[ ص: 482 ]  [ ص: 483 ]  [ ص: 484 ]  [ ص: 485 ] سورة القدر 
مكية 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( إنا أنزلناه في ليلة القدر     ( 1 ) وما أدراك ما ليلة القدر    ( 2 ) ) 
( إنا أنزلناه في ليلة القدر    ) يعني القرآن ، كناية عن غير مذكور ، أنزله جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ، فوضعه في بيت العزة ، ثم كان ينزل به جبريل    - عليه السلام - نجوما في عشرين سنة . ثم عجب نبيه فقال : ( وما أدراك ما ليلة القدر    ) سميت ليلة القدر لأنها ليلة تقدير الأمور والأحكام ، يقدر الله فيها أمر السنة في عباده وبلاده إلى السنة المقبلة ، كقوله تعالى : " فيها يفرق كل أمر حكيم    " ( الدخان - 4 ) وهو مصدر قولهم : قدر الله الشيء بالتخفيف ، قدرا وقدرا ، كالنهر والنهر والشعر والشعر ، وقدره - بالتشديد - تقديرا [ وقدر بالتخفيف قدرا ] بمعنى واحد . 
قيل  للحسين بن الفضل    : أليس قد قدر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض ؟ قال : [ بلى ] ، قيل : فما معنى ليلة القدر ؟ قال : سوق المقادير إلى المواقيت ، وتنفيذ القضاء المقدر . وقال الأزهري    : " ليلة القدر    " : أي ليلة العظمة والشرف من قول الناس : لفلان عند الأمير قدر ، أي جاه ومنزلة ، ويقال : قدرت ، فلانا أي عظمته . قال الله تعالى : " وما قدروا الله حق قدره    " ( الأنعام - 91 ) ( الزمر - 67 ) أي ما عظموه حق تعظيمه . 
وقيل : لأن العمل الصالح يكون فيها ذا قدر عند الله لكونه مقبولا .   [ ص: 486 ] واختلفوا في وقتها; فقال بعضهم : إنها كانت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم رفعت ، وعامة الصحابة والعلماء على أنها باقية إلى يوم القيامة . وروي عن عبد الله بن مكانس مولى معاوية  قال : قلت  لأبي هريرة    : زعموا أن ليلة القدر قد رفعت ؟ قال : كذب من قال ذلك ، قلت : هي في كل شهر أستقبله ؟ قال : نعم . 
وقال بعضهم : هي ليلة من ليالي السنة حتى لو علق رجل طلاق امرأته وعتق عبده بليلة القدر ،  لا يقع ما لم تمض سنة من حين حلف . يروى ذلك عن ابن مسعود  ، قال : من يقم الحول يصبها ، فبلغ ذلك عبد الله بن عمر  فقال : يرحم الله أبا عبد الرحمن  أما إنه علم أنها في شهر رمضان ، ولكن أراد أن لا يتكل الناس . 
والجمهور من أهل العلم على أنها في شهر رمضان . 
واختلفوا في تلك الليلة ; قال أبو رزين العقيلي    : هي أول ليلة من شهر رمضان . وقال الحسن    : ليلة سبع عشرة ، وهي الليلة التي كانت صبيحتها وقعة بدر    . 
والصحيح والذي عليه الأكثرون : أنها في العشر الأواخر من شهر رمضان . 
أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي  ، أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي  ، حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي  ، حدثنا أبو عيسى الترمذي  ، حدثنا  هارون بن إسحاق الهمداني  ، حدثنا  عبدة بن سليمان  ، عن  هشام بن عروة  ، عن أبيه عن عائشة  رضي الله عنها قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجاور في العشر الأواخر من رمضان ، ويقول : " تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان "   . 
أخبرنا أبو عثمان الضبي  ، أخبرنا أبو محمد الجراحي  ، حدثنا أبو العباس المحبوبي  ، حدثنا أبو عيسى  ، حدثنا قتيبة ،  حدثنا عبد الواحد بن زياد  ، عن الحسن بن عبيد الله  ، عن إبراهيم ،  عن الأسود ،  عن عائشة  رضي الله عنها قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في العشر الأواخر [ ما ] لا يجتهد في غيرها    .  [ ص: 487 ] 
أخبرنا عبد الواحد المليحي  ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي  ، أخبرنا محمد بن يوسف  ، حدثنا  محمد بن إسماعيل  ، حدثنا علي بن عبد الله  ، حدثنا سفيان ،  عن أبي يعقوب ،  عن أبي الضحى  ، عن مسروق ،  عن عائشة  رضي الله تعالى عنها قالت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر [ الأواخر ] من رمضان شد مئزره وأحيا ليله ، وأيقظ أهله . 
واختلفوا في أنها في أي ليلة من العشر ؟ 
أخبرنا عبد الواحد المليحي  ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي  ، أخبرنا محمد بن يوسف  ، حدثنا  محمد بن إسماعيل  ، حدثنا قتيبة بن سعيد  ، حدثنا إسماعيل بن جعفر  ، حدثنا أبو سهل بن مالك  ، عن أبيه عن عائشة  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :   " تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان "   . 
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي  ، أخبرنا  أبو إسحاق الثعلبي  ، أخبرنا عبد الله بن حامد الوازن  ، أخبرنا مكي بن عبدان  ، حدثنا عبد الله بن [ هاشم ] بن حيان  ، حدثنا  يحيى بن سعيد القطان  ، حدثنا عيينة بن عبد الرحمن  ، حدثني أبي قال : ذكرت ليلة القدر عند أبي بكرة  ، فقال : ما أنا بطالبها بعد شيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا في العشر الأواخر ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :   " التمسوها في العشر الأواخر من تسع بقين أو سبع بقين أو خمس بقين أو ثلاث بقين أو آخر ليلة " ، فكان أبو بكرة  إذا دخل رمضان يصلي كما يصلي في سائر السنة ، فإذا دخل العشر [ الأخير ] اجتهد . 
