قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم
فيه ثمان مسائل :
الأولى : قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم قيل : هذا تمثيل ; مثل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=16أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى . ونزلت الآية في البيعة الثانية ، وهي بيعة
العقبة الكبرى ، وهي التي أناف فيها رجال
الأنصار على السبعين ، وكان أصغرهم سنا
عقبة بن عمرو ; وذلك أنهم اجتمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند
العقبة ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=836513فقال عبد الله بن رواحة للنبي صلى الله عليه وسلم : اشترط لربك ولنفسك ما شئت ; فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم . قالوا : فإذا فعلنا ذلك فما لنا ؟ قال : الجنة . قالوا : ربح البيع ، لا نقيل ولا نستقيل ; فنزلت : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة الآية . ثم هي بعد ذلك عامة في كل مجاهد في سبيل الله من أمة
محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة .
الثانية : هذه الآية دليل على جواز
nindex.php?page=treesubj&link=24554معاملة السيد مع عبده ، وإن كان الكل للسيد لكن إذا
[ ص: 187 ] ملكه عامله فيما جعل إليه . وجائز بين السيد وعبده ما لا يجوز بينه وبين غيره ; لأن ماله له وله انتزاعه .
الثالثة : أصل الشراء بين الخلق أن يعوضوا عما خرج من أيديهم ما كان أنفع لهم أو مثل ما خرج عنهم في النفع ; فاشترى الله سبحانه من العباد إتلاف أنفسهم وأموالهم في طاعته ، وإهلاكها في مرضاته ، وأعطاهم سبحانه الجنة عوضا عنها إذا فعلوا ذلك . وهو عوض عظيم لا يدانيه المعوض ولا يقاس به ، فأجرى ذلك على مجاز ما يتعارفونه في البيع والشراء فمن العبد تسليم النفس والمال ، ومن الله الثواب والنوال فسمي هذا شراء . وروى
الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إن فوق كل بر بر حتى يبذل العبد دمه فإذا فعل ذلك فلا بر فوق ذلك . وقال الشاعر في معنى البر :
الجود بالماء جود فيه مكرمة والجود بالنفس أقصى غاية الجود
وأنشد
الأصمعي لجعفر الصادق رضي الله عنه :
أثامن بالنفس النفيسة ربها وليس لها في الخلق كلهم ثمن
بها تشترى الجنات إن أنا بعتها بشيء سواها إن ذلكم غبن
لئن ذهبت نفسي بدنيا أصبتها لقد ذهبت نفسي وقد ذهب الثمن
قال
الحسن :
ومر أعرابي على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم فقال : كلام من هذا ؟ قال : كلام الله . قال : بيع والله مربح لا نقيله ولا نستقيله . فخرج إلى الغزو واستشهد .
الرابعة : قال العلماء : كما اشترى من المؤمنين البالغين المكلفين كذلك اشترى من الأطفال فآلمهم وأسقمهم ; لما في ذلك من المصلحة وما فيه من الاعتبار للبالغين ، فإنهم لا يكونون عند شيء أكثر صلاحا وأقل فسادا منهم عند ألم الأطفال ، وما يحصل للوالدين الكافلين من الثواب فيما ينالهم من الهم ويتعلق بهم من التربية والكفالة . ثم هو عز وجل يعوض هؤلاء الأطفال عوضا إذا صاروا إليه . ونظير هذا في الشاهد أنك تكتري الأجير ليبني وينقل التراب وفي كل ذلك له ألم وأذى ، ولكن ذلك جائز لما في عمله من المصلحة ولما يصل إليه من الأجر .
الخامسة : قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111يقاتلون في سبيل الله بيان لما يقاتل له وعليه ; وقد تقدم .
[ ص: 188 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111فيقتلون ويقتلون قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وخلف بتقديم المفعول على الفاعل ; ومنه قول
امرئ القيس :
فإن تقتلونا نقتلكم . . . وإن تقصدوا لدم نقصد
أي إن تقتلوا بعضنا يقتلكم بعضنا . وقرأ الباقون بتقديم الفاعل على المفعول .
السادسة : قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن إخبار من الله تعالى أن هذا كان في هذه الكتب ، وأن
nindex.php?page=treesubj&link=7860الجهاد ومقاومة الأعداء أصله من عهد
موسى عليه السلام . و ( وعدا ) و ( حقا ) مصدران موكدان .
السابعة : قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111ومن أوفى بعهده من الله أي لا أحد أوفى بعهده من الله . وهو يتضمن الوفاء بالوعد والوعيد ، ولا يتضمن وفاء البارئ بالكل ; فأما وعده فللجميع ، وأما وعيده فمخصوص ببعض المذنبين وببعض الذنوب وفي بعض الأحوال . وقد تقدم هذا المعنى مستوفى .
الثامنة : قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به أي أظهروا السرور بذلك . والبشارة إظهار السرور في البشرة . وقد تقدم . وقال
الحسن : والله ما على الأرض مؤمن إلا يدخل في هذه البيعة .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111وذلك هو الفوز العظيم أي الظفر بالجنة والخلود فيها .