الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
5867 حدثنا محمد بن كثير حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16043سليمان عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك رضي الله عنه قال nindex.php?page=hadith&LINKID=655753عطس رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر فقيل له فقال nindex.php?page=treesubj&link=18219_18226هذا حمد الله وهذا لم يحمد الله
قوله : ( باب nindex.php?page=treesubj&link=18226الحمد للعاطس ) أي مشروعيته . وظاهر الحديث يقتضي وجوبه لثبوت الأمر الصريح به ، ولكن نقل النووي الاتفاق على استحبابه ، وأما لفظه فنقل ابن بطال وغيره عن طائفة أنه لا يزيد على الحمد لله كما في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة الآتي بعد بابين ، وعن طائفة يقول الحمد لله على كل حال . قال وقد جاء النهي عن ابن عمر وقال فيه : هكذا علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أخرجه البزار nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني ، وأصله عند الترمذي وعند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث أبي مالك الأشعري رفعه nindex.php?page=hadith&LINKID=3503991إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله على كل حال ومثله عند أبي داود من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة كما سيأتي التنبيه عليه ، nindex.php?page=showalam&ids=15397وللنسائي من حديث علي رفعه nindex.php?page=hadith&LINKID=3503992يقول العاطس الحمد لله على كل حال nindex.php?page=showalam&ids=12769ولابن السني من حديث أبي أيوب مثله ، nindex.php?page=showalam&ids=12251ولأحمد nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من حديث سالم بن عبيد رفعه nindex.php?page=hadith&LINKID=3503993إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله على كل حال ، أو الحمد لله رب العالمين وعن طائفة يقول الحمد لله رب العالمين . قلت : ورد ذلك في حديث nindex.php?page=showalam&ids=10لابن مسعود أخرجه المصنف في " الأدب المفرد " nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني ، وورد الجمع بين اللفظين فعنده في " الأدب المفرد " عن علي قال " من قال عند عطسة سمعها : الحمد لله رب العالمين على كل حال ما كان لم يجد وجع الضرس ولا الأذن أبدا " وهذا موقوف رجاله ثقات ، ومثله لا يقال من قبل الرأي فله حكم الرفع ، وقد أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من وجه آخر عن علي مرفوعا بلفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=3503994من بادر العاطس بالحمد عوفي من وجع الخاصرة ولم يشتك ضرسه أبدا وسنده ضعيف ، وللمصنف أيضا في " الأدب المفرد " nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني بسند لا بأس به عن ابن عباس قال nindex.php?page=hadith&LINKID=3503995إذا عطس الرجل فقال : الحمد لله قال الملك : رب العالمين ، فإن قال رب العالمين قال الملك : يرحمك الله وعن طائفة ما زاد من الثناء فيما يتعلق بالحمد كان حسنا ، فقد أخرج أبو جعفر الطبري في " التهذيب " بسند لا بأس به عن أم سلمة قالت " nindex.php?page=hadith&LINKID=3503996عطس رجل عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال الحمد لله ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - يرحمك الله . وعطس آخر فقال : الحمد لله رب العالمين حمدا طيبا [ ص: 616 ] كثيرا مباركا فيه ، فقال : ارتفع هذا على هذا تسع عشرة درجة ويؤيده ما أخرجه الترمذي وغيره من حديث رفاعة بن رافع قال " nindex.php?page=hadith&LINKID=3503997صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فعطست فقلت : الحمد لله حمدا طيبا مباركا فيه مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى ، فلما انصرف قال . من المتكلم ؟ ثلاثا . فقلت : أنا ، فقال : والذي نفسي بيده لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكا أيهم يصعد بها " وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني وبين أن الصلاة المذكورة المغرب ، وسنده لا بأس به . وأصله في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لكن ليس فيه ذكر العطاس وإنما فيه " nindex.php?page=hadith&LINKID=3503998كنا نصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رفع رأسه من الركعة قال : سمع الله لمن حمده ، فقال رجل وراءه ربنا لك الحمد إلخ بنحوه ، وقد تقدم في صفة الصلاة بشرحه . ولمسلم وغيره من حديث أنس " nindex.php?page=hadith&LINKID=3503999جاء رجل فدخل في الصف وقد حفزه النفس فقال : الله أكبر ، الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه " الحديث وفيه nindex.php?page=hadith&LINKID=3504000لقد رأيت اثني عشر ملكا يبتدرونها أيهم يرفعها وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني nindex.php?page=showalam&ids=12769وابن السني من حديث عامر بن ربيعة نحوه بسند لا بأس به ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12769ابن السني بسند ضعيف عن أبي رافع قال " nindex.php?page=hadith&LINKID=3504001كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعطس ، فخلى يدي ثم قام فقال شيئا لم أفهمه ، فسألته فقال : أتاني جبريل فقال إذا أنت عطست فقل : الحمد لله لكرمه الحمد لله لعز جلاله ، فإن الله - عز وجل - يقول : صدق عبدي ثلاثا مغفورا له وأما الثناء الخارج عن الحمد فورد فيه ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في " الشعب " من طريق الضحاك بن قيس اليشكري قال " عطس رجل عند ابن عمر فقال : الحمد لله رب العالمين ، فقال ابن عمر لو تممتها : والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " وأخرجه من وجه آخر عن ابن عمر نحوه ، ويعارضه ما أخرجه الترمذي قال " عطس رجل فقال : الحمد لله والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقال ابن عمر : الحمد لله والصلاة على رسول الله ، ولكن ليس هكذا علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " قال الترمذي : غريب لا نعرفه إلا من رواية زياد بن الربيع . قلت : وهو صدوق . قال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : وفيه نظر . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي : لا أرى به بأسا ورجح nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي ما تقدم على رواية زياد والله أعلم . ولا أصل لما اعتاده كثير من الناس من استكمال قراءة الفاتحة بعد قوله الحمد لله رب العالمين ، وكذا العدول من الحمد إلى أشهد أن لا إله إلا الله أو تقديمها على الحمد فمكروه ، وقد أخرج المصنف في " الأدب المفرد " بسند صحيح عن مجاهد " أن ابن عمر سمع ابنه عطس فقال أب ، فقال : وما أب ؟ إن الشيطان جعلها بين العطسة والحمد " وأخرجه ابن أبي شيبة بلفظ أش بدل أب . ونقل ابن بطال عن nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني أن العاطس يتخير بين أن يقول الحمد لله أو يزيد رب العالمين أو على كل حال ، والذي يتحرر من الأدلة أن كل ذلك مجزئ ، لكن ما كان أكثر ثناء أفضل بشرط أن يكون مأثورا . وقال النووي في " الأذكار " اتفق العلماء على أنه يستحب للعاطس أن يقول عقب عطاسه الحمد لله ، ولو قال الحمد لله رب العالمين لكان أحسن ، فلو قال الحمد لله على كل حال كان أفضل ، كذا قال ، والأخبار التي ذكرتها تقتضي التخيير ثم الأولوية كما تقدم والله أعلم .
قوله : ( حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان ) هو الثوري وسليمان هو التيمي .
قوله : ( عن أنس ) في رواية شعبة عن سليمان التيمي سمعت أنسا .
قوله : ( عطس ) بفتح الطاء في الماضي وبكسرها وضمها في المضارع .
قوله : ( رجلان ) في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عند المصنف في " الأدب المفرد " وصححه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان أحدهما أشرف من الآخر وأن الشريف لم يحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=14687وللطبراني من حديث سهل بن سعد أنهما عامر بن الطفيل وابن أخيه .
