[ ص: 532 ] [ ص: 533 ] [ ص: 534 ] [ ص: 535 ] سورة الفيل
مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=105&ayano=1ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ( 1 ) )
(
nindex.php?page=tafseer&surano=105&ayano=1ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) ؟ وكانت
nindex.php?page=treesubj&link=29258_28901قصة أصحاب الفيل - على ما ذكره
محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم عن
سعيد بن جبير وعكرمة عن
ابن عباس وذكره الواقدي - :
أن النجاشي ملك
الحبشة كان قد بعث
" أرياط " إلى
أرض اليمن فغلب عليها ، فقام رجل من الحبشة ، يقال له :
" أبرهة بن الصباح " [ أبو يكسوم ] ، ، فساخط
" أرياط " في أمر الحبشة ، حتى انصدعوا صدعين ، وكانت طائفة مع
أرياط ، وطائفة مع
أبرهة ، فتزاحفا فقتل
أبرهة ، أرياط ، واجتمعت
الحبشة لأبرهة ، وغلب على
اليمن وأقره النجاشي ، على عمله .
ثم إن
أبرهة رأى الناس يتجهزون أيام الموسم إلى
مكة لحج بيت الله ، فبنى كنيسة
بصنعاء وكتب إلى النجاشي : إني قد بنيت لك
بصنعاء كنيسة لم يبن لملك مثلها ، ولست منتهيا حتى أصرف إليها حج العرب ، فسمع به رجل من
بني مالك بن كنانة [ فخرج إليها مستخفيا ] فدخلها ليلا فقعد فيها وتغوط بها ، ولطخ بالعذرة قبلتها ، فبلغ ذلك
أبرهة فقال : من اجترأ علي ولطخ كنيستي بالعذرة ؟ فقيل له : صنع ذلك رجل من العرب من أهل ذلك البيت سمع بالذي قلت ، فحلف
أبرهة عند ذلك : ليسيرن إلى
الكعبة حتى يهدمها ، فكتب إلى النجاشي يخبره بذلك وسأله أن يبعث إليه بفيله ، وكان له فيل يقال له محمود ، وكان فيلا لم ير مثله عظما وجسما وقوة ، فبعث به إليه ، فخرج
[ ص: 536 ] أبرهة من
الحبشة سائرا إلى
مكة ، وخرج معه الفيل ، فسمعت العرب بذلك فأعظموه ورأوا جهاده حقا عليهم ، فخرج ملك من ملوك
اليمن ، يقال له :
ذو نفر ، بمن أطاعه من قومه ، فقاتله فهزمه
أبرهة وأخذ
ذا نفر ، فقال : أيها الملك لا تقتلني فإن استبقائي خير لك من قتلي ، فاستحياه وأوثقه . وكان
أبرهة رجلا حليما .
ثم سار حتى إذا دنا من
بلاد خثعم ، خرج
نفيل بن حبيب الخثعمي في
خثعم ومن اجتمع إليه من قبائل
اليمن ، فقاتلوه فهزمهم وأخذ
نفيلا فقال
نفيل : أيها الملك إني دليل بأرض العرب ، وهاتان يداي على قومي بالسمع والطاعة ، فاستبقاه ، وخرج معه يدله حتى إذا مر
بالطائف خرج إليه
مسعود بن معتب في رجال من
ثقيف فقال : أيها الملك نحن عبيدك ، ليس لك عندنا خلاف ، وإنما تريد البيت الذي
بمكة ، نحن نبعث معك من يدلك عليه ، فبعثوا معه
أبا رغال ، مولى لهم ، فخرج حتى إذا كان
[ بالمغمس ] مات
أبو رغال وهو الذي يرجم قبره ، وبعث
أبرهة من
المغمس رجلا من
الحبشة ، يقال له :
الأسود بن مسعود ، على مقدمة خيله ، وأمره بالغارة على نعم الناس ، فجمع
الأسود إليه أموال الحرم ، وأصاب
لعبد المطلب مائتي بعير .
ثم إن
أبرهة بعث
حباطة الحميري إلى
أهل مكة ، وقال : سل عن شريفها ثم أبلغه ما أرسلك به إليه ، أخبره أني لم آت لقتال ، إنما جئت لأهدم هذا البيت . فانطلق حتى دخل
مكة فلقي
عبد المطلب بن هاشم ، فقال : إن الملك أرسلني إليك لأخبرك أنه لم يأت لقتال إلا أن تقاتلوه ، إنما جاء لهدم هذا البيت ثم الانصراف عنكم .
فقال
عبد المطلب : ما له عندنا قتال ولا لنا به يد إلا أن نخلي بينه وبين ما جاء له ، فإن هذا بيت الله الحرام وبيت خليله
إبراهيم - عليه السلام - ، فإن يمنعه فهو بيته وحرمه ، وإن يخل بينه وبين ذلك فوالله ما لنا به قوة .
