القول في ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ( 67 ) ) تأويل قوله (
قال أبو جعفر : وهذا تكذيب من الله - عز وجل - دعوى الذين جادلوا في إبراهيم وملته من اليهود والنصارى ، وادعوا أنه كان على ملتهم وتبرئة لهم منه ، وأنهم لدينه مخالفون وقضاء منه - عز وجل - لأهل الإسلام ولأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أنهم هم أهل دينه ، وعلى منهاجه وشرائعه ، دون سائر أهل الملل والأديان غيرهم . [ ص: 494 ]
يقول الله - عز وجل - : ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولا كان من المشركين ، الذين يعبدون الأصنام والأوثان أو مخلوقا دون خالقه الذي هو إله الخلق وبارئهم " ولكن كان حنيفا " يعني : متبعا أمر الله وطاعته ، مستقيما على محجة الهدى التي أمر بلزومها " مسلما " يعني : خاشعا لله بقلبه ، متذللا له بجوارحه ، مذعنا لما فرض عليه وألزمه من أحكامه .
وقد بينا اختلاف أهل التأويل في معنى " الحنيف " فيما مضى ، ودللنا على القول الذي هو أولى بالصحة من أقوالهم ، بما أغنى عن إعادته .
وبنحو ما قلنا في ذلك من التأويل قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
7211 - حدثني إسحاق بن شاهين الواسطي قال : حدثنا عن خالد بن عبد الله ، داود ، عن عامر ، قال : قالت اليهود : إبراهيم على ديننا . وقالت النصارى : هو على ديننا . فأنزل الله - عز وجل - ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا " الآية ، فأكذبهم الله ، وأدحض حجتهم - يعني : اليهود الذين ادعوا أن إبراهيم مات يهوديا .
7212 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله . [ ص: 495 ]
7213 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري ، عن عن موسى بن عقبة ، - لا أراه إلا يحدثه عن أبيه - : أن سالم بن عبد الله زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ، ويتبعه ، فلقي عالما من اليهود ، فسأله عن دينه ، وقال : إني لعلي أن أدين دينكم ، فأخبرني عن دينكم . فقال له اليهودي : إنك لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله . قال زيد : ما أفر إلا من غضب الله ، ولا أحمل من غضب الله شيئا أبدا وأنا أستطيع . فهل تدلني على دين ليس فيه هذا ؟ قال : ما أعلمه إلا أن يكون حنيفا ! قال : وما الحنيف ؟ قال : دين إبراهيم ، لم يك يهوديا ولا نصرانيا ، وكان لا يعبد إلا الله . فخرج من عنده فلقي عالما من النصارى ، فسأله عن دينه فقال : إني لعلي أن أدين دينكم ، فأخبرني عن دينكم . قال : إنك لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله . قال : لا أحتمل من لعنة الله شيئا ، ولا من غضب الله شيئا أبدا ، وأنا أستطيع ، فهل تدلني على دين ليس فيه هذا ؟ فقال له نحوا مما قاله اليهودي : لا أعلمه إلا أن يكون حنيفا . فخرج من عنده ، وقد رضي الذي أخبراه والذي اتفقا عليه من شأن إبراهيم ، فلم يزل رافعا يديه إلى الله وقال : اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم . [ ص: 496 ]
أخبرنا أبو بكر محمد بن داود بن سليمان قال : حدثنا : محمد بن جرير الطبري