( وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون ( 59 ) وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا ( 60 ) )
( وما منعنا أن نرسل بالآيات ( التي سألها كفار قريش ( إلا أن كذب بها الأولون ( فأهلكناهم فإن لم يؤمن قومك بعد إرسال الآيات أهلكتهم لأن من سنتنا في الأمم إذا سألوا الآيات ثم لم يؤمنوا بعد إتيانها أن نهلكهم ولا نمهلهم وقد حكمنا بإهلاك هذه الأمة بالعذاب فقال جل ذكره : " بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر " ( القمر - 46 ) ثم قال :
( وآتينا ثمود الناقة مبصرة ( مضيئة بينة ( فظلموا بها ( أي : جحدوا بها أنها من عند الله كما قال : " بما كانوا بآياتنا يظلمون " ( الأعراف - 9 ) أي : يجحدون وقيل : ظلموا أنفسهم بتكذيبها يريد فعاجلناهم بالعقوبة .
( وما نرسل بالآيات ( أي : العبر والدلالات ( إلا تخويفا ( للعباد ليؤمنوا
قال قتادة إن الله تعالى يخوف الناس بما شاء من آياته لعلهم يرجعون . قوله عز وجل : ( وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس ( أي : هم في قبضته لا يقدرون على الخروج عن مشيئته فهو حافظك ومانعك منهم فلا تهبهم وامض إلى ما أمرك به من تبليغ الرسالة [ ص: 103 ] كما قال : " والله يعصمك من الناس " ( المائدة - 67 )
( وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ( فالأكثرون على أن المراد منه ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم [ ليلة المعراج من العجائب والآيات .
قال ابن عباس : هي رؤيا عين أريها النبي صلى الله عليه وسلم ] وهو قول سعيد بن جبير والحسن ومسروق وقتادة ومجاهد وعكرمة والأكثرين والعرب تقول : رأيت بعيني رؤية ورؤيا فلما ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس أنكر بعضهم ذلك وكذبوا فكان فتنة للناس . وابن جريج
وقال قوم : [ أسري بروحه دون بدنه .
وقال بعضهم : كان له معراجان : معراج رؤية بالعين ومعراج رؤيا بالقلب .
وقال قوم ] . أراد بهذه الرؤيا ما رأى صلى الله عليه وسلم عام الحديبية أنه دخل مكة هو وأصحابه فعجل السير إلى مكة قبل الأجل فصده المشركون فرجع إلى المدينة وكان رجوعه في ذلك العام بعدما أخبر أنه يدخلها فتنة لبعضهم حتى دخلها في العام المقبل فأنزل الله تعالى : " لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق " ( الفتح - 27 ) .
( والشجرة الملعونة في القرآن ( يعني شجرة الزقوم ، مجازه : والشجرة الملعونة المذكورة في القرآن والعرب تقول لكل طعام كريه : طعام ملعون . وقيل : [ معناه الملعون ] آكلها ونصب الشجرة عطفا على الرؤيا أي : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك والشجرة الملعونة إلا فتنة للناس فكانت الفتنة في الرؤيا ما ذكرنا .
والفتنة في الشجرة الملعونة من وجهين ، أحدهما : أن أبا جهل قال : إن ابن أبي كبشة يوعدكم بنار تحرق الحجارة ثم يزعم أنه ينبت فيها شجرة وتعلمون أن النار تحرق الشجرة .
والثاني أن عبد الله بن الزبعرى قال : إن محمدا يخوفنا بالزقوم ولا نعرف الزقوم إلا الزبد والتمر وقال أبو جهل : يا جارية تعالي فزقمينا فأتت بالتمر والزبد فقال : يا قوم [ تزقموا ] فإن هذا ما يخوفكم به محمد فوصفها الله تعالى في الصافات . [ ص: 104 ]
وقيل : الشجرة الملعونة هي : التي تلتوي على الشجر فتجففه يعني الكشوث .
( ونخوفهم فما يزيدهم ( التخويف ( إلا طغيانا كبيرا ( أي : تمردا وعتوا عظيما .