قال : فانطلق معي إلى الملك ، فزعم بعض العلماء أنه أردفه على بغلة كان عليها وركب معه بعض بنيه حتى قدم المعسكر ، وكان
ذو نفر صديقا
لعبد المطلب فأتاه فقال : يا
ذا نفر ، هل عندك من [ غناء ] فيما نزل بنا ؟ فقال : ما غناء رجل أسير لا يأمن أن يقتل بكرة أو عشيا ، ولكن سأبعث إلى
أنيس ، سائس الفيل ، فإنه لي صديق فأسأله أن يصنع لك عند الملك ما استطاع من خير ويعظم خطرك ومنزلتك عنده ، قال : فأرسل إلى
أنيس فأتاه فقال له : إن هذا سيد قريش صاحب
[ ص: 537 ] عير مكة الذي يطعم الناس في السهل والوحوش في رءوس الجبال ، وقد أصاب له الملك مائتي بعير ، فإن استطعت أن تنفعه عنده فانفعه فإنه صديق لي ، أحب ، ما وصل إليه من الخير ، فدخل
أنيس على
أبرهة فقال : أيها الملك هذا سيد
قريش وصاحب عير
مكة الذي يطعم الناس في السهل والوحوش في رءوس الجبال ، يستأذن إليك وأنا أحب أن تأذن له فيكلمك ، وقد جاء غير ناصب لك ولا مخالف عليك ، فأذن له ، وكان
عبد المطلب رجلا جسيما وسيما ، فلما رآه
أبرهة أعظمه وأكرمه ، وكره أن يجلس معه على السرير وأن يجلس تحته ، فهبط إلى البساط فجلس عليه ثم دعاه فأجلسه معه ، ثم قال لترجمانه قل له : ما حاجتك إلى الملك ؟ فقال له الترجمان ذلك ، فقال
عبد المطلب : حاجتي إلى الملك أن يرد علي مائتي بعير أصابها لي ، فقال
أبرهة لترجمانه قل له : لقد كنت أعجبتني حين رأيتك ، وقد زهدت فيك ، قال
[ عبد المطلب ] : لم ؟ قال : جئت إلى بيت هو دينك ودين آبائك وهو شرفكم وعصمتكم لأهدمه لم تكلمني فيه وتكلمني في مائتي بعير أصبتها ؟ قال
عبد المطلب : أنا رب هذه الإبل وإن لهذا البيت ربا سيمنعه ، قال ما كان ليمنعه مني ، قال فأنت وذاك ، فأمر بإبله فردت عليه .
فلما ردت الإبل إلى
عبد المطلب خرج فأخبر
قريشا الخبر ، وأمرهم أن يتفرقوا في الشعاب ويتحرزوا في رءوس الجبال ، تخوفا عليهم من معرة الجيش ، ففعلوا ، وأتى
عبد المطلب الكعبة ، وأخذ بحلقة الباب وجعل يقول :
يا رب لا أرجو لهم سواكا يا رب فامنع منهم حماكا إن عدو البيت من عاداكا
امنعهم أن يخربوا قراكا
وقال أيضا :
لا هم إن العبد يمنع رحله فامنع حلالك
لا يغلبن صليبهم ومحالهم غدوا محالك
جروا جموع بلادهم والفيل كي يسبوا عيالك
عمدوا حماك بكيدهم جهلا وما رقبوا جلالك
[ ص: 538 ] إن كنت تاركهم وكعبتنا فأمر ما بدا لك
فلم أسمع بأرجس من رجال أرادوا الغزو ينتهكوا حرامك
ثم ترك
عبد المطلب الحلقة وتوجه في بعض تلك الوجوه مع قومه ، وأصبح
أبرهة بالمغمس قد تهيأ للدخول وعبأ جيشه وهيأ فيله ، وكان فيلا لم ير مثله في العظم والقوة ويقال كان معه اثنا عشر فيلا .
فأقبل
نفيل إلى الفيل الأعظم ثم أخذ بأذنه فقال : ابرك محمود وارجع راشدا من حيث جئت [ فإنك ] في بلد الله الحرام ، فبرك الفيل فبعثوه فأبى ، فضربوه بالمعول في رأسه فأبى ، فأدخلوا محاجنهم تحت مراقه ومرافقه فنزعوه ليقوم فأبى ، فوجهوه راجعا إلى
اليمن فقام يهرول ، ووجهوه إلى
الشام ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى
المشرق ففعل مثل ذلك ، فصرفوه إلى الحرم فبرك وأبى أن يقوم .
وخرج
نفيل يشتد حتى [ صعد ] في الجبل ، وأرسل الله عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف مع كل [ طائر ] منها ثلاثة أحجار : حجران في رجليه ، وحجر في منقاره ، أمثال الحمص والعدس ، فلما غشين القوم أرسلنها عليهم فلم تصب تلك الحجارة أحدا إلا هلك ، وليس كل القوم أصابت وخرجوا هاربين لا يهتدون إلى الطريق الذي جاءوا منه ، يتساءلون عن
نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق إلى
اليمن ، ونفيل ينظر إليهم من بعض تلك الجبال ، فصرخ القوم وماج بعضهم في بعض يتساقطون بكل طريق ويهلكون على كل [ مهلك ] .
وبعث الله على
أبرهة داء في جسده فجعل يتساقط أنامله كلما سقطت أنملة اتبعتها [ مدة من قيح ودم ] ، فانتهى إلى
صنعاء وهو مثل فرخ الطير فيمن بقي من أصحابه ، وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ثم هلك .
قال
الواقدي : وأما محمود ، فيل النجاشي ، فربض ولم [ يسر ] على الحرم فنجا ، والفيل
[ ص: 539 ] الآخر شجع فحصب .
وزعم
مقاتل بن سليمان أن
nindex.php?page=treesubj&link=29258السبب الذي جرأ أصحاب الفيل : أن فتية من قريش خرجوا تجارا إلى أرض النجاشي فدنوا من ساحل البحر وثم بيعة
للنصارى تسميها
قريش " الهيكل " ، فنزلوا فأججوا نارا واشتووا فلما ارتحلوا تركوا النار كما هي في يوم عاصف فعجت الريح فاضطرم الهيكل نارا فانطلق الصريخ إلى النجاشي فأسف غضبا للبيعة ، فبعث
أبرهة لهدم
الكعبة .
