( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون     ( 4 ) ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم    ( 5 ) ) 
( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات    ) قرأ العامة بضم الجيم ، وقرأ أبو جعفر  بفتح الجيم ، وهما لغتان ، وهي جمع الحجر ، والحجر جمع الحجرة فهي جمع الجمع . 
قال ابن عباس    : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية إلى بني العنبر  وأمر عليهم عيينة بن حصن الفزاري  ، فلما علموا أنه توجه نحوهم هربوا وتركوا عيالهم ، فسباهم عيينة بن حصن  وقدم بهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فجاء بعد ذلك رجالهم يفدون الذراري ، فقدموا وقت الظهيرة ، ووافقوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائلا في أهله ، فلما رأتهم الذراري أجهشوا إلى آبائهم يبكون ، وكان لكل امرأة من نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ حجرة ، فعجلوا أن يخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ] ، فجعلوا ينادون : يا محمد  اخرج إلينا ، حتى أيقظوه من نومه ، فخرج إليهم فقالوا : يا محمد  فادنا عيالنا ، فنزل جبريل  عليه السلام فقال : إن الله يأمرك أن تجعل بينك وبينهم رجلا فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أترضون أن يكون بيني وبينكم سبرة بن عمرو  ، وهو على دينكم ؟ فقالوا : نعم ، فقال سبرة    : أنا لا أحكم بينهم إلا وعمي شاهد ، وهو الأعور بن بشامة  ، فرضوا به ، فقال الأعور    : أرى أن تفادي نصفهم وتعتق نصفهم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قد رضيت ، ففادى نصفهم وأعتق نصفهم ، فأنزل الله تعالى :   " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون    " ، وصفهم بالجهل وقلة العقل . 
( ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم    ) قال مقاتل    : لكان خيرا لهم لأنك كنت تعتقهم جميعا وتطلقهم بلا فداء ( والله غفور رحيم ) . 
 [ ص: 338 ] وقال قتادة    : نزلت في ناس من أعراب بني تميم  جاءوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فنادوا على الباب . 
ويروى ذلك عن جابر  قال : جاءت بنو تميم  فنادوا على الباب : اخرج إلينا يا محمد  ، فإن مدحنا زين ، وذمنا شين ، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول : إنما ذلكم الله الذي مدحه زين وذمه شين ، فقالوا : نحن ناس من بني تميم  جئنا بشعرائنا وخطبائنا لنشاعرك ونفاخرك ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما بالشعر بعثت ولا بالفخار أمرت ، ولكن هاتوا " ، فقام شاب منهم فذكر فضله وفضل قومه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -  لثابت بن قيس بن شماس  ، وكان خطيب النبي - صلى الله عليه وسلم - : " قم فأجبه " ، فأجابه ، وقام شاعرهم فذكر أبياتا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -  لحسان بن ثابت    : " أجبه " فأجابه . فقام الأقرع بن حابس  ، فقال : إن محمدا  لمؤتى له والله ما أدري هذا الأمر ، تكلم خطيبنا فكان خطيبهم أحسن قولا ، وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أشعر وأحسن قولا ، ثم دنا من النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما يضرك ما كان قبل هذا " ثم أعطاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكساهم ، وقد كان تخلف في ركابهم عمرو بن الأهتم  لحداثة سنه ، فأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل ما أعطاهم ، وأزرى به بعضهم وارتفعت الأصوات وكثر اللغط عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فنزل فيهم : " يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم " الآيات الأربع إلى قوله : " غفور رحيم " . 
وقال  زيد بن أرقم :  جاء ناس من العرب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى هذا الرجل فإن يكن نبيا فنحن أسعد الناس به ، وإن يكن ملكا نعش في جنابه ، فجاءوا فجعلوا ينادونه ، يا محمد  يا محمد  ، فأنزل الله : " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم    . 
				
						
						
