[ ص: 233 ] ( وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين ( 33 ) إن هؤلاء ليقولون ( 34 ) إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين ( 35 ) فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين ( 36 ) أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين ( 37 ) )
( وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين ) قال قتادة : نعمة بينة من فلق البحر ، وتظليل الغمام ، وإنزال المن والسلوى ، والنعم التي أنعمها عليهم . وقال ابن زيد : ابتلاهم بالرخاء والشدة ، وقرأ : " ونبلوكم بالشر والخير فتنة " ( الأنبياء - 35 ) .
( إن هؤلاء ) يعني مشركي مكة ( ليقولون إن هي إلا موتتنا الأولى ) أي لا موتة إلا هذه التي نموتها في الدنيا ، ثم لا بعث بعدها . وهو قوله : ( وما نحن بمنشرين ) بمبعوثين بعد موتتنا .
( فأتوا بآبائنا ) [ الذين ماتوا ] ( إن كنتم صادقين ) أنا نبعث أحياء بعد الموت ، ثم خوفهم مثل عذاب الأمم الخالية فقال : ( أهم خير أم قوم تبع ) أي ليسوا خيرا منهم ، يعني أقوى وأشد وأكثر من قوم تبع . قال قتادة : هو تبع الحميري ، وكان سار بالجيوش حتى حير الحيرة ، وبنى سمرقند وكان من ملوك اليمن ، سمي تبعا لكثرة أتباعه ، وكل واحد منهم يسمى : " تبعا " لأنه يتبع صاحبه ، وكان هذا يعبد النار فأسلم ودعا قومه إلى الإسلام وهم حمير ، فكذبوه وكان من خبره ما ذكره محمد بن إسحاق وغيره .
وذكر عكرمة عن ابن عباس قالوا : كان تبع الآخر وهو أسعد أبو كرب بن مليك [ جاء بكرب ] حين أقبل من المشرق وجعل طريقه على المدينة ، وقد كان حين مر بها خلف بين أظهرهم ابنا له فقتل غيلة ، فقدمها وهو مجمع لإخرابها واستئصال أهلها ، فجمع له هذا الحي من الأنصار حين سمعوا ذلك من أمره ، فخرجوا لقتاله وكان الأنصار يقاتلونه بالنهار ويقرونه بالليل ، فأعجبه ذلك وقال : إن هؤلاء لكرام ، إذ جاءه حبران اسمهما : كعب وأسد من أحبار بني قريظة ، عالمان وكانا ابني عم ، حين سمعا ما يريد من إهلاك المدينة وأهلها ، فقالا له : أيها الملك لا تفعل فإنك إن أبيت إلا ما تريد حيل بينك وبينها ، ولم نأمن عليك عاجل العقوبة . فإنها مهاجر نبي يخرج من هذا الحي من قريش اسمه محمد ، مولده مكة ، وهذه دار هجرته ومنزلك الذي أنت به يكون به من القتل والجراح أمر كبير في أصحابه ، وفي عدوهم . قال تبع : من يقاتله وهو نبي ؟ قالا يسير إليه قومه فيقتلون هاهنا ، فتناهى لقولهما عما كان يريد بالمدينة ، ثم إنهما دعواه إلى دينهما فأجابهما واتبعهما على دينهما وأكرمهما وانصرف عن المدينة ، وخرج بهما ونفر من اليهود عامدين إلى اليمن ، [ ص: 234 ] فأتاه في الطريق نفر من هذيل وقالوا : إنا ندلك على بيت فيه كنز من لؤلؤ وزبرجد وفضة ، قال : أي بيت ؟ قالوا : بيت بمكة ، وإنما تريد هذيل هلاكه لأنهم عرفوا أنه لم يرده أحد قط بسوء إلا هلك ، فذكر ذلك للأحبار ، فقالوا : ما نعلم لله في الأرض بيتا غير هذا البيت ، فاتخذه مسجدا وانسك عنده وانحر واحلق رأسك ، وما أراد القوم إلا هلاكك لأنه ما ناوأهم أحد قط إلا هلك ، فأكرمه واصنع عنده ما يصنع أهله ، فلما قالوا له ذلك أخذ النفر من هذيل فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم صلبهم ، فلما قدم مكة نزل الشعب شعب البطائح ، وكسا البيت الوصائل ، وهو ، ونحر بالشعب ستة آلاف بدنة ، وأقام به ستة أيام وطاف به وحلق وانصرف ، فلما دنا من أول من كسا البيت اليمن ليدخلها حالت حمير بين ذلك وبينه ، قالوا : لا تدخل علينا وقد فارقت ديننا ، فدعاهم إلى دينه وقال إنه دين خير من دينكم ، قالوا : فحاكمنا إلى النار ، وكانت باليمن نار في أسفل جبل يتحاكمون إليها فيما يختلفون فيه ، فتأكل الظالم ولا تضر المظلوم ، فقال تبع : أنصفتم ، فخرج القوم بأوثانهم وما يتقربون به في دينهم وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما حتى قعدوا للنار عند مخرجها الذي تخرج منه ، فخرجت النار فأقبلت حتى غشيتهم ، فأكلت الأوثان وما قربوا معها ، ومن حمل ذلك من رجال حمير ، وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما ، يتلوان التوراة تعرق جباههما لم تضرهما ، ونكصت النار حتى رجعت إلى مخرجها الذي خرجت منه فأصفقت عند ذلك حمير على دينهما ، فمن هنالك كان أصل اليهودية في اليمن .
وذكر أبو حاتم عن قال : كان الرقاشي أبو كرب أسعد الحميري من التبابعة ، آمن بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يبعث بسبعمائة سنة .
وذكر لنا أن كعبا كان يقول : ذم الله قومه ولم يذمه .
وكانت عائشة تقول : لا تسبوا تبعا فإنه كان رجلا صالحا .
وقال سعيد بن جبير : هو الذي كسا البيت .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري ، حدثنا ، حدثنا أبو بكر بن مالك القطيعي عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أبي ، حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا عن أبو زرعة بن عمرو بن جرير سهل بن سعد قال : . [ ص: 235 ] سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم "
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا ، أخبرني أبو إسحاق الثعلبي ابن فنجويه ، حدثنا ابن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن علي بن سالم الهمداني ، حدثنا أبو الأزهر أحمد بن الأزهر النيسابوري ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر عن ابن أبي ذئب ، عن المقبري ، عن قال : أبي هريرة . ( قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما أدري تبع نبيا كان أو غير نبي " والذين من قبلهم ) من الأمم الكافرة . ( أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين ) .