وقال فيه : إنه كان
بمكة يومئذ
أبو مسعود الثقفي وكان مكفوف البصر يصيف
بالطائف ويشتو
بمكة ; وكان رجلا نبيها نبيلا تستقيم الأمور برأيه ، وكان خليلا
لعبد المطلب ، فقال له
عبد المطلب : ماذا عندك هذا يوم لا يستغنى فيه عن رأيك ؟ فقال
أبو مسعود : اصعد بنا إلى
حراء فصعد الجبل ، فقال
أبو مسعود لعبد المطلب : اعمد إلى مائة من الإبل فاجعلها لله وقلدها نعلا ثم أرسلها في الحرم لعل بعض هذه السودان يعقر منها شيئا ، فيغضب رب هذا البيت فيأخذهم ، ففعل ذلك
عبد المطلب فعمد القوم إلى تلك الإبل فحملوا عليها وعقروا بعضها وجعل
عبد المطلب يدعو ، فقال
أبو مسعود : إن لهذا البيت ربا يمنعه ، فقد نزل
تبع ، ملك
اليمن صحن هذا البيت وأراد هدمه فمنعه الله وابتلاه ، وأظلم عليه ثلاثة أيام ، فلما رأى
تبع ذلك كساه القباطي البيض ، وعظمه ونحر له جزورا .
[ ثم قال
أبو مسعود ] فانظر نحو البحر ، فنظر
عبد المطلب فقال : أرى طيرا بيضاء نشأت من شاطئ البحر ، فقال : ارمقها ببصرك أين قرارها ؟ قال أراها قد دارت على رءوسنا ، قال : فهل تعرفها ؟ قال : فوالله ما أعرفها ما هي
بنجدية ولا
تهامية ولا غربية ولا
شامية ، قال : ما قدها ؟ قال : أشباه [ اليعاسيب ] ، في منقارها حصى كأنها حصى الحذف ، قد أقبلت كالليل يكسع بعضها بعضا ، أمام كل رفقة طير يقودها أحمر المنقار أسود الرأس طويل العنق ، فجاءت حتى إذا حاذت بعسكر القوم [ وكدت ] فوق رءوسهم ، فلما توافت الرجال كلها أهالت الطير ما في مناقيرها على من تحتها ، مكتوب في كل حجر اسم صاحبه ، ثم إنها انصاعت راجعة من حيث جاءت ، فلما أصبحا انحطا من ذروة الجبل فمشيا ربوة فلم يؤنسا أحدا ثم دنوا ربوة فلم يسمعا حسا فقالا بات القوم [ ساهرين ] ، فأصبحوا نياما ، فلما دنوا من عسكر القوم فإذا هم خامدون ، وكان يقع
[ ص: 540 ] الحجر على بيضة أحدهم فيخرقها حتى يقع في دماغه ويخرق الفيل والدابة ويغيب الحجر في الأرض من شدة وقعه ، فعمد
عبد المطلب فأخذ فأسا من فؤوسهم فحفر حتى أعمق في الأرض فملأه من أموالهم ، من الذهب الأحمر والجوهر ، وحفر لصاحبه حفرة فملأها كذلك ، ثم قال
لأبي مسعود : هات فاختر إن شئت حفرتي وإن شئت حفرتك ، وإن شئت فهما لك معا ، قال
أبو مسعود : اختر لي على نفسك ، فقال
عبد المطلب إني لم آل أن أجعل أجود المتاع في حفرتي فهو لك ، وجلس كل واحد منهما على حفرته ، ونادى
عبد المطلب في الناس ، فتراجعوا وأصابوا من فضلهما حتى ضاقوا به ذرعا ، وساد
عبد المطلب بذلك قريشا وأعطته المقادة ، فلم يزل
عبد المطلب وأبو مسعود في أهليهما في غنى من ذلك المال ، ودفع الله عن كعبته وبيته .
واختلفوا في
nindex.php?page=treesubj&link=29258تاريخ عام الفيل ; فقال
مقاتل : كان قبل مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - بأربعين سنة .
وقال
الكلبي : بثلاث وعشرين سنة .
والأكثرون على أنه كان في العام الذي ولد فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قوله - عز وجل - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=105&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29076_29258ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) ؟ قال
مقاتل : كان معهم فيل واحد . وقال
الضحاك : كانت الفيلة ثمانية . وقيل اثنا عشر ، سوى الفيل الأعظم ، وإنما وحد لأنه نسبهم إلى الفيل الأعظم . وقيل : لوفاق رءوس الآي .
[ ص: 532 ] [ ص: 533 ] [ ص: 534 ] [ ص: 535 ] سُورَةُ الْفِيلِ
مَكِّيَّةٌ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=105&ayano=1أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ( 1 ) )
(
nindex.php?page=tafseer&surano=105&ayano=1أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ) ؟ وَكَانَتْ
nindex.php?page=treesubj&link=29258_28901قِصَّةُ أَصْحَابِ الْفِيلِ - عَلَى مَا ذَكَرَهُ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ - :
أَنَّ النَّجَاشِيَّ مَلِكَ
الْحَبَشَةِ كَانَ قَدْ بَعَثَ
" أَرْيَاطَ " إِلَى
أَرْضِ الْيَمَنِ فَغَلَبَ عَلَيْهَا ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْحَبَشَةِ ، يُقَالُ لَهُ :
" أَبْرَهَةُ بْنُ الصَّبَاحِ " [ أَبُو يَكْسُومَ ] ، ، فَسَاخَطَ
" أَرْيَاطَ " فِي أَمْرِ الْحَبَشَةِ ، حَتَّى انْصَدَعُوا صَدْعَيْنِ ، وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مَعَ
أَرْيَاطَ ، وَطَائِفَةٌ مَعَ
أَبْرَهَةَ ، فَتَزَاحَفَا فَقَتَلَ
أَبْرَهَةُ ، أَرْيَاطَ ، وَاجْتَمَعَتِ
الْحَبَشَةُ لِأَبْرَهَةَ ، وَغَلَبَ عَلَى
الْيَمَنِ وَأَقَرَّهُ النَّجَاشِيُّ ، عَلَى عَمَلِهِ .
