[ ص: 206 ] ( أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين ( 5 ) وكم أرسلنا من نبي في الأولين ( 6 ) وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون ( 7 ) فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين ( 8 ) ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم ( 9 ) )
( أفنضرب عنكم الذكر صفحا ) يقال : ضربت عنه وأضربت عنه إذا تركته وأمسكت عنه ، " والصفح " مصدر قولهم صفحت عنه إذا أعرضت عنه ، وذلك بأن توليه صفحة وجهك [ وعنقك ] . والمراد بالذكر القرآن . ومعناه : أفنترك عنكم الوحي ونمسك عن إنزال القرآن فلا نأمركم [ ولا ننهاكم ] من أجل أنكم أسرفتم في كفركم وتركتم الإيمان ؟ استفهام بمعنى الإنكار ، أي : لا نفعل ذلك ، وهذا قول قتادة وجماعة . (
قال قتادة : والله لو كان هذا القرآن رفع حين رده أوائل هذه الأمة لهلكوا ، ولكن الله عاد عليهم بعائدته ورحمته ، فكرره عليهم عشرين سنة أو ما شاء الله .
وقيل : معناه : أفنضرب عنكم بتذكيرنا إياكم صافحين معرضين .
قال الكسائي : أفنطوي عنكم الذكر طيا فلا تدعون ولا توعظون . وقال الكلبي : أفنترككم سدى لا نأمركم ولا ننهاكم . وقال مجاهد : أفنعرض عنكم ونترككم فلا نعاقبكم على كفركم . ( والسدي أن كنتم قوما مسرفين ) قرأ أهل المدينة وحمزة : " إن كنتم " بكسر الهمزة ، على معنى : إذ كنتم ، كقوله : " والكسائي وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " ( آل عمران 139 ) ، وقرأ الآخرون بالفتح على معنى : لأن كنتم قوما مسرفين [ مشركين ] .
( وكم أرسلنا من نبي في الأولين وما يأتيهم ) أي وما كان يأتيهم ، ( من نبي إلا كانوا به يستهزئون ) كاستهزاء قومك بك ، يعزي نبيه - صلى الله عليه وسلم - .
( فأهلكنا أشد منهم بطشا ) أي أقوى من قومك ، يعني الأولين الذين أهلكوا بتكذيب الرسل ، ( ومضى مثل الأولين ) أي صفتهم وسنتهم وعقوبتهم ، فعاقبة هؤلاء كذلك في الإهلاك .
( ولئن سألتهم ) أي سألت قومك ، [ ص: 207 ] ( من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم ) أقروا بأن الله خالقها ، وأقروا بعزه وعلمه ثم عبدوا غيره وأنكروا قدرته على البعث لفرط جهلهم . إلى هاهنا تم الإخبار عنهم .