واشتقاقا وفضلا وهم بنو النضر بن كنانة
قال ابن إسحاق : وأم النضر برة بنت مر بن أد بن طابخة ، وسائر بنيه لامرأة أخرى ، وخالفه ابن هشام فجعل برة بنت مر أم النضر ومالك وملكان ، وأم عبد مناة هالة بنت سويد بن الغطريف ، من أزد شنوءة قال ابن هشام : النضر هو قريش فمن كان من ولده فهو قرشي ، ومن لم يكن من ولده فليس بقرشي ، وقال : ويقال : فهر بن مالك هو قريش فمن كان من ولده فهو قرشي ، ومن لم يكن من ولده فليس بقرشي ، وهذان القولان قد حكاهما غير واحد من أئمة النسب كالشيخ أبي عمر بن عبد البر والزبير بن بكار ومصعب وغير واحد ، قال أبو عبيد : والذي عليه الأكثرون أنه وابن عبد البر النضر بن كنانة ; لحديث الأشعث بن قيس قلت : وهو الذي نص عليه هشام بن محمد بن السائب الكلبي ، وأبو عبيدة معمر [ ص: 220 ] ابن المثنى وهو جادة مذهب رضي الله عنه ، ثم اختار الشافعي أبو عمر أنه فهر بن مالك ، واحتج بأنه ليس أحد اليوم ممن ينتسب إلى قريش إلا وهو يرجع في نسبه إلى فهر بن مالك ، ثم حكى اختيار هذا القول عن الزبير بن بكار ، ومصعب الزبيري ، وعلي بن كيسان قال : وإليهم المرجع في هذا الشأن وقد قال الزبير بن بكار وقد أجمع نساب قريش وغيرهم أن قريشا إنما تفرقت من فهر بن مالك والذي عليه من أدركت من نساب قريش أن ولد فهر بن مالك قرشي ، وأن من جاوز فهر بن مالك بنسبه فليس من قريش ، ثم نصر هذا القول نصرا عزيزا ، وتحامى له بأنه ونحوه أعلم بأنساب قومهم ، وأحفظ لمآثرهم .
وقد روى من حديث البخاري كليب بن وائل قال : زينب في حديث ذكره - : أخبريني عن النبي صلى الله عليه وسلم أكان من مضر ؟ قالت : فممن كان إلا من مضر ؟ من بني النضر بن كنانة . قلت لربيبة النبي صلى الله عليه وسلم - يعني
وقال : ثنا الطبراني إبراهيم بن نائلة الأصبهاني حدثنا ثنا إسماعيل بن عمرو البجلي الحسن بن صالح عن أبيه عن الجفشيش الكندي قال : كندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : أنت منا وادعوه ، [ ص: 221 ] فقال : لا نقفو أمنا ولا ننتفي من أبينا ، نحن ولد النضر بن كنانة . جاء قوم من
وقال الإمام أبو عثمان سعيد بن يحيى بن سعيد : ثنا أبي ثنا الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال جاء رجل من كندة يقال له : الجفشيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إنا نزعم أن عبد مناف منا فأعرض عنه ، ثم عاد فقال مثل ذلك ، ثم أعرض عنه ، ثم عاد فقال مثل ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم : نحن بنو النضر بن كنانة ، لا نقفو أمنا ولا ننتفي من أبينا فقال الأشعث : ألا كنت سكت من المرة الأولى فأبطل ذلك قولهم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم . وهذا غريب أيضا من هذا الوجه والكلبي ضعيف . والله أعلم .
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا بهز وعفان قالا : ثنا حماد بن سلمة قال : ثني عقيل بن أبي طلحة ، وقال عفان : عقيل بن طلحة السلمي عن مسلم بن الهيصم عن الأشعث بن قيس أنه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد كندة قال عفان : لا يروني أفضلهم قال فقلت : يا رسول الله إنا نزعم أنكم منا قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نحن بنو النضر بن كنانة ، لا نقفو [ ص: 222 ] أمنا ولا ننتفي من أبينا قال : فقال الأشعث بن قيس : فوالله لا أسمع أحدا نفى قريشا من النضر بن كنانة إلا جلدته الحد ، وهكذا رواه ابن ماجه من طرق عن حماد بن سلمة به . وهذا إسناد جيد قوي وهو فيصل في هذه المسألة فلا التفات إلى قول من خالفه . والله أعلم .
