إليه من أمر الإسلام والإقرار به ، ويجوز أن يكون ذلك كان في حد . فإن كل ذلك مما قد كانوا نازعوا فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعاهم فيه إلى حكم التوراة ، فأبى الإجابة فيه وكتمه بعضهم .
ولا دلالة في الآية على أي ذلك كان من أي ، فيجوز أن يقال : هو هذا دون هذا . ولا حاجة بنا إلى معرفة ذلك ، لأن المعنى الذي دعوا إلى حكمه ، هو مما كان فرضا عليهم الإجابة إليه في دينهم ، فامتنعوا منه ، فأخبر الله - جل ثناؤه - عنهم بردتهم ، وتكذيبهم بما في كتابهم ، وجحودهم ما قد أخذ عليهم عهودهم ومواثيقهم بإقامته والعمل به . فلن يعدوا أن يكونوا في تكذيبهم محمدا وما جاء به من الحق مثلهم في تكذيبهم موسى وما جاء به وهم يتولونه ويقرون به .
ومعنى قوله : " ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون " ثم يستدبر عن كتاب الله الذي دعا إلى حكمه ، معرضا عنه منصرفا ، وهو بحقيقته وحجته عالم . [ ص: 292 ]
وإنما قلنا إن ذلك " الكتاب " هو التوراة ، لأنهم كانوا بالقرآن مكذبين ، وبالتوراة بزعمهم مصدقين ، فكانت الحجة عليهم بتكذيبهم بما هم به في زعمهم مقرون ، أبلغ ، وللعذر أقطع .