ثُمَّ إِنَّ
أَبْرَهَةَ رَأَى النَّاسَ يَتَجَهَّزُونَ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ إِلَى
مَكَّةَ لِحَجِّ بَيْتِ اللَّهِ ، فَبَنَى كَنِيسَةً
بِصَنْعَاءَ وَكَتَبَ إِلَى النَّجَاشِيِّ : إِنِّي قَدْ بَنَيْتُ لَكَ
بِصَنْعَاءَ كَنِيسَةً لَمْ يُبْنَ لِمَلِكٍ مَثَلُهَا ، وَلَسْتُ مُنْتَهِيًا حَتَّى أَصْرِفَ إِلَيْهَا حَجَّ الْعَرَبِ ، فَسَمِعَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ
بَنِي مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ [ فَخَرَجَ إِلَيْهَا مُسْتَخْفِيًا ] فَدَخَلَهَا لَيْلًا فَقَعَدَ فِيهَا وَتَغَوَّطَ بِهَا ، وَلَطَّخَ بِالْعُذْرَةِ قِبْلَتَهَا ، فَبَلَغَ ذَلِكَ
أَبْرَهَةَ فَقَالَ : مَنِ اجْتَرَأَ عَلَيَّ وَلَطَّخَ كَنِيسَتِي بِالْعُذْرَةِ ؟ فَقِيلَ لَهُ : صَنَعَ ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَيْتِ سَمِعَ بِالَّذِي قُلْتَ ، فَحَلَفَ
أَبْرَهَةُ عِنْدَ ذَلِكَ : لِيَسِيرَنَّ إِلَى
الْكَعْبَةِ حَتَّى يَهْدِمَهَا ، فَكَتَبَ إِلَى النَّجَاشِيِّ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ وَسَأَلَهُ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ بِفِيلِهِ ، وَكَانَ لَهُ فِيلٌ يُقَالُ لَهُ مَحْمُودٌ ، وَكَانَ فِيلًا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ عِظَمًا وَجِسْمًا وَقُوَّةً ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَيْهِ ، فَخَرَجَ
[ ص: 536 ] أَبْرَهَةُ مِنَ
الْحَبَشَةِ سَائِرًا إِلَى
مَكَّةَ ، وَخَرَجَ مَعَهُ الْفِيلُ ، فَسَمِعَتِ الْعَرَبُ بِذَلِكَ فَأَعْظَمُوهُ وَرَأَوْا جِهَادَهُ حَقًا عَلَيْهِمْ ، فَخَرَجَ مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ
الْيَمَنِ ، يُقَالُ لَهُ :
ذُو نَفَرٍ ، بِمَنْ أَطَاعَهُ مَنْ قَوْمِهِ ، فَقَاتَلَهُ فَهَزَمَهُ
أَبْرَهَةُ وَأَخَذَ
ذَا نَفَرٍ ، فَقَالَ : أَيُّهَا الْمَلِكُ لَا تَقْتُلَنِي فَإِنَّ اسْتِبْقَائِيَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ قَتْلِي ، فَاسْتَحْيَاهُ وَأَوْثَقَهُ . وَكَانَ
أَبْرَهَةُ رَجُلًا حَلِيمًا .
ثُمَّ سَارَ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْ
بِلَادِ خَثْعَمَ ، خَرَجَ
نُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ الْخَثْعَمِيُّ فِي
خَثْعَمَ وَمَنِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ مِنْ قَبَائِلِ
الْيَمَنِ ، فَقَاتَلُوهُ فَهَزَمَهُمْ وَأَخَذَ
نُفَيْلًا فَقَالَ
نُفَيْلٌ : أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنِّي دَلِيلٌ بِأَرْضِ الْعَرَبِ ، وَهَاتَانِ يَدَايَ عَلَى قَوْمِي بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ، فَاسْتَبْقَاهُ ، وَخَرَجَ مَعَهُ يَدُلُّهُ حَتَّى إِذَا مَرَّ
بِالطَّائِفِ خَرَجَ إِلَيْهِ
مَسْعُودُ بْنُ مُعَتِّبٍ فِي رِجَالٍ مِنْ
ثَقِيفٍ فَقَالَ : أَيُّهَا الْمَلِكُ نَحْنُ عَبِيدُكَ ، لَيْسَ لَكَ عِنْدَنَا خِلَافٌ ، وَإِنَّمَا تُرِيدُ الْبَيْتَ الَّذِي
بِمَكَّةَ ، نَحْنُ نَبْعَثُ مَعَكَ مَنْ يَدُلُّكَ عَلَيْهِ ، فَبَعَثُوا مَعَهُ
أَبَا رِغَالٍ ، مَوْلًى لَهُمْ ، فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ
[ بِالْمُغَمَّسِ ] مَاتَ
أَبُو رِغَالٍ وَهُوَ الَّذِي يُرْجَمُ قَبْرُهُ ، وَبَعَثَ
أَبْرَهَةُ مِنَ
الْمُغَمَّسِ رَجُلًا مِنَ
الْحَبَشَةِ ، يُقَالُ لَهُ :
الْأَسْوَدُ بْنُ مَسْعُودٍ ، عَلَى مُقَدِّمَةِ خَيْلِهِ ، وَأَمْرَهُ بِالْغَارَةِ عَلَى نَعَمِ النَّاسِ ، فَجَمَعَ
الْأَسْوَدُ إِلَيْهِ أَمْوَالَ الْحَرَمِ ، وَأَصَابَ
لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِائَتَيْ بَعِيرٍ .
ثُمَّ إِنَّ
أَبْرَهَةَ بَعَثَ
حَبَاطَةَ الْحِمْيَرِيَّ إِلَى
أَهْلِ مَكَّةَ ، وَقَالَ : سَلْ عَنْ شَرِيفِهَا ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَا أُرْسِلُكَ بِهِ إِلَيْهِ ، أَخْبِرْهُ أَنِّي لَمْ آتِ لِقِتَالٍ ، إِنَّمَا جِئْتُ لِأَهْدِمَ هَذَا الْبَيْتَ . فَانْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ
مَكَّةَ فِلَقِيَ
عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ هَاشِمٍ ، فَقَالَ : إِنَّ الْمَلِكَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ لِأُخْبِرَكَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ لِقِتَالٍ إِلَّا أَنْ تُقَاتِلُوهُ ، إِنَّمَا جَاءَ لِهَدْمِ هَذَا الْبَيْتِ ثُمَّ الِانْصِرَافِ عَنْكُمْ .
فَقَالَ
عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : مَا لَهُ عِنْدَنَا قِتَالٌ وَلَا لَنَا بِهِ يَدٌ إِلَّا أَنْ نُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا جَاءَ لَهُ ، فَإِنَّ هَذَا بَيْتُ اللَّهِ الْحَرَامُ وَبَيْتُ خَلِيلِهِ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، فَإِنْ يَمْنَعْهُ فَهُوَ بَيْتُهُ وَحَرَمُهُ ، وَإِنْ يُخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ فَوَاللَّهِ مَا لَنَا بِهِ قُوَّةٌ .
قَالَ : فَانْطَلِقْ مَعِي إِلَى الْمَلِكِ ، فَزَعَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ أَرْدَفَهُ عَلَى بَغْلَةٍ كَانَ عَلَيْهَا وَرَكِبَ مَعَهُ بَعْضُ بَنِيهِ حَتَّى قَدِمَ الْمُعَسْكَرَ ، وَكَانَ
ذُو نَفَرٍ صَدِيقًا
لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَتَاهُ فَقَالَ : يَا
ذَا نَفَرٍ ، هَلْ عِنْدَكَ مِنْ [ غَنَاءٍ ] فِيمَا نَزَلَ بِنَا ؟ فَقَالَ : مَا غَنَاءُ رَجُلٍ أَسِيرٍ لَا يَأْمَنُ أَنْ يُقْتَلَ بُكْرَةً أَوْ عَشِيًّا ، وَلَكِنْ سَأَبْعَثُ إِلَى
أُنَيْسٍ ، سَائِسِ الْفِيلِ ، فَإِنَّهُ لِي صَدِيقٌ فَأَسْأَلُهُ أَنْ يَصْنَعَ لَكَ عِنْدَ الْمَلِكِ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ خَيْرٍ وَيُعَظِّمُ خَطَرَكَ وَمَنْزِلَتَكَ عِنْدَهُ ، قَالَ : فَأَرْسَلَ إِلَى
أُنَيْسٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ : إِنَّ هَذَا سَيِّدُ قُرَيْشٍ صَاحِبُ
[ ص: 537 ] عِيرِ مَكَّةَ الَّذِي يُطْعِمُ النَّاسَ فِي السَّهْلِ وَالْوُحُوشَ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ ، وَقَدْ أَصَابَ لَهُ الْمَلِكُ مِائَتَيْ بَعِيرٍ ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَنْفَعَهُ عِنْدَهُ فَانْفَعْهُ فَإِنَّهُ صَدِيقٌ لِي ، أُحِبُّ ، مَا وَصَلَ إِلَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ ، فَدَخَلَ
أُنَيْسٌ عَلَى
أَبْرَهَةَ فَقَالَ : أَيُّهَا الْمَلِكُ هَذَا سَيِّدُ
قُرَيْشٍ وَصَاحِبُ عِيرِ
مَكَّةَ الَّذِي يُطْعِمُ النَّاسَ فِي السَّهْلِ وَالْوُحُوشَ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ ، يَسْتَأْذِنُ إِلَيْكَ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ فَيُكَلِّمَكَ ، وَقَدْ جَاءَ غَيْرَ نَاصِبٍ لَكَ وَلَا مُخَالِفٍ عَلَيْكَ ، فَأَذِنَ لَهُ ، وَكَانَ
عَبْدُ الْمُطَّلِبِ رَجُلًا جَسِيمًا وَسِيمًا ، فَلَمَّا رَآهُ
أَبْرَهَةُ أَعْظَمَهُ وَأَكْرَمَهُ ، وَكَرِهَ أَنْ يَجْلِسَ مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ وَأَنْ يَجْلِسَ تَحْتَهُ ، فَهَبَطَ إِلَى الْبِسَاطِ فَجَلَسَ عَلَيْهِ ثُمَّ دَعَاهُ فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ ، ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ : مَا حَاجَتُكَ إِلَى الْمَلِكِ ؟ فَقَالَ لَهُ التُّرْجُمَانُ ذَلِكَ ، فَقَالَ
عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : حَاجَتِي إِلَى الْمَلِكِ أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ مِائَتَيْ بَعِيرٍ أَصَابَهَا لِي ، فَقَالَ
أَبْرَهَةُ لِتُرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ : لَقَدْ كُنْتَ أَعْجَبْتَنِي حِينَ رَأَيْتُكَ ، وَقَدْ زَهِدْتُ فِيكَ ، قَالَ
[ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ] : لِمَ ؟ قَالَ : جِئْتُ إِلَى بَيْتٍ هُوَ دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ وَهُوَ شَرَفُكُمْ وَعِصْمَتُكُمْ لِأَهْدِمَهُ لَمْ تُكَلِّمْنِي فِيهِ وَتُكَلِّمُنِي فِي مِائَتَيْ بَعِيرٍ أَصَبْتُهَا ؟ قَالَ
عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : أَنَا رَبُّ هَذِهِ الْإِبِلِ وَإِنَّ لِهَذَا الْبَيْتِ رِبًّا سَيَمْنَعُهُ ، قَالَ مَا كَانَ لِيَمْنَعَهُ مِنِّي ، قَالَ فَأَنْتَ وَذَاكَ ، فَأَمَرَ بِإِبِلِهِ فَرُدَّتْ عَلَيْهِ .
