قال الله تعالى : وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين إنه هو السميع العليم [ الشعراء : 214 - 220 ] . وقال تعالى : وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون . [ الزخرف : 44 ] [ ص: 97 ] . وقال تعالى : إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد [ القصص : 85 ] . أي إن الذي فرض عليك وأوجب عليك تبليغ القرآن لرادك إلى الدار الآخرة وهي المعاد ، فيسألك عن ذلك ، كما قال تعالى : فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين [ الأعراف : 6 ] ، وقال تعالى : فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون [ الحجر : 92 ، 93 ] . والآيات والأحاديث في هذا كثيرة جدا ، وقد تقصينا الكلام على ذلك في كتابنا " التفسير " ، وبسطنا من القول في ذلك عند قوله تعالى في سورة " الشعراء " وأنذر عشيرتك الأقربين ، وأوردنا أحاديث جمة في ذلك ، فمن ذلك :
قال : حدثنا الإمام أحمد عن عبد الله بن نمير الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : وأنذر عشيرتك الأقربين " أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - الصفا ، فصعد عليه ، ثم نادى : " يا صباحاه " . فاجتمع الناس إليه بين رجل يجيء إليه وبين رجل يبعث رسوله ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا بني عبد المطلب ، يا بني فهر ، يا بني لؤي ، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم ، صدقتموني " . قالوا : نعم . قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " . [ ص: 98 ] فقال أبو لهب لعنه الله : تبا لك سائر اليوم ، أما دعوتنا إلا لهذا ؟ وأنزل الله عز وجل تبت يدا أبي لهب وتب [ المسد : 1 ] وأخرجاه من حديث لما أنزل الله " الأعمش به نحوه .
قال أحمد : حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا زائدة حدثنا عن عبد الملك بن عمير عن موسى بن طلحة قال : أبي هريرة وأنذر عشيرتك الأقربين " دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشا فعم وخص ، فقال : يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار ، يا معشر بني كعب ، أنقذوا أنفسكم من النار ، يا معشر بني هاشم ، أنقذوا أنفسكم من النار ، يا معشر بني عبد المطلب ، أنقذوا أنفسكم من النار ، يا أنقذي نفسك من النار ، فإني والله لا أملك لكم من الله شيئا ، إلا أن لكم رحما سأبلها ببلالها " . فاطمة بنت محمد ، ورواه لما نزلت هذه الآية " مسلم من حديث . وأخرجاه في " الصحيحين " من حديث عبد الملك بن عمير الزهري عن وأبي سلمة ، عن سعيد بن المسيب وله طرق أخر عن أبي هريرة في " مسند أبي هريرة أحمد " وغيره .
[ ص: 99 ] وقال أحمد أيضا : حدثنا ثنا وكيع هشام عن أبيه ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : لما نزل " وأنذر عشيرتك الأقربين " قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا يا فاطمة بنت محمد ، صفية بنت عبد المطلب ، يا بني عبد المطلب ، لا أملك لكم من الله شيئا ، سلوني من مالي ما شئتم " . ورواه مسلم أيضا .
وقال في " الدلائل " أخبرنا الحافظ أبو بكر البيهقي محمد بن عبد الله الحافظ حدثنا حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أحمد بن عبد الجبار حدثنا عن يونس بن بكير محمد بن إسحاق قال : فحدثني من سمع واستكتمني اسمه عن عبد الله بن الحارث بن نوفل ابن عباس عن علي بن أبي طالب قال : وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين " ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عرفت أني إن بادأت بها قومي رأيت منهم ما أكره ، فصمت ، فجاءنيجبريل عليه السلام ، فقال : يا محمد ، إن لم تفعل ما أمرك به ربك عذبك ربك . قال علي : فدعاني ، فقال : " يا علي إن الله قد أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ، فاصنع لنا يا علي شاة على صاع من [ ص: 100 ] طعام ، وأعد لنا عس لبن ، ثم اجمع لي بني عبد المطلب " . ففعلت فاجتمعوا له ، وهم يومئذ أربعون رجلا ، يزيدون رجلا أو ينقصون ، فيهم أعمامه ; أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب الكافر الخبيث ، فقدمت إليهم تلك الجفنة ، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها حذية ، فشقها بأسنانه ، ثم رمى بها في نواحيها ، وقال : " كلوا بسم الله " . فأكل القوم حتى نهلوا عنه ما يرى إلا آثار أصابعهم ، والله إن كان الرجل ليأكل مثلها . ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اسقهم يا علي " . فجئت بذلك القعب ، فشربوا منه حتى نهلوا جميعا ، وايم الله إن كان الرجل ليشرب مثله ، فلما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكلمهم بدره أبو لهب لعنه الله ، فقال : لهد ! ما سحركم صاحبكم . فتفرقوا ، ولم يكلمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما كان من الغد ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا علي عد لنا بمثل الذي كنت صنعت لنا بالأمس من الطعام والشراب ; فإن هذا الرجل قد بدرني إلى ما سمعت قبل أن أكلم القوم " . ففعلت ، ثم جمعتهم له ، فصنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما صنع بالأمس ، فأكلوا [ ص: 101 ] حتى نهلوا عنه ، وايم الله ، إن كان الرجل ليأكل مثلها ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اسقهم يا علي " . فجئت بذلك القعب فشربوا منه حتى نهلوا جميعا ، وايم الله ، إن كان الرجل منهم ليشرب مثله ، فلما أراد رسول الله أن يكلمهم بدره أبو لهب لعنه الله ، إلى الكلام ، فقال : " لهد ما سحركم صاحبكم ! فتفرقوا ولم يكلمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فلما كان من الغد ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا علي عد لنا بمثل الذي كنت صنعت بالأمس من الطعام والشراب ; فإن هذا الرجل قد بدرني إلى ما سمعت قبل أن أكلم القوم " . ففعلت ، ثم جمعتهم له ، فصنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما صنع بالأمس ، فأكلوا حتى نهلوا عنه ، ثم سقيتهم من ذلك القعب حتى نهلوا عنه ، وايم الله ! إن كان الرجل منهم ليأكل مثلها ويشرب مثلها ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا بني عبد المطلب ، إني والله ما أعلم شابا من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به ; إني قد جئتكم بأمر الدنيا والآخرة " . هكذا رواه لما نزلت هذه الآية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من طريق البيهقي عن يونس بن بكير ابن إسحاق عن شيخ أبهم اسمه ، عن عبد الله بن الحارث به .