وقد قال جرير بن عطية التميمي يمدح هشام بن عبد الملك بن مروان
فما الأم التي ولدت قريشا بمقرفة النجار ولا عقيم
وما قرم بأنجب من أبيكم ولا خال بأكرم من تميم
وأما اشتقاق قريش فقيل : من التقرش وهو التجمع بعد التفرق ، وذلك في زمن قصي بن كلاب فإنهم كانوا متفرقين فجمعهم بالحرم ، كما سيأتي بيانه ، وقد قال حذافة بن غانم العدوي
أبوكم قصي كان يدعى مجمعا به جمع الله القبائل من فهر
إخوة قرشوا الذنوب علينا في حديث من دهرنا وقديم
أيها الناطق المقرش عنا عند عمرو فهل له إبقاء
[ ص: 224 ]
وقريش هي التي تسكن البحر بها سميت قريش قريشا
وقريش هي التي تسكن البحر بها سميت قريش قريشا
تأكل الغث والسمين ولا تترك لذي الجناحين ريشا
هكذا في البلاد حي قريش يأكلون البلاد أكلا كميشا
ولهم آخر الزمان نبي يكثر القتل فيهم والخموشا
[ ص: 225 ] ويقال في النسبة إلى قريش : قرشي وقريشي ، قال الجوهري : وهو القياس قال الشاعر
لكل قريشي عليه مهابة سريع إلى داعي الندا والتكرم
وكفى قريش المعضلات وسادها
وقد روى مسلم في صحيحه ، من حديث أبي عمر قال : حدثني والأوزاعي شداد أبو عمار حدثني واثلة بن الأسقع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم قال أبو عمر ابن عبد البر : يقال : بنو عبد المطلب فصيلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبنو هاشم فخذه ، وبنو عبد مناف بطنه ، وقريش عمارته ، وبنو كنانة قبيلته ، ومضر شعبه صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين .
[ ص: 226 ] ثم قال ابن إسحاق : فولد النضر بن كنانة مالكا ويخلد . قال ابن هشام : والصلت ، وأمهم جميعا بنت سعد بن الظرب العدواني قال كثير بن عبد الرحمن وهو كثير عزة أحد بني مليح بن عمرو من خزاعة :
أليس أبي بالصلت أم ليس إخوتي لكل هجان من بني النضر أزهرا
رأيت ثياب العصب مختلط السدى بنا وبهم والحضرمي المخصرا
فإن لم تكونوا من بني النضر فاتركوا أراكا بأذناب الفوائج أخضرا
قال ابن إسحاق : فولد مالك بن النضر فهر بن مالك ، وأمه جندلة بنت الحارث بن مضاض الأصغر ، وولد فهر غالبا ومحاربا والحارث وأسدا ، وأمهم ليلى بنت سعد بن هذيل بن مدركة .
قال ابن هشام : وأختهم لأبويهم جندلة بنت فهر . قال ابن إسحاق : فولد غالب بن فهر لؤي بن غالب وتيم بن غالب وهم الذين [ ص: 227 ] يقال لهم : بنو الأدرم ، وأمهما سلمى بنت عمرو الخزاعي قال ابن هشام : وقيس بن غالب ، وأمه سلمى بنت كعب بن عمرو الخزاعي ، وهي أم لؤي وتيم ابني غالب . قال ابن إسحاق : فولد لؤي بن غالب أربعة نفر كعبا وعامرا وسامة وعوفا . قال ابن هشام : ويقال : والحارث وهم جشم بن الحارث في هزان من ربيعة ، وسعد بن لؤي ، وهم بنانة في شيبان بن ثعلبة ، وبنانة حاضنة لهم ، وخزيمة بن لؤي ، وهم عائذة في شيبان بن ثعلبة .