[ ص: 617 ] قوله : ( فشمت ) بالمعجمة وللسرخسي بالمهملة ، ووقع في رواية أحمد عن nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى القطان عن سليمان التيمي " فشمت أو سمت " بالشك في المعجمة أو المهملة وهو من التشميت ، قال الخليل وأبو عبيد وغيرهما : يقال بالمعجمة وبالمهملة ، وقال ابن الأنباري كل داع بالخير مشمت بالمعجمة وبالمهملة ، والعرب تجعل الشين والسين في اللفظ الواحد بمعنى ا ه . وهذا ليس مطردا بل هو في مواضع معدودة وقد جمعها شيخنا شمس الدين الشيرازي صاحب القاموس في جزء لطيف . قال أبو عبيد : التشميت بالمعجمة أعلى وأكثر ، وقال عياض : هو كذلك للأكثر من أهل العربية وفي الرواية . وقال ثعلب : الاختيار بالمهملة لأنه مأخوذ من السمت وهو القصد والطريق القويم . وأشار ابن دقيق العيد في " شرح الإلمام " إلى ترجيحه ، وقال القزاز : التشميت التبريك والعرب تقول شمته إذا دعا له بالبركة ، وشمت عليه إذا برك عليه . وفي الحديث في قصة تزويج علي بفاطمة " شمت عليهما " إذا دعا لهما بالبركة . ونقل ابن التين عن أبي عبد الملك قال : التسميت بالمهملة أفصح وهو من سمت الإبل في المرعى إذا جمعت ، فمعناه على هذا جمع الله شملك . وتعقبه بأن سمت الإبل إنما هو بالمعجمة وكذا نقله غير واحد أنه بالمعجمة فيكون معنى سمته دعا له بأن يجمع شمله ، وقيل هو بالمعجمة من الشماتة وهو فرح الشخص بما يسوء عدوه فكأنه دعا له أن يكون في حال من يشمت به ، أو أنه إذا حمد الله أدخل على الشيطان ما يسوؤه فشمت هو بالشيطان ، وقيل هو من الشوامت جمع شامتة وهي القائمة ، يقال لا ترك الله له شامتة أي قائمة . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي في " شرح الترمذي " تكلم أهل اللغة على اشتقاق اللفظين ولم يبينوا المعنى فيه وهو بديع ، وذلك أن العاطس ينحل كل عضو في رأسه وما يتصل به من العنق ونحوه ، فكأنه إذا قيل رحمك الله كان معناه أعطاه الله رحمة يرجع بها بذلك إلى حاله قبل العطاس ويقيم على حاله من غير تغيير ، فإن كان التسميت بالمهملة فمعناه رجع كل عضو إلى سمته الذي كان عليه ، وإن كان بالمعجمة فمعناه صان الله شوامته أي قوائمه التي بها قوام بدنه عن خروجها عن الاعتدال ، قال : وشوامت كل شيء قوائمه التي بها قوامه ; فقوام الدابة بسلامة قوائمها التي ينتفع بها إذا سلمت ، وقوام الآدمي بسلامة قوائمه التي بها قوامه وهي رأسه وما يتصل به من عنق وصدر ا ه . ملخصا .
