الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          3167 حدثنا محمود بن غيلان حدثنا وكيع ووهب بن جرير وأبو داود قالوا حدثنا شعبة عن المغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموعظة فقال يا أيها الناس إنكم محشورون إلى الله عراة غرلا ثم قرأ كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إلى آخر الآية قال أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم وإنه سيؤتى برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم إلى آخر الآية فيقال هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن المغيرة بن النعمان نحوه قال هذا حديث حسن صحيح ورواه سفيان الثوري عن المغيرة بن النعمان نحوه قال أبو عيسى كأنه تأوله على أهل الردة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( وأبو داود ) ، هو الطيالسي . قوله : ( إنكم محشورون ) أي ستبعثون ( عراة ) بضم العين جمع عار وهو من لا ستر له ( غرلا ) بضم المعجمة وسكون الراء جمع أغرل وهو الأقلف وزنه ومعناه وهو من بقيت غرلته وهي الجلدة التي يقطعها الخاتن من الذكر كما بدأنا أول خلق نعيده الكاف متعلق بمحذوف دل عليه نعيده أي نعيد الخلق إعادة مثل الأول ، والمعنى بدأناهم في بطون أمهاتهم حفاة عراة غرلا نعيدهم يوم القيامة وبقية الآية وعدا علينا منصوب بوعدنا مقدر قبله وهو مؤكد لمضمون ما قبله إنا كنا فاعلين أي ما وعدناه قال ( أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم ) تقدم الكلام عليه مبسوطا في باب شأن الحشر من أبواب صفة القيامة وتقدم فيه بقية الكلام على قوله عراة ( وأنه سيؤتى برجال من أمتي ) أي جماعة منهم والتنكير للتقليل ( فيؤخذ بهم ذات الشمال ) أي إلى جهة النار ( فأقول رب أصحابي ) خبر مبتدأ محذوف تقديره هؤلاء ( إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ) المراد من الإحداث الارتداد عن الإسلام كما يدل عليه قوله الآتي ( فيقال هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ) وفي حديث عن أبي هريرة عند البخاري من طريق عطاء بن يسار عنه ( أنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى ) قال القاضي يريد بهم من ارتد من الأعراب الذين أسلموا في أيامه كأصحاب مسيلمة والأسود وأضرابهم ، فإن أصحابه وإن شاع عرفا فيمن يلازمه من المهاجرين والأنصار شاع استعماله لغة في كل من تبعه أو أدرك حضرته ووفد عليه ولو مرة ، وقيل أراد بالارتداد إساءة [ ص: 7 ] السيرة والرجوع عما كانوا عليه من الإخلاص وصدق النية والإعراض عن الدنيا انتهى ( فأقول كما قال العبد الصالح ) هو عيسى عليه الصلاة والسلام وكنت عليهم أي على أمتي شهيدا أي مطلعا رقيبا حافظا ما دمت فيهم أي موجودا فلما توفيتني أي قبضتني بالرفع إلى السماء كنت أنت الرقيب عليهم الحفيظ لأعمالهم وأنت على كل شيء من قولي وقولهم بعدي وغير ذلك شهيدا أي مطلع عالم به إن تعذبهم أي من أقام على الكفر منهم فإنهم عبادك أنت مالكهم تتصرف فيهم كيف شئت لا اعتراض عليك وإن تغفر لهم أي لمن آمن منهم ، وتمام الآية : فإنك أنت العزيز الغالب على أمره الحكيم في صنعه ( فيقال هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ) هذا يؤيد قول من قال : إن المراد من الإحداث في قوله : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ; هو الارتداد عن الإسلام .




                                                                                                          الخدمات العلمية