فَلَمَّا رُدَّتِ الْإِبِلُ إِلَى
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ خَرَجَ فَأَخْبَرَ
قُرَيْشًا الْخَبَرَ ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ وَيَتَحَرَّزُوا فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ ، تَخَوُّفًا عَلَيْهِمْ مِنْ مَعَرَّةِ الْجَيْشِ ، فَفَعَلُوا ، وَأَتَى
عَبْدُ الْمُطَّلِبِ الْكَعْبَةَ ، وَأَخَذَ بِحَلْقَةِ الْبَابِ وَجَعَلَ يَقُولُ :
يَا رَبِّ لَا أَرْجُو لَهُمْ سِوَاكَا يَا رَبِّ فَامْنَعْ مِنْهُمْ حِمَاكَا إِنَّ عَدُوَّ الْبَيْتِ مَنْ عَادَاكَا
امْنَعْهُمْ أَنْ يُخَرِّبُوا قُرَاكَا
وَقَالَ أَيْضًا :
لَا هُمَّ إِنَّ العَبْدَ يَمْنَعُ رَحْلَهُ فَامْنَعْ حِلَالَكَ
لَا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ وَمِحَالُهُمْ غَدْوًا مِحَالُكْ
جَرُّوا جُمُوعَ بِلَادِهِمْ وَالْفِيلَ كَيْ يَسْبُوا عِيَالَكْ
عَمَدُوا حِمَاكَ بِكَيْدِهِمْ جَهْلًا وَمَا رَقَبُوا جَلَالَكَ
[ ص: 538 ] إِنْ كُنْتَ تَارِكَهُمْ وَكَعْبَتَنَا فَأْمُرْ مَا بَدَا لَكَ
فَلَمْ أَسْمَعْ بِأَرْجَسَ مِنْ رِجَالٍ أَرَادُوا الْغَزْوَ يَنْتَهِكُوا حَرَامَكَ
ثُمَّ تَرَكَ
عَبْدُ الْمُطَّلِبِ الْحَلْقَةَ وَتَوَجَّهَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْوُجُوهِ مَعَ قَوْمِهِ ، وَأَصْبَحَ
أَبْرَهَةُ بِالْمُغَمَّسِ قَدْ تَهَيَّأَ لِلدُّخُولِ وَعَبَّأَ جَيْشَهُ وَهَيَّأَ فِيلَهُ ، وَكَانَ فِيلًا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ فِي الْعِظَمِ وَالْقُوَّةِ وَيُقَالُ كَانَ مَعَهُ اثْنَا عَشَرَ فِيلًا .
فَأَقْبَلَ
نُفَيْلٌ إِلَى الْفِيلِ الْأَعْظَمِ ثُمَّ أَخَذَ بِأُذُنِهِ فَقَالَ : اُبْرُكْ مَحْمُودُ وَارْجِعْ رَاشِدًا مِنْ حَيْثُ جِئْتَ [ فَإِنَّكَ ] فِي بَلَدِ اللَّهِ الْحَرَامِ ، فَبَرَكَ الْفِيلُ فَبَعَثُوهُ فَأَبَى ، فَضَرَبُوهُ بِالْمِعْوَلِ فِي رَأْسِهِ فَأَبَى ، فَأَدْخَلُوا مَحَاجِنَهُمْ تَحْتَ مِرَاقِهِ وَمَرَافِقِهِ فَنَزَعُوهُ لِيَقُومَ فَأَبَى ، فَوَجَّهُوهُ رَاجِعًا إِلَى
الْيَمَنِ فَقَامَ يُهَرْوِلُ ، وَوَجَّهُوهُ إِلَى
الشَّامِ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَوَجَّهُوهُ إِلَى
الْمَشْرِقِ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَصَرَفُوهُ إِلَى الْحَرَمِ فَبَرَكَ وَأَبَى أَنْ يَقُومَ .
وَخَرَجَ
نُفَيْلٌ يَشْتَدُّ حَتَّى [ صَعِدَ ] فِي الْجَبَلِ ، وَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ طَيْرًا مِنَ الْبَحْرِ أَمْثَالَ الْخَطَاطِيفِ مَعَ كُلِّ [ طَائِرٍ ] مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ : حَجَرَانِ فِي رِجْلَيْهِ ، وَحَجَرٌ فِي مِنْقَارِهِ ، أَمْثَالُ الْحِمَّصِ وَالْعَدَسِ ، فَلَمَّا غَشَيْنَ الْقَوْمَ أَرْسَلْنَهَا عَلَيْهِمْ فَلَمْ تُصِبْ تِلْكَ الْحِجَارَةُ أَحَدًا إِلَّا هَلَكَ ، وَلَيْسَ كُلُّ الْقَوْمِ أَصَابَتْ وَخَرَجُوا هَارِبِينَ لَا يَهْتَدُونَ إِلَى الطَّرِيقِ الَّذِي جَاءُوا مِنْهُ ، يَتَسَاءَلُونَ عَنْ
نُفَيْلِ بْنِ حَبِيبٍ لِيَدُلَّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ إِلَى
الْيَمَنِ ، وَنُفَيْلٌ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ مِنْ بَعْضِ تِلْكَ الْجِبَالِ ، فَصَرَخَ الْقَوْمُ وَمَاجَ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ يَتَسَاقَطُونَ بِكُلِّ طَرِيقٍ وَيَهْلِكُونَ عَلَى كُلِّ [ مَهْلِكٍ ] .
