[ ص: 135 ] ذكر باليمن من حمير وصيرورته خروج الملك
إلى الحبشة السودان
كما أخبر بذلك شق وسطيح الكاهنان ، وذلك أنه لم ينج من أهل نجران إلا رجل واحد يقال له : دوس ذو ثعلبان على فرس له ، فسلك الرمل فأعجزهم فمضى على وجهه ذلك حتى أتى قيصر ملك الروم فاستنصره على ذي نواس وجنوده ، وأخبره بما بلغ منهم ; وذلك لأنه نصراني على دينهم فقال له : بعدت بلادك منا ، ولكن سأكتب لك إلى ملك الحبشة فإنه على هذا الدين ، وهو أقرب إلى بلادك ، فكتب إليه يأمره بنصره والطلب بثأره فقدم دوس على النجاشي بكتاب قيصر فبعث معه سبعين ألفا من الحبشة ، وأمر عليهم رجلا منهم يقال له : أرياط ، ومعه في جنده أبرهة الأشرم فركب أرياط البحر حتى نزل بساحل اليمن ، ومعه دوس ، وسار إليه ذو نواس في حمير ، ومن أطاعه من قبائل اليمن فلما التقوا انهزم ذو نواس [ ص: 136 ] وأصحابه فلما رأى ذو نواس ما نزل به وبقومه وجه فرسه في البحر ، ثم ضربه فدخل فيه فخاض به ضحضاح البحر حتى أفضى به إلى غمرة فأدخله فيها فكان آخر العهد به ، ودخل أرياط اليمن وملكها .
وقد ذكر ابن إسحاق هاهنا أشعارا للعرب فيما وقع من هذه الكائنة الغريبة وفيها فصاحة وحلاوة وبلاغة وطلاوة ، ولكن تركنا إيرادها خشية الإطالة ، وخوف الملالة ، وبالله المستعان .