القول في تأويل قوله ( ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل    ( 48 ) ) 
قال أبو جعفر   : اختلفت القرأة في قراءة ذلك . 
فقرأته عامة قرأة الحجاز  والمدينة  وبعض قرأة الكوفيين : ( ويعلمه ) بالياء ، ردا على قوله : " كذلك الله يخلق ما يشاء   " " ويعلمه الكتاب " فألحقوا الخبر في قوله : " ويعلمه " بنظير الخبر في قوله : " يخلق ما يشاء " وقوله : " فإنما يقول له كن فيكون " .  [ ص: 422 ] 
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين وبعض البصريين : ( ونعلمه ) بالنون ، عطفا به على قوله : " نوحيه إليك " كأنه قال : " ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك   " " ويعلمه الكتاب   " . وقالوا : ما بعد " نوحيه " في صلته إلى قوله : " كن فيكون " ثم عطف بقوله : " ونعلمه " عليه . 
قال أبو جعفر   : والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان مختلفتان ، غير مختلفتي المعاني ، فبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب الصواب في ذلك ، لاتفاق معنى القراءتين ، في أنه خبر عن الله بأنه يعلم عيسى  الكتاب ، وما ذكر أنه يعلمه . 
وهذا ابتداء خبر من الله - عز وجل - لمريم  ما هو فاعل بالولد الذي بشرها به من الكرامة ورفعة المنزلة والفضيلة ، فقال : كذلك الله يخلق منك ولدا ، من غير فحل ولا بعل ، فيعلمه الكتاب ، وهو الخط الذي يخطه بيده والحكمة ، وهي السنة التي يوحيها إليه في غير كتاب والتوراة ، وهي التوراة التي أنزلت على موسى ،  كانت فيهم من عهد موسى  والإنجيل ، إنجيل عيسى  ولم يكن قبله ، ولكن الله أخبر مريم قبل خلق عيسى  أنه موحيه إليه . 
وإنما أخبرها بذلك فسماه لها ، لأنها قد كانت علمت فيما نزل من الكتب أن الله باعث نبيا ، يوحى إليه كتابا اسمه الإنجيل ، فأخبرها الله - عز وجل - أن ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي سمعت بصفته الذي وعد أنبياءه من قبل أنه منزل عليه الكتاب الذي يسمى إنجيلا هو الولد الذي وهبه لها وبشرها به . 
وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
7080 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثني حجاج  قال : قال  ابن جريج   : " ويعلمه الكتاب " قال : بيده .  [ ص: 423 ] 
7081 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد ،  عن قتادة   : " ويعلمه الكتاب والحكمة   " قال : الحكمة السنة . 
7082 - حدثنا المثنى  قال : حدثنا إسحاق  قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ،  عن أبيه ، عن قتادة  في قوله : " ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل   " قال : " الحكمة " السنة " والتوراة والإنجيل " قال : كان عيسى  يقرأ التوراة والإنجيل . 
7083 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثني حجاج ،  عن  ابن جريج   : " ويعلمه الكتاب والحكمة "  ، قال : الحكمة السنة . 
7084 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا سلمة ،  عن ابن إسحاق ،  عن محمد بن جعفر بن الزبير  قال : أخبرها - يعني أخبر الله مريم   - ما يريد به فقال : " ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة   " التي كانت فيهم من عهد موسى   " والإنجيل " كتابا آخر أحدثه إليه لم يكن عندهم علمه ، إلا ذكره أنه كائن من الأنبياء قبله  . 
				
						
						