وأخبرنا عبد الواحد المليحي  ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي  ، أخبرنا محمد بن يوسف  ، حدثنا  محمد بن إسماعيل  ، حدثنا  محمد بن المثنى  ، حدثني خالد بن الحارث  ، حدثنا حميد ،  حدثنا أنس بن مالك  عن عبادة بن الصامت  قال : خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين ، فقال : " خرجت ،   [ ص: 488 ] لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت ، وعسى أن يكون خيرا لكم ، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة "   . 
أخبرنا أبو الحسن السرخسي  ، أخبرنا زاهر بن أحمد  ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي  ، أخبرنا أبو مصعب  عن مالك ،  عن نافع  عن عبد الله بن عمر  أن رجالا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - [ أروا ] ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر من رمضان فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إني أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر "   . وروي عن  أبي سعيد الخدري    : أنها ليلة إحدى وعشرين . 
أخبرنا أبو الحسن السرخسي  ، أخبرنا زاهر بن أحمد  ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي  ، أخبرنا أبو مصعب  عن مالك ،  عن  يزيد بن عبد الله بن الهاد  ، عن  محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي  ، عن  أبي سلمة بن عبد الرحمن  ، عن  أبي سعيد الخدري  أنه قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف العشر الوسطى من رمضان ، واعتكف عاما حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج صبحها من اعتكافه ، قال : من [ كان سيعتكف ] معي فليعتكف العشر الأواخر ، وقد رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها ، وقد رأيتني أسجد في صبيحتها في ماء وطين ، فالتمسوها في العشر الأواخر ، والتمسوها في كل وتر . 
قال أبو سعيد الخدري    : فمطرت السماء تلك الليلة ، وكان المسجد على عريش فوكف المسجد . 
قال أبو سعيد    : فأبصرت عيناي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف وعلى جبهته وأنفه أثر ، الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين . 
وقال بعضهم : هي ليلة ثلاث وعشرين .   [ ص: 489 ] 
أخبرنا عبد الواحد المليحي  ، أخبرنا أبو منصور السمعاني  ، حدثنا أبو جعفر الرياني  ، حدثنا حميد بن زنجويه  ، حدثنا أحمد بن خالد الحمصي  ، حدثنا محمد بن إسحاق  عن محمد بن إبراهيم  ، حدثني عبد الله بن أنيس  عن أبيه أنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إني أكون ببادية يقال لها الوطأة  وإني بحمد الله أصلي بهم ، فمرني بليلة من هذا الشهر أنزلها إلى المسجد فأصليها فيه ، فقال : " انزل ليلة ثلاث وعشرين فصلها فيه ، وإن أحببت أن تستتم آخر الشهر فافعل ، وإن أحببت فكف " . قال : فكان إذا صلى العصر دخل المسجد فلم يخرج إلا من حاجة حتى يصلي الصبح ، فإذا صلى الصبح كانت دابته بباب المسجد . 
وأخبرنا عبد الواحد المليحي  ، أخبرنا أبو منصور السمعاني  ، حدثنا أبو جعفر الرياني  ، حدثنا حميد بن زنجويه  ، حدثنا يعلى بن عبيد  ، حدثنا الأعمش  عن أبي صالح  عن  أبي هريرة  قال : تذاكرنا ليلة القدر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كم مضى من الشهر ؟ فقلنا : ثنتان [ وعشرون ] وبقي سبع ، [ فقال : " مضى اثنتان وعشرون وبقي سبع ] اطلبوها الليلة ، الشهر تسع وعشرون "   . 
وقال قوم : هي ليلة سبع وعشرين ، وهو قول علي  وأبي   وعائشة    : 
أخبرنا عبد الواحد المليحي  ، أخبرنا أبو منصور السمعاني  ، حدثنا أبو جعفر الرياني  ، حدثنا حميد بن زنجويه  ، حدثنا يعلى بن عبيد  ، حدثنا سفيان  عن عاصم  عن زر بن حبيش  قال : قلت  لأبي بن كعب    : يا أبا المنذر  أخبرنا عن ليلة القدر ، فإن ابن أم عبد  يقول : من يقم الحول يصبها ، فقال :   [ ص: 490 ] رحم الله أبا عبد الرحمن  ، أما إنه قد علم أنها في رمضان ، ولكن كره أن يخبركم فتتكلوا هي - والذي أنزل القرآن على محمد    - صلى الله عليه وسلم - ليلة ، سبع وعشرين ، فقلنا : يا أبا المنذر  أنى علمت هذا ؟ قال : بالآية التي أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فحفظنا [ ووعينا ] ، هي والله [ لا تنسى ] ، قال قلنا لزر    : وما الآية ؟ قال : تطلع الشمس كأنها طاس ليس لها شعاع . 
ومن علاماتها : ما روي عن الحسن  رفعه : أنها ليلة [ بلجة ] سمحة لا حارة ولا باردة ، تطلع الشمس صبيحتها لا شعاع لها . 
وفي الجملة : أبهم الله هذه الليلة على هذه الأمة  ليجتهدوا في العبادة ليالي رمضان طمعا في إدراكها ، كما أخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة ، وأخفى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس ، واسمه الأعظم في الأسماء ، ورضاه في الطاعات ليرغبوا في جميعها ، وسخطه في المعاصي لينتهوا عن جميعها ، وأخفى قيام الساعة ليجتهدوا في الطاعات حذرا من قيامها . 
				
						
						