ثم ذكر ابن إسحاق خبر سامة بن لؤي ، وأنه خرج إلى عمان فكان بها; وذلك لشنآن كان بينه وبين أخيه عامر فأخافه عامر فخرج عنه هاربا إلى عمان ، وأنه مات بها غريبا ، وذلك أنه كان يرعى ناقته فعلقت حية بمشفرها فوقعت لشقها ، ثم نهشت الحية سامة حتى قتلته فيقال : إنه كتب بأصبعه على الأرض
عين فابكي لسامة بن لؤي علقت ما بسامة العلاقه
لا أرى مثل سامة بن لؤي يوم حلوا به قتيلا لناقه
بلغا عامرا وكعبا رسولا أن نفسي إليهما مشتاقه
إن تكن في عمان داري فإني غالبي خرجت من غير فاقه
رب كأس هرقت يا ابن لؤي حذر الموت لم تكن مهراقه
رمت دفع الحتوف يا ابن لؤي ما لمن رام ذاك بالحتف طاقه
وخروس السرى تركت رذيا بعد جد وجدة ورشاقه
رب كأس هرقت يا ابن لؤي حذر الموت لم تكن مهراقه
وقال ابن إسحاق : وأما عوف بن لؤي فإنه خرج - فيما يزعمون - في ركب من قريش حتى إذا كان بأرض غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان أبطئ به فانطلق من كان معه من قومه فأتاه ثعلبة بن سعد وهو أخوه في نسب بني ذبيان فحبسه وزوجه والتاطه وآخاه فشاع نسبه في ذبيان وثعلبة فيما يزعمون .
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير أو محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين أن عمر بن الخطاب قال : لو كنت مدعيا حيا من العرب أو ملحقهم بنا لادعيت بني مرة بن عوف إنا لنعرف فيهم الأشباه مع ما نعرف من موقع ذلك الرجل حيث وقع يعني عوف بن لؤي .
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم أن عمر بن الخطاب قال لرجال منهم من بني مرة : إن شئتم أن ترجعوا إلى نسبكم فارجعوا إليه . قال ابن إسحاق : وكان القوم أشرافا في غطفان هم سادتهم ، وقادتهم قوم لهم صيت في غطفان وقيس كلها فأقاموا على نسبهم ، قال : وكانوا [ ص: 230 ] يقولون إذا ذكر لهم نسبهم : ما ننكره وما نجحده ، وإنه لأحب النسب إلينا ، ثم ذكر أشعارهم في انتمائهم إلى لؤي قال ابن إسحاق : وفيهم كان البسل وهو تحريم ثمانية أشهر لهم من كل سنة من بين العرب وكانت العرب تعرف لهم ذلك ، ويأمنونهم فيها ويؤمنونهم أيضا . قلت : وكانت ربيعة ومضر إنما يحرمون أربعة أشهر من السنة وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، واختلفت ربيعة ومضر في الرابع وهو رجب فقالت مضر : هو الذي بين جمادى وشعبان ، وقالت ربيعة : هو الذي بين شعبان وشوال .
وقد ثبت في الصحيحين عن أبي بكرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال في خطبة حجة الوداع : إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ، ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر ، الذي بين جمادى وشعبان . فنص على ترجيح قول مضر لا ربيعة . وقد قال الله عز وجل إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم [ التوبة : 36 ] فهذا رد على بني عوف بن لؤي في جعلهم الأشهر الحرم ثمانية فزادوا على حكم الله ، وأدخلوا فيه ما ليس منه ، وقوله في الحديث ثلاث متواليات ، رد على أهل النسيء الذين كانوا يؤخرون تحريم المحرم إلى صفر ، وقوله فيه : ورجب مضر رد على ربيعة .
[ ص: 231 ] قال ابن إسحاق : فولد كعب بن لؤي ثلاثة ; مرة وعديا وهصيصا ، وولد مرة ثلاثة أيضا; كلاب بن مرة وتيم بن مرة ويقظة بن مرة ، من أمهات ثلاث قال : وولد كلاب رجلين قصي بن كلاب وزهرة بن كلاب ، وأمهما فاطمة بنت سعد بن سيل أحد الجدرة من جعثمة الأسد من اليمن حلفاء بني الدئل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ، وفي أبيها يقول الشاعر
ما نرى في الناس شخصا واحدا من علمناه كسعد بن سيل
فارسا أضبط فيه عسرة وإذا ما واقف القرن نزل
فارسا يستدرج الخيل كما استدرج الحر القطامي الحجل
قال ابن إسحاق : وإنما سموا الجدرة ; لأن عامر بن عمرو بن خزيمة بن [ ص: 232 ] جعثمة تزوج بنت الحارث بن مضاض الجرهمي ، وكانت جرهم إذ ذاك ولاة البيت فبنى للكعبة جدارا فسمي عامر بذلك الجادر فقيل لولده : الجدرة لذلك .