الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة

                                                                                                                                                                                                        3639 حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا بيان وإسماعيل قالا سمعنا قيسا يقول سمعت خبابا يقول أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة وهو في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة فقلت يا رسول الله ألا تدعو الله فقعد وهو محمر وجهه فقال لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله زاد بيان والذئب على غنمه [ ص: 203 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 203 ] قوله : ( باب ما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من المشركين بمكة ) أي من وجه الأذى ، وذكر فيه أحاديث في المعنى ، وقد تقدم في " ذكر الملائكة " من بدء الخلق حديث عائشة أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ قال : لقد لقيت من قومك ، وكان أشد ما لقيت منهم فذكر قصته بالطائف . وروى أحمد والترمذي وابن حبان من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد ، وأخفت في الله وما يخاف أحد الحديث . وأخرج ابن عدي من حديث جابر رفعه ما أوذي أحد ما أوذيت ذكره في ترجمة يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر ، ويوسف ضعيف ، وقد استشكل بما جاء من صفات ما أوذي به الصحابة كما سيأتي لو ثبت ، وهو محمول على معنى حديث أنس ، وقيل : معناه أنه أوحي إليه ما أوذي به من قبله فتأذى بذلك زيادة على ما آذاه قومه به .

                                                                                                                                                                                                        وروى ابن إسحاق من حديث ابن عباس وذكر الصحابة فقال " والله كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر أن يستوي جالسا من شدة الضر ، حتى يقولوا له : اللات والعزى إلهك من دون الله ، فيقول : نعم " وروى ابن ماجه وابن حبان من طريق زر بن مسعود قال : أول من أظهر إسلامه سبعة : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر ، وعمار ، وأمه سمية ، وصهيب ، وبلال ، والمقداد . فأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمنعه الله بعمه ، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه ، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد وأوقفوهم في الشمس " الحديث . وأجيب بأن جميع ما أوذي به أصحابه كان يتأذى هو به لكونه بسببه ، واستشكل أيضا بما أوذي به الأنبياء من القتل كما في قصة زكريا وولده يحيى ، ويجاب بأن المراد هنا غير إزهاق الروح . ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث : الحديث الأول

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا بيان ) هو ابن بشر ، وإسماعيل هو ابن أبي خالد ، وقيس هو ابن أبي حازم ، وخباب بالمعجمة والموحدتين الأولى ثقيلة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( بردة ) كذا للأكثر بالتنوين ، وللكشميهني بالهاء والأول أرجح فقد تقدم في " علامات النبوة " من وجه آخر بلفظ " بردة له " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ألا تدعو الله لنا ) زاد في الرواية التي في المبعث " ألا تستنصر لنا " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقعد وهو محمر وجهه ) أي من أثر النوم ، ويحتمل أن يكون من الغضب وبه جزم ابن التين .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 204 ] قوله : ( لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ) كذا للأكثر بكسر الميم ، وللكشميهني " أمشاط " هو جمع مشط بكسر الميم وبضمها ، يقال : مشاط وأمشاط كرماح وأرماح ، وأنكر ابن دريد الكسر في المفرد ، والأشهر في الجمع مشاط ورماح .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ما دون عظامه من لحم أو عصب ) في الرواية الماضية ما دون لحمه من عظم أو عصب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ويوضع الميشار ) بكسر الميم وسكون التحتانية بهمز وبغير همز ، تقول : وشرت الخشبة وأشرتها ، ويقال فيه بالنون وهي أشهر في الاستعمال ووقع في الرواية الماضية " يحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار " قال ابن التين : كان هؤلاء الذين فعل بهم ذلك أنبياء أو أتباعهم ، قال : وكان في الصحابة من لو فعل به ذلك لصبر ، إلى أن قال : وما زال خلق من الصحابة وأتباعهم فمن بعدهم يؤذون في الله ، ولو أخذوا بالرخصة لساغ لهم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وليتمن الله هذا الأمر ) بالنصب ، وفي الرواية الماضية " والله ليتمن هذا الأمر " بالرفع ، والمراد بالأمر الإسلام .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( زاد بيان : والذئب على غنمه ) هذا يشعر بأن في الرواية الماضية إدراجا ، فإنه أخرجها من طريق يحيى القطان عن إسماعيل وحده وقال في آخرها " ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه " ، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق محمد بن الصباح بن أسلم وعبدة بن عبد الرحيم كلهم عن ابن عيينة به مدرجا ، وطريق الحميدي أصح ، وقد وافقه ابن أبي عمر أخرجه الإسماعيلي من طريقه مفصلا أيضا .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : قوله : " والذئب " هو بالنصب عطفا على المستثنى منه لا المستثنى ، كذا جزم به الكرماني ، ولا يمتنع أن يكون عطفا على المستثنى ، والتقدير : ولا يخاف إلا الذئب على غنمه ؛ لأن مساق الحديث إنما هو للأمن من عدوان بعض الناس على بعض كما كانوا في الجاهلية ، لا للأمن من عدوان الذئب فإن ذلك إنما يكون في آخر الزمان عند نزول عيسى .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية