( قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين    ( 44 ) ) 
قوله - عز وجل - : ( قيل لها ادخلي الصرح    )  الآية ، وذلك أن سليمان  أراد أن ينظر إلى قدميها وساقيها من غير أن يسألها كشفها ، لما قالت الشياطين : إن رجليها كحافر الحمار ، وهي شعراء الساقين ، أمر الشياطين فبنوا له صرحا أي : قصرا من زجاج ، وقيل بيتا من زجاج كأنه الماء بياضا ، وقيل : الصرح صحن الدار ، وأجرى تحته الماء ، وألقى فيه كل شيء من دواب البحر السمك والضفادع وغيرهما ، ثم وضع سريره في صدره وجلس عليه وعكفت عليه الطير والجن والإنس . وقيل : اتخذ صحنا من قوارير وجعل تحتها تماثيل من الحيتان والضفادع ، فكان الواحد إذا رآه ظنه ماء . وقيل : إنما بنى الصرح ليختبر فهمها كما فعلت هي بالوصفاء والوصائف فلما جلس على السرير دعا بلقيس ، فلما جاءت قيل لها ادخلي الصرح .   [ ص: 168 ] 
( فلما رأته حسبته لجة    ) وهي معظم الماء ، ( وكشفت عن ساقيها    ) لتخوضه إلى سليمان  ، فنظر سليمان  فإذا هي أحسن الناس قدما وساقا إلا أنها كانت شعراء الساقين ، فلما رأى سليمان ذلك صرف بصره عنه وناداها ( قال إنه صرح ممرد    ) مملس مستو ، ( من قوارير ) وليس بماء ، ثم إن سليمان  دعاها إلى الإسلام ، وكانت قد رأت حال العرش والصرح فأجابت ، و ( قالت رب إني ظلمت نفسي    ) بالكفر . وقال مقاتل    : لما رأت السرير والصرح علمت أن ملك سليمان  من الله فقالت : رب إني ظلمت نفسي بعبادة غيرك ، ( وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين    ) أي : أخلصت له التوحيد . وقيل : إنها لما بلغت الصرح وظنته لجة ، قالت في نفسها : إن سليمان  يريد أن يغرقني ، وكان القتل علي أهون من هذا ، فقولها : " ظلمت نفسي " تعني بذلك الظن . 
واختلفوا في أمرها بعد إسلامها ، قال عون بن عبد الله    : سأل رجل عبد الله بن عتبة    : هل تزوجها سليمان ؟  قال : انتهى أمرها إلى قولها : أسلمت مع سليمان  لله رب العالمين ، يعني : لا علم لنا وراء ذلك . وقال بعضهم : تزوجها ، ولما أراد أن يتزوجها كره ما رأى من كثرة شعر ساقيها ، فسأل الإنس : ما يذهب هذا ؟ قالوا : الموسى ، فقالت المرأة : لم تمسني حديدة قط ، فكره سليمان  الموسى ، وقال : إنها تقطع ساقيها ، فسأل الجن فقالوا : لا ندري ، ثم سأل الشياطين فقالوا : إنا نحتال لك حيلة حتى تكون كالفضة البيضاء ، فاتخذوا النورة والحمام ، فكانت النورة والحمامات من يومئذ فلما تزوجها سليمان  أحبها حبا شديدا ، وأقرها على ملكها ، وأمر الجن فابتنوا لها بأرض اليمن  ثلاثة حصون لم ير الناس مثلها ارتفاعا وحسنا ، وهي : سلحين وبينون وعمدان . ثم كان سليمان  يزورها في كل شهر مرة بعد أن ردها إلى ملكها ويقيم عندها ثلاثة أيام ، يبتكر من الشام  إلى اليمن  ، ومن اليمن  إلى الشام  ، وولدت له فيما ذكر وروي عن وهب  قال : زعموا أن بلقيس  لما أسلمت قال لها سليمان    : اختاري رجلا من قومك أزوجكه ، قالت : ومثلي يا نبي الله تنكح الرجال وقد كان لي في قومي من الملك والسلطان ما كان ؟ قال : نعم ، إنه لا يكون في الإسلام إلا ذلك ، ولا ينبغي لك أن تحرمي ما أحل الله لك ، فقالت : زوجني إن كان لا بد من ذلك ذا تبع  ملك همذان  فزوجه إياها ، ثم ردها إلى اليمن  ، وسلط زوجها ذا تبع  على اليمن  ، ودعا زوبعة أمير جن اليمن  ، فقال : اعمل لذي تبع  ما   [ ص: 169 ] استعملك فيه ، فلم يزل بها ملكا يعمل له فيها ما أراد حتى مات سليمان  ، فلما أن حال الحول ، وتبينت الجن موت سليمان  أقبل رجل منهم فسلك تهامة  حتى إذا كان في جوف اليمن  صرخ بأعلى صوته : يا معشر الجن إن الملك سليمان  قد مات ، فارفعوا أيديكم فرفعوا أيديهم وتفرقوا ، وانقضى ملك ذي تبع  ، وملك بلقيس  مع ملك سليمان    . وقيل : إن الملك وصل إلى سليمان  وهو ابن ثلاث عشرة سنة ومات وهو ابن ثلاث وخمسين سنة . 
				
						
						
