الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب يبدأ الرجل بالتلاعن

                                                                                                                                                                                                        5001 حدثني محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن هشام بن حسان حدثنا عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هلال بن أمية قذف امرأته فجاء فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب ثم قامت فشهدت

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله ( باب يبدأ الرجل بالتلاعن ) ذكر فيه حديث ابن عباس في قصة هلال بن أمية مختصرا وكأنه أخذ الترجمة من قوله " ثم قامت فشهدت " فإنه ظاهر في أن الرجل يقدم قبل المرأة في الملاعنة ، وقد ورد ذلك صريحا من حديث ابن عمر كما سأذكره في " باب صداق الملاعنة " وبه قال الشافعي ومن تبعه وأشهب من المالكية ورجحه ابن العربي وقال ابن القاسم لو ابتدأت به المرأة صح واعتد به وهو قول أبي حنيفة ، واحتجوا بأن الله عطفه بالواو وهي لا تقتضي الترتيب . واحتج للأولين بأن اللعان شرع لدفع الحد عن الرجل ، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم لهلال " البينة وإلا حد في ظهرك " فلو بدئ بالمرأة لكان دفعا لأمر لم يثبت ، وبأن الرجل يمكنه أن يرجع بعد أن يلتعن كما تقدم فيندفع عن المرأة ، بخلاف ما لو بدأت به المرأة .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( عن عكرمة عن ابن عباس ) كذا وصله هشام بن حسان عن عكرمة ، وتابعه عباد بن منصور عن عكرمة أخرجه أبو داود في السنن ، وساقه أبو داود الطيالسي في مسنده مطولا ، واختلف على أيوب : فرواه جرير بن حازم عنه موصولا أخرجه الحاكم والبيهقي في " الخلافيات " وغيرها وكذا أخرجه النسائي وابن أبي حاتم وابن المنذر وابن مردويه من رواية حماد بن زيد عن أيوب موصولا ، وأخرجه الطبري من طريق حماد مرسلا ، قال الترمذي سألت محمدا عن هذا الاختلاف فقال : حديث عكرمة عن ابن عباس في هذا محفوظ .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( أن هلال بن أمية قذف امرأته فجاء فشهد ) كذا أورده هنا مختصرا ، وتقدم في تفسير النور مطولا ، [ ص: 355 ] وفيه شرح قوله " البينة أو حد في ظهرك " وفيه قول هلال " لينزلن الله ما يبرئ ظهري من الجلد فنزلت " ووقع فيه أنه اتهمهما بشريك بن سحماء ، ووقع في رواية مسلم من حديث أنس " أن شريك بن سحماء كان أخا البراء بن مالك لأمه " وهو مشكل فإن أم البراء هي أم أنس بن مالك وهي أم سليم ولم تكن سحماء ولا تسمى سحماء فلعل شريكا كان أخاه من الرضاعة . وقد وقع عند البيهقي في الخلافيات من مرسل محمد بن سيرين " أن شريكا كان يأوي إلى منزل هلال " وفي تفسير مقاتل : أن والدة شريك التي يقال لها سحماء كانت حبشية وقيل كانت يمانية ، وعند الحاكم من مرسل ابن سيرين " كانت أمة سوداء " واسم والد شريك عبدة بن مغيث بن الجد بن العجلان ، وحكى عبد الغني بن سعيد وأبو نعيم في الصحابة أن لفظ شريك صفة لا اسم ، وأنه كان شريكا لرجل يهودي يقال له ابن سحماء ، وحكى البيهقي في " المعرفة " عن الشافعي أن شريك بن سحماء كان يهوديا ، وأشار عياض إلى بطلان هذا القول وجزم بذلك النووي تبعا له وقال : كان صحابيا ، وكذا عده جمع في الصحابة فيجوز أن يكون أسلم بعد ذلك . ويعكر على هذا قول ابن الكلبي : إنه شهد أحدا ; وكذا قول غيره إن أباه شهد بدرا وأحدا ; فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله في هذه الرواية ( فجاء فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : الله يعلم أن أحدكما كاذب ) ظاهره أن هذا الكلام صدر منه صلى الله عليه وسلم في حال ملاعنتهما ، بخلاف من زعم أنه قاله بعد فراغهما ، وزاد في تفسير النور من هذا الوجه بعد قوله فشهدت " فلما كان عند الخامسة وقفوها وقالوا : إنها موجبة " ووقع عند النسائي في هذه القصة " فأمر رجلا أن يضع يده عند الخامسة على فيه ، ثم على فيها ، وقال : إنها موجبة " قال ابن عباس " فتلكأت ونكصت حتى قلنا إنها ترجع ، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم ، فمضت " وفيه أيضا قوله صلى الله عليه وسلم " أبصروها فإن جاءت إلخ " وسأذكر شرحه في " باب التلاعن في المسجد "




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية