( واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين ( 191 ) فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم ( 192 ) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ( 193 ) )
قوله تعالى : ( واقتلوهم حيث ثقفتموهم ) قيل نسخت الآية الأولى بهذه الآية وأصل الثقافة الحذق والبصر بالأمور ، ومعناه واقتلوهم حيث بصرتم مقاتلتهم وتمكنتم من قتلهم ( وأخرجوهم من حيث أخرجوكم ) وذلك أنهم أخرجوا المسلمين من مكة فقال أخرجوهم من ديارهم كما أخرجوكم من دياركم [ ص: 214 ] ( والفتنة أشد من القتل ) يعني شركهم بالله عز وجل أشد وأعظم من قتلكم إياهم في الحرم والإحرام ( ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم ) قرأ حمزة : ( ولا تقتلوهم حتى يقتلوكم فإن قتلوكم ) بغير ألف فيهن من القتل على معنى ولا تقتلوا بعضهم تقول العرب قتلنا بني فلان وإنما قتلوا بعضهم وقرأ الباقون بالألف من القتال وكان هذا في ابتداء الإسلام كان لا يحل بدايتهم بالقتال في البلد الحرام ثم صار منسوخا بقوله تعالى ( والكسائي وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ) هذا قول قتادة وقال مقاتل بن حيان قوله ( واقتلوهم حيث ثقفتموهم ) أي حيث أدركتموهم في الحل والحرم صارت هذه الآية منسوخة بقوله تعالى ( ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام ) ثم نسختها آية السيف في ( براءة ) فهي ناسخة منسوخة وقال مجاهد وجماعة هذه الآية محكمة ولا يجوز الابتداء بالقتال في الحرم
( كذلك جزاء الكافرين )
( فإن انتهوا ) عن القتال والكفر ( فإن الله غفور رحيم ) أي غفور لما سلف رحيم بالعباد
( وقاتلوهم ) يعني المشركين ( حتى لا تكون فتنة ) أي شرك يعني قاتلوهم حتى يسلموا فلا يقبل من الوثني إلا الإسلام فإن أبى قتل (
قال نافع : جاء رجل إلى ابن عمر في فتنة ابن الزبير فقال ما يمنعك أن تخرج ؟ قال يمنعني أن الله تعالى قد حرم دم أخي ، قال ألا تسمع ما ذكره الله عز وجل " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا " ( 9 - الحجرات ) قال يا ابن أخي لأن أعير بهذه الآية ولا أقاتل أحب إلي من أن أعير بالآية التي يقول الله عز وجل فيها " ومن يقتل مؤمنا متعمدا " ( 93 - النساء ) قال ألم يقل الله ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ) قال قد فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان الإسلام قليلا وكان الرجل يفتن في دينه إما يقتلونه أو يعذبونه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة وكان الدين كله لله وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله وعن سعيد بن جبير قال قال رجل : كيف ترى في قتال الفتنة فقال هل تدري ما الفتنة كان لابن عمر محمد صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين وكان الدخول عليهم فتنة وليس بقتالكم على الملك ( فإن انتهوا ) عن الكفر وأسلموا ( فلا عدوان ) فلا سبيل ( إلا على الظالمين ) قاله ابن عباس . يدل عليه قوله تعالى " أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي " ( 28 - القصص ) وقال أهل المعاني العدوان الظلم أي فإن أسلموا فلا نهب ولا أسر ولا قتل ( إلا على الظالمين ) الذين بقوا على الشرك وما يفعل بأهل الشرك من هذه الأشياء لا يكون ظلما وسماه عدوانا على طريق المجازاة ، والمقابلة كما قال ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه ) وكقوله تعالى " وجزاء سيئة سيئة مثلها " ( 40 - الشورى ، وسمي الكافر [ ص: 215 ] ظالما لأنه يضع العبادة في غير موضعها