( وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون     ( 5 ) سواء عليهم أأستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين    ( 6 ) ) 
( وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم    ) أي عطفوا وأعرضوا بوجوههم رغبة عن الاستغفار . قرأ نافع  ويعقوب    " لووا " بالتخفيف ، وقرأ الآخرون بالتشديد ، لأنهم فعلوه مرة بعد مرة . 
( ورأيتهم يصدون    ) يعرضون عما دعوا إليه ، ( وهم مستكبرون    ) متكبرون عن استغفار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم . ( سواء عليهم أستغفرت لهم ) يا محمد  ، ( أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين    ) ذكر محمد بن إسحاق  وغيره عن جماعة ، من أصحاب السير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلغه : أن بني المصطلق  يجتمعون لحربه وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو [ جويرة    ] زوج النبي   [ ص: 131 ]   - صلى الله عليه وسلم - ، فلما سمع بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المريسيع  من ناحية قديد  إلى الساحل ، فتزاحف الناس واقتتلوا فهزم الله بني المصطلق   ، وقتل من قتل منهم ، ونقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبناءهم ونساءهم وأموالهم فأفاءها [ عليهم ] فبينما الناس على ذلك الماء إذ وردت واردة الناس ومع  عمر بن الخطاب  أجير له من بني غفار  ، يقال له جهجاه بن سعيد الغفاري  يقود له فرسه فازدحم جهجاه  وسنان بن وبرة الجهني  ، حليف بني عوف بن الخزرج  ، على [ ذلك ] الماء فاقتتلا فصرخ الجهني : يا معشر الأنصار ! وصرخ الغفاري : يا معشر المهاجرين ! وأعان جهجاها الغفاري رجل من المهاجرين يقال له جعال ، وكان فقيرا ، فغضب عبد الله بن أبي ابن سلول  وعنده رهط من قومه فيهم  زيد بن أرقم  ، غلام حديث السن ، فقال ابن أبي    : أفعلوها ؟ فقد نافرونا وكاثرونا في بلادنا ، والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة  ليخرجن الأعز منها الأذل . يعني بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ثم أقبل على من حضره من قومه فقال : هذا ما فعلتم بأنفسكم ، أحللتموهم بلادكم ، وقاسمتموهم أموالكم ، أما والله لو أمسكتم عن جعال وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم ، ولتحولوا إلى غير بلادكم ، فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد  ، فقال  زيد بن أرقم    : أنت - والله - الذليل القليل المبغض في قومك ، محمد    - صلى الله عليه وسلم - في عز من الرحمن ومودة من المسلمين ، فقال عبد الله بن أبي    : اسكت ، فإنما كنت ألعب . قال : فمشى  زيد بن أرقم  إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ وذلك ] بعد فراغه من الغدو ، فأخبره الخبر ، وعنده  عمر بن الخطاب  ، فقال : دعني أضرب عنقه يا رسول الله قال : كيف يا عمر  إذا تحدث الناس أن محمدا  يقتل أصحابه ؟ ولكن أذن بالرحيل . وذلك في ساعة لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرتحل فيها فارتحل الناس . 
وأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عبد الله بن أبي  فأتاه فقال : أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني ؟ فقال عبد الله    : والذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك ، وإن زيدا  لكاذب ، وكان عبد الله  في قومه شريفا عظيما ، فقال من حضر من الأنصار من أصحابه : يا رسول الله عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قاله . فعذره النبي - صلى الله عليه وسلم - وفشت الملامة في الأنصار  لزيد  ، وكذبوه ، وقال له عمه [ وكان زيد معه ] ما أردت إلى أن كذبك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والناس مقتوك ، وكان زيد يساير النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستحيا بعد ذلك أن يدنو من النبي - صلى الله عليه وسلم - .   [ ص: 132 ] 
فلما استقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسار لقيه  أسيد بن حضير  فحياه بتحية النبوة وسلم عليه ، ثم قال : يا رسول الله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها . 
فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أوما بلغك ما قال صاحبكم عبد الله بن أبي ؟  قال : وما قال ؟ قال : زعم إن رجع إلى المدينة  أخرج الأعز منها الأذل . فقال أسيد    : فأنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت ، هو والله الذليل وأنت العزيز ، ثم قال : يا رسول الله ارفق به فوالله لقد جاء الله بك ، وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكا   . 
وبلغ  عبد الله بن عبد الله بن أبي  ما كان من أمر أبيه فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتلعبد الله بن أبي  ، لما بلغك عنه ، فإن كنت فاعلا فمرني به ، فأنا أحمل إليك رأسه ، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل أبر بوالديه مني ، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله ، فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي  يمشي في الناس فأقتله ، فأقتل مؤمنا بكافر ، فأدخل النار . 
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بل نرفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا . 
قالوا : وسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومهم ذلك حتى أمسى ، وليلتهم حتى أصبح ، وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس ، [ ثم نزل بالناس ] فلم يكن إلا أن وجدوا مس الأرض فوقعوا نياما . وإنما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبد الله بن أبي    . 
ثم راح بالناس حتى نزل [ على ماء ب ] الحجاز  فويق النقيع  ، يقال له نقعا فهاجت ريح شديدة آذتهم وتخوفوها وضلت ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك ليلا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تخافوا فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار توفي بالمدينة  ، قيل : من هو ، قال : رفاعة بن زيد بن التابوت  ، فقال رجل من المنافقين : كيف يزعم أنه يعلم الغيب ولا يعلم مكان ناقته ؟ ألا يخبره الذي يأتيه بالوحي ! فأتاه جبريل  فأخبره بقول المنافق وبمكان الناقة ، وأخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه ، وقال : ما أزعم أني أعلم الغيب وما أعلمه ، ولكن الله أخبرني بقول المنافق وبمكان ناقتي ، هي في الشعب قد تعلق زمامها بشجرة فخرجوا يسعون قبل الشعب فإذا هي كما قال ، فجاءوا بها وآمن ذلك المنافق   . 
فلما قدموا المدينة  وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت  قد مات ذلك اليوم ، وكان من عظماء اليهود وكهفا للمنافقين ، فلما وافى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، قال  زيد بن أرقم    : جلست في البيت   [ ص: 133 ] لما بي من الهم والحياء ، فأنزل الله تعالى سورة المنافقين في تصديق زيد  وتكذيب عبد الله    . فلما نزلت أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأذن زيد  وقال : " يا زيد إن الله صدقك وأوفى بأذنك   " . 
وكان عبد الله بن أبي  بقرب المدينة  ، فلما أراد أن يدخلها جاءه ابنه عبد الله بن عبد الله  حتى أناخ على مجامع طرق المدينة  ، فلما جاء عبد الله بن أبي  قال : [ وراءك ، قال : ] مالك ويلك ؟ قال : لا والله لا تدخلها أبدا إلا بإذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولتعلمن اليوم من الأعز من الأذل ، فشكا عبد الله إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما صنع ابنه ، فأرسل إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن خل عنه حتى يدخل ، فقال : أما إذا جاء أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنعم ، فدخل فلم يلبث إلا أياما قلائل حتى اشتكى ومات . 
قالوا : فلما نزلت الآية وبان كذب عبد الله بن أبي  قيل له : يا أبا حباب إنه قد نزل فيك آي شداد فاذهب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستغفر لك ، فلوى رأسه ثم قال : أمرتموني أن أؤمن فآمنت ، وأمرتموني أن أعطي زكاة مالي فقد أعطيت فما بقي إلا أن أسجد لمحمد  فأنزل الله تعالى : " وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم    " الآية . ونزل : ( هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا    ) . 
				
						
						
