[ ص: 51 ] فصل
في كيفية إتيان الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قد تقدم كيفية ما جاءه جبريل في أول مرة وثاني مرة أيضا .
وقال مالك عن عن أبيه ، عن هشام بن عروة عائشة رضي الله عنها : أن الحارث بن هشام سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : يا رسول الله ، كيف يأتيك الوحي ؟ فقال : " أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس ، وهو أشده علي ، فيفصم عني ، وقد وعيت ما قال ، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا ، فيكلمني فأعي ما يقول " قالت عائشة رضي الله عنها : ولقد رأيته - صلى الله عليه وسلم - ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد ، فيفصم عنه ، وإن جبينه ليتفصد عرقا . أخرجاه في " الصحيحين " من حديث مالك به .
ورواه الإمام أحمد عن عامر بن صالح عن به نحوه وكذا رواه هشام بن عروة عبدة بن سليمان وأنس بن عياض عن . وقد رواه هشام بن عروة أيوب السختياني عن هشام عن أبيه ، عن الحارث بن هشام أنه [ ص: 52 ] قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : كيف يأتيك الوحي ؟ فذكره ، ولم يذكر عائشة .
وفي حديث الإفك ، عائشة : فوالله ، ما رام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجلسه ، ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء ، حتى أنه كان يتحدر منه مثل الجمان من العرق ، وهو في يوم شات من ثقل الوحي الذي ينزل عليه قالت
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق أخبرني يونس بن سليم قال أملى علي عن يونس بن يزيد ابن شهاب عن عروة عن سمعت عبد الرحمن بن عبد القاري عمر بن الخطاب يقول : كان وذكر تمام الحديث في نزول إذا نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل قد أفلح المؤمنون [ المؤمنون : 1 ] وكذا رواه الترمذي من حديث والنسائي عبد الرزاق ثم قال : منكر ، لا نعرف أحدا رواه غير النسائي يونس بن سليم ولا نعرفه .
[ ص: 53 ] وفي " صحيح مسلم " ، وغيره من حديث الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه الوحي كربه ذلك وتربد وجهه وفي رواية وغمض عينيه وكنا نعرف ذلك منه .
وفي " الصحيحين " حديث حين نزلت زيد بن ثابت لا يستوي القاعدون من المؤمنين [ النساء : 95 ] فلما شكى ضرارته نزلت : ابن أم مكتوم غير أولى الضرر [ النساء : 95 ] ، قال : وكانت فخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فخذي ، وأنا أكتب ، فلما نزل الوحي كادت فخذه ترض فخذي
وفي " صحيح مسلم " من حديث همام بن يحيى عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن قال قال لي يعلى بن أمية عمر : أيسرك أن تنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يوحى إليه ؟ فرفع طرف الثوب عن وجهه ، وهو يوحى إليه بالجعرانة ، فإذا هو محمر الوجه ، وهو يغط كما يغط البكر وثبت في " الصحيحين " عائشة لما نزل الحجاب ، وإن [ ص: 54 ] سودة خرجت بعد ذلك إلى المناصع ليلا ، فقال عمر : قد عرفناك يا سودة ، فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألته ، وهو جالس يتعشى ، والعرق في يده ، فأوحى الله إليه ، والعرق في يده ، ثم رفع رأسه ، فقال : " إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن " . فدل هذا على أنه لم يكن الوحي يغيب عنه إحساسه بالكلية ; بدليل أنه جالس لم يسقط ، ولم يسقط العرق أيضا من يده ، صلوات الله وسلامه دائما عليه . من حديث
وقال : حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا عباد بن منصور عكرمة عن ابن عباس قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أنزل عليه الوحي تربد لذلك جسده ووجهه ، وأمسك عن أصحابه ، ولم يكلمه أحد منهم
وفي مسند أحمد وغيره ، من حديث ابن لهيعة حدثني يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد عبد الله بن عمرو قلت : يا رسول الله ، هل تحس بالوحي ؟ قال : " نعم ، أسمع صلاصل ، ثم أثبت عند ذلك ، وما من مرة يوحى إلي إلا ظننت أن نفسي تفيظ منه " عن
[ ص: 55 ] وقال أبو يعلى الموصلي : حدثنا إبراهيم بن الحجاج حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا عاصم بن كليب حدثنا أبي ، عن خاله الفلتان بن عاصم قال : كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنزل عليه ، وكان إذا أنزل عليه دام بصره مفتوحة عيناه ، وفرغ سمعه وقلبه لما يأتيه من الله عز وجل
وروى أبو نعيم من حديث قتيبة حدثنا علي بن غراب عن الأحوص بن حكيم عن أبي عون عن عن سعيد بن المسيب قال : أبي هريرة هذا حديث غريب جدا . كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه الوحي صدع ، وغلف رأسه بالحناء
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر حدثنا أبو معاوية شيبان عن ليث عن عن شهر بن حوشب أسماء بنت يزيد ، قالت إني لآخذة بزمام [ ص: 56 ] العضباء ; ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ نزلت عليه المائدة كلها ، وكادت من ثقلها تدق عضد الناقة وقد رواه أبو نعيم من حديث الثوري عن ليث بن أبي سليم به .
وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة حدثني حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو قال أنزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " سورة المائدة " ، وهو راكب على راحلته ، فلم تستطع أن تحمله ، فنزل عنها . وروى ابن مردويه من حديث صباح بن سهل عن عاصم الأحول ، حدثتني أم عمرو ، عن عمها ، أنه كان في مسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلت عليه سورة " المائدة " فاندق عنق الراحلة من ثقلها . وهذا غريب من هذا الوجه .
ثم قد ثبت في " الصحيحين " الحديبية ، وهو على راحلته ، فكأنه يكون تارة وتارة ، بحسب الحال . والله أعلم . وقد ذكرنا أنواع الوحي إليه - صلى الله عليه وسلم - في أول " شرح نزول سورة " الفتح " على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرجعه من " ، وما ذكره البخاري وغيره من الأئمة رضي الله عنهم . الحليمي