وَبَعَثَ اللَّهُ عَلَى
أَبْرَهَةَ دَاءً فِي جَسَدِهِ فَجَعَلَ يَتَسَاقَطُ أَنَامِلُهُ كُلَّمَا سَقَطَتْ أُنْمُلَةٌ اتَّبَعَتْهَا [ مِدَّةٌ مِنْ قَيْحٍ وَدَمٍ ] ، فَانْتَهَى إِلَى
صَنْعَاءَ وَهُوَ مِثْلُ فَرْخِ الطَّيْرِ فِيمَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِهِ ، وَمَا مَاتَ حَتَّى انْصَدَعَ صَدْرُهُ عَنْ قَلْبِهِ ثُمَّ هَلَكَ .
قَالَ
الْوَاقِدِيُّ : وَأَمَّا مَحْمُودٌ ، فِيلُ النَّجَاشِيِّ ، فَرَبَضَ وَلَمْ [ يَسِرْ ] عَلَى الْحَرَمِ فَنَجَا ، وَالْفِيلُ
[ ص: 539 ] الْآخَرُ شَجَّعَ فَحُصِبَ .
وَزَعَمَ
مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29258السَّبَبَ الَّذِي جَرَّأَ أَصْحَابَ الْفِيلِ : أَنَّ فِتْيَةً مِنْ قُرَيْشٍ خَرَجُوا تُجَّارًا إِلَى أَرْضِ النَّجَاشِيِّ فَدَنَوْا مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ وَثَمَّ بَيْعَةٌ
لِلنَّصَارَى تُسَمِّيهَا
قُرَيْشٌ " الْهَيْكَلَ " ، فَنَزَلُوا فَأَجَّجُوا نَارًا وَاشْتَوُوا فَلَمَّا ارْتَحَلُوا تَرَكُوا النَّارَ كَمَا هِيَ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ فَعَجَّتِ الرِّيحُ فَاضْطَرَمَ الْهَيْكَلُ نَارًا فَانْطَلَقَ الصَّرِيخُ إِلَى النَّجَاشِيِّ فَأَسِفَ غَضَبًا لِلْبَيْعَةِ ، فَبَعَثَ
أَبْرَهَةَ لِهَدْمِ
الْكَعْبَةِ .
وَقَالَ فِيهِ : إِنَّهُ كَانَ
بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ
أَبُو مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ وَكَانَ مَكْفُوفَ الْبَصَرِ يُصَيِّفُ
بِالطَّائِفِ وَيَشْتُو
بِمَكَّةَ ; وَكَانَ رَجُلًا نَبِيهًا نَبِيلًا تَسْتَقِيمُ الْأُمُورُ بِرَأْيهِ ، وَكَانَ خَلِيلًا
لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَقَالَ لَهُ
عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : مَاذَا عِنْدَكَ هَذَا يَوْمٌ لَا يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ رَأْيِكَ ؟ فَقَالَ
أَبُو مَسْعُودٍ : اصْعَدْ بِنَا إِلَى
حِرَاءَ فَصَعِدَ الْجَبَلَ ، فَقَالَ
أَبُو مَسْعُودٍ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ : اعْمَدْ إِلَى مِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ فَاجْعَلْهَا لِلَّهِ وَقَلِّدْهَا نَعْلًا ثُمَّ أَرْسِلْهَا فِي الْحَرَمِ لَعَلَّ بَعْضَ هَذِهِ السُّودَانِ يَعْقِرُ مِنْهَا شَيْئًا ، فَيَغْضَبَ رَبُّ هَذَا الْبَيْتِ فَيَأْخُذَهُمْ ، فَفَعَلَ ذَلِكَ
عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَعَمَدَ الْقَوْمُ إِلَى تِلْكَ الْإِبِلِ فَحَمَلُوا عَلَيْهَا وَعَقَرُوا بَعْضَهَا وَجَعَلَ
عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو ، فَقَالَ
أَبُو مَسْعُودٍ : إِنْ لِهَذَا الْبَيْتِ رَبًّا يَمْنَعُهُ ، فَقَدْ نَزَلَ
تُبَّعُ ، مَلِكُ
الْيَمَنِ صَحْنَ هَذَا الْبَيْتِ وَأَرَادَ هَدْمَهُ فَمَنَعَهُ اللَّهُ وَابْتَلَاهُ ، وَأَظْلَمَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، فَلَمَّا رَأَى
تُبَّعُ ذَلِكَ كَسَاهُ الْقَبَاطِيَّ الْبِيضَ ، وَعَظَّمَهُ وَنَحَرَ لَهُ جَزُورًا .