قوله : ( فقيل له ) السائل عن ذلك هو العاطس الذي لم يحمد ، وقع كذلك في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة المشار إليه بلفظ " فسأله الشريف " وكذا في رواية شعبة الآتية بعد بابين بلفظ " nindex.php?page=hadith&LINKID=3504002فقال الرجل : يا رسول الله شمت هذا ولم تشمتني " وهذا قد يعكر على ما في حديث سهل بن سعد أن الشريف المذكور هو عامر بن الطفيل فإنه كان كافرا ومات على كفره ، فيبعد أن يخاطب النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله يا رسول الله ، ويحتمل أن يكون قالها غير معتقد بل باعتبار ما يخاطبه المسلمون ، ويحتمل أن تكون القصة لعامر بن الطفيل المذكور ، ففي الصحابة عامر بن الطفيل الأسلمي له ذكر في الصحابة وحديث رواه عنه nindex.php?page=showalam&ids=16423عبد الله بن بريدة الأسلمي " حدثني عمي عامر بن الطفيل " ، وفي الصحابة أيضا عامر بن الطفيل الأزدي ذكره وثيمة في " كتاب الردة " وورد له مرثية في النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإن لم يكن في سياق حديثسهل بن سعد ما يدل على أنه عامر المشهور احتمل أن يكون أحد هذين . ثم راجعت " معجم nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني " فوجدت في سياق حديث سهل بن سعد الدلالة الظاهرة على أنه عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب الفارس المشهور ، وكان قدم المدينة وجرى بينه وبين nindex.php?page=showalam&ids=215ثابت بن قيس بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - كلام " nindex.php?page=hadith&LINKID=3504003ثم عطس ابن أخيه فحمد فشمته النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم عطس عامر فلم يحمد فلم يشمته ، فسأله " الحديث ، وفيه قصة غزوة بئر معونة وكان هو السبب فيها ، ومات [ ص: 618 ] عامر بن الطفيل بعد ذلك كافرا في قصة له مشهورة في موته ذكرها ابن إسحاق وغيره .
قوله : ( هذا حمد الله وهذا لم يحمد ) في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=hadith&LINKID=3504004إن هذا ذكر الله فذكرته ، وأنت نسيت الله فنسيتك وقد يقدم أن النسيان يطلق ويراد به الترك . قال nindex.php?page=showalam&ids=14164الحليمي : nindex.php?page=treesubj&link=18226الحكمة في مشروعية الحمد للعاطس أن العطاس يدفع الأذى من الدماغ الذي فيه قوة الفكر ، ومنه منشأ الأعصاب التي هي معدن الحس وبسلامته تسلم الأعضاء ، فيظهر بهذا أنها نعمة جليلة فناسب أن تقابل بالحمد لله لما فيه من الإقرار بالله بالخلق والقدرة وإضافة الخلق إليه لا إلى الطبائع ا ه . وهذا بعض ما ادعى nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي أنه انفرد به فيحتمل أنه لم يطلع عليه ، وفي الحديث أن nindex.php?page=treesubj&link=18231_18224التشميت إنما يشرع لمن حمد الله ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وهو مجمع عليه ، وسيأتي تقريره في الباب الذي بعده ، وفيه جواز السؤال عن علة الحكم وبيانها للسائل ولا سيما إذا كان له في ذلك منفعة ، وفيه أن nindex.php?page=treesubj&link=18231العاطس إذا لم يحمد الله لا يلقن الحمد ليحمد فيشمت ، كذا استدل به بعضهم وفيه نظر ، وسيأتي البحث فيه بعد ثالث باب . ومن آداب العاطس أن يخفض بالعطس صوته ويرفعه بالحمد ، وأن يغطي وجهه لئلا يبدو من فيه أو أنفه ما يؤذي جليسه ، ولا يلوي عنقه يمينا ولا شمالا لئلا يتضرر بذلك . قال nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : nindex.php?page=treesubj&link=18229الحكمة في خفض الصوت بالعطاس أن في رفعه إزعاجا للأعضاء ، وفي تغطية الوجه أنه لو بدر منه شيء آذى جليسه ، ولو لوى عنقه صيانة لجليسه لم يأمن من الالتواء ، وقد شاهدنا من وقع له ذلك . وقد أخرج أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي بسند جيد عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال " nindex.php?page=hadith&LINKID=3504005كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا عطس وضع يده على فيه وخفض صوته " وله شاهد من حديث ابن عمر بنحوه عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني ، قال ابن دقيق العيد : ومن nindex.php?page=treesubj&link=18223فوائد التشميت تحصيل المودة والتأليف بين المسلمين ، وتأديب العاطس بكسر النفس عن الكبر ، والحمل على التواضع ، لما في ذكر الرحمة من الإشعار بالذنب الذي لا يعرى عنه أكثر المكلفين .