[ ثُمَّ قَالَ
أَبُو مَسْعُودٍ ] فَانْظُرْ نَحْوَ الْبَحْرِ ، فَنَظَرَ
عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ : أَرَى طَيْرًا بَيْضَاءَ نَشَأَتْ مِنْ شَاطِئِ الْبَحْرِ ، فَقَالَ : اُرْمُقْهَا بِبَصَرِكَ أَيْنَ قَرَارُهَا ؟ قَالَ أَرَاهَا قَدْ دَارَتْ عَلَى رُءُوسِنَا ، قَالَ : فَهَلْ تَعْرِفُهَا ؟ قَالَ : فَوَاللَّهِ مَا أَعْرِفُهَا مَا هِيَ
بِنَجْدِيَّةٍ وَلَا
تِهَامِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ وَلَا
شَامِيَّةٍ ، قَالَ : مَا قَدُّهَا ؟ قَالَ : أَشْبَاهُ [ الْيَعَاسِيبِ ] ، فِي مِنْقَارِهَا حَصًى كَأَنَّهَا حَصَى الْحَذْفِ ، قَدْ أَقْبَلَتْ كَاللَّيْلِ يَكْسَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، أَمَامَ كُلِّ رُفْقَةٍ طَيْرٌ يَقُودُهَا أَحْمَرُ الْمِنْقَارِ أَسْوَدُ الرَّأْسِ طَوِيلُ الْعُنُقِ ، فَجَاءَتْ حَتَّى إِذَا حَاذَتْ بِعَسْكَرِ الْقَوْمِ [ وَكَدَتْ ] فَوْقَ رُءُوسِهِمْ ، فَلَمَّا تَوَافَتِ الرِّجَالُ كُلُّهَا أَهَالَتِ الطَّيْرُ مَا فِي مَنَاقِيرِهِا عَلَى مَنْ تَحْتَهَا ، مَكْتُوبٌ فِي كُلِّ حَجَرٍ اسْمُ صَاحِبِهِ ، ثُمَّ إِنَّهَا انْصَاعَتْ رَاجِعَةً مِنْ حَيْثُ جَاءَتْ ، فَلَمَّا أَصْبَحَا انْحَطَّا مِنْ ذُرْوَةِ الْجَبَلِ فَمَشَيَا رَبْوَةً فَلَمْ يُؤْنِسَا أَحَدًا ثُمَّ دَنَوْا رَبْوَةً فَلَمْ يَسْمَعَا حِسًّا فَقَالَا بَاتَ الْقَوْمُ [ سَاهِرِينَ ] ، فَأَصْبَحُوا نِيَامًا ، فَلَمَّا دَنَوْا مِنْ عَسْكَرِ الْقَوْمِ فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ، وَكَانَ يَقَعُ
[ ص: 540 ] الْحَجَرُ عَلَى بَيْضَةِ أَحَدِهِمْ فَيَخْرِقَهَا حَتَّى يَقَعَ فِي دِمَاغِهِ وَيَخْرِقَ الْفِيلَ وَالدَّابَّةَ وَيَغِيبَ الْحَجَرُ فِي الْأَرْضِ مِنْ شِدَّةِ وَقْعِهِ ، فَعَمَدَ
عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَأَخَذَ فَأْسًا مِنْ فُؤُوسِهِمْ فَحَفَرَ حَتَّى أَعْمَقَ فِي الْأَرْضِ فَمَلَأَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ، مِنَ الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ وَالْجَوْهَرِ ، وَحَفَرَ لِصَاحِبِهِ حُفْرَةً فَمَلَأَهَا كَذَلِكَ ، ثُمَّ قَالَ
لِأَبِي مَسْعُودٍ : هَاتِ فَاخْتَرْ إِنْ شِئْتَ حُفْرَتِي وَإِنْ شِئْتَ حُفْرَتَكَ ، وَإِنْ شِئْتَ فَهُمَا لَكَ مَعًا ، قَالَ
أَبُو مَسْعُودٍ : اخْتَرْ لِي عَلَى نَفْسِكَ ، فَقَالَ
عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِنِّي لَمْ آلُ أَنْ أَجْعَلَ أَجْوَدَ الْمَتَاعِ فِي حُفْرَتِي فَهُوَ لَكَ ، وَجَلَسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حُفْرَتِهِ ، وَنَادَى
عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي النَّاسِ ، فَتَرَاجَعُوا وَأَصَابُوا مِنْ فَضْلِهِمَا حَتَّى ضَاقُوا بِهِ ذَرْعًا ، وَسَادَ
عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِذَلِكَ قُرَيْشًا وَأَعْطَتْهُ الْمُقَادَةَ ، فَلَمْ يَزَلْ
عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَأَبُو مَسْعُودٍ فِي أَهْلِيهِمَا فِي غِنًى مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ ، وَدَفَعَ اللَّهُ عَنْ كَعْبَتِهِ وَبَيْتِهِ .
وَاخْتَلَفُوا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29258تَارِيخِ عَامِ الْفِيلِ ; فَقَالَ
مُقَاتِلٌ : كَانَ قَبْلَ مَوْلِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَرْبَعِينَ سَنَةً .
وَقَالَ
الْكَلْبِيُّ : بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً .
وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْعَامِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=105&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29076_29258أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ) ؟ قَالَ
مُقَاتِلٌ : كَانَ مَعَهُمْ فِيلٌ وَاحِدٌ . وَقَالَ
الضَّحَّاكُ : كَانَتِ الْفِيَلَةُ ثَمَانِيَةٌ . وَقِيلَ اثْنَا عَشَرَ ، سِوَى الْفِيلِ الْأَعْظَمِ ، وَإِنَّمَا وُحِّدَ لِأَنَّهُ نَسَبَهُمْ إِلَى الْفِيلِ الْأَعْظَمِ . وَقِيلَ : لِوِفَاقِ رُءُوسِ الْآيِ .