وقد رواه أبو جعفر بن جرير عن عن محمد بن حميد الرازي عن سلمة بن الفضل الأبرش محمد بن إسحاق عن عبد الغفار أبي مريم بن القاسم عن عن المنهال بن عمرو عبد الله بن الحارث عن ابن عباس عن علي فذكر مثله ، وزاد بعد قوله : " وإني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة " : " وقد [ ص: 102 ] أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي " . وكذا وكذا . قال : فأحجم القوم عنها جميعا ، وقلت ولإني لأحدثهم سنا ، وأرمصهم عينا ، وأعظمهم بطنا ، وأحمشهم ساقا : أنا يا نبي الله ، أكون وزيرك عليه . فأخذ برقبتي ، فقال : " إن هذا أخي ، وكذا وكذا ، فاسمعوا له وأطيعوا " . قال : فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع ! تفرد به عبد الغفار بن القاسم أبو مريم وهو كذاب شيعي ، اتهمه وغيره بوضع الحديث ، وضعفه الباقون . ولكن روى علي بن المديني ابن أبي حاتم في " تفسيره " عن أبيه ، عن الحسين بن عيسى بن ميسرة الحارثي عن عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش عن عن المنهال بن عمرو عبد الله بن الحارث قال : قال علي : وأنذر عشيرتك الأقربين " قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اصنع لي رجل شاة بصاع من طعام ، وإناء لبنا ، وادع لي بني هاشم ، فدعوتهم ، وإنهم يومئذ لأربعون غير رجل أو أربعون ورجل . فذكر القصة كنحو ما تقدم إلى أن قال : لما نزلت هذه الآية " العباس خشية أن يحيط ذلك بماله ، قال : وسكت أنا لسن العباس ثم قالها مرة أخرى ، فسكت العباس فلما رأيت ذلك ، قلت : أنا يا رسول الله . قال : " أنت " . قال وإني يومئذ لأسوأهم هيئة ، وإني لأعمش العينين ، ضخم البطن ، حمش الساقين . وهذه الطريق فيها شاهد لما تقدم ، إلا أنه لم يذكر وبدرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكلام [ ص: 103 ] فقال : " أيكم يقضي عني ديني ، ويكون خليفتي في أهلي ؟ " . قال : فسكتوا وسكت ابن عباس فيها ، فالله أعلم .
وقد روى في " مسنده " من حديث الإمام أحمد عباد بن عبد الله الأسدي وربيعة بن ناجذ عن علي نحو ما تقدم ، أو كالشاهد له . والله أعلم .
ومعنى قوله في هذا الحديث : يعني : إذا مت ، وكأنه - صلى الله عليه وسلم - خشي إذا قام بإبلاغ الرسالة إلى مشركي العرب أن يقتلوه ، فاستوثق من يقوم بعده بما يصلح أهله ، ويقضي عنه ، وقد أمنه الله من ذلك في قوله تعالى : من يقضي عني ديني ويكون خليفتي في أهلي يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس الآية . [ المائدة : 67 ]
والمقصود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استمر يدعو إلى الله تعالى ليلا ونهارا ، وسرا [ ص: 104 ] وجهارا ، لا يصرفه عن ذلك صارف ، ولا يرده عنه راد ، ولا يصده عنه صاد ، يتبع الناس في أنديتهم ومجامعهم ومحافلهم ، وفي المواسم ، ومواقف الحج ; يدعو من لقيه من حر وعبد ، وضعيف وقوي ، وغني وفقير ، جميع الخلق في ذلك عنده شرع سواء ، وتسلط عليه وعلى من اتبعه من آحاد الناس من ضعفائهم الأشداء الأقوياء من مشركي قريش بالأذية القولية والفعلية ، وكان من أشد الناس عليه عمه أبو لهب ، واسمه عبد العزى بن عبد المطلب وامرأته أم جميل أروى بنت حرب بن أمية ، أخت أبي سفيان ، وخالفه في ذلك عمه أبو طالب بن عبد المطلب وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب خلق الله إليه طبعا ، فكان يحنو عليه ويحسن إليه ، ويدافع عنه ويحامي ، ويخالف قومه في ذلك ، مع أنه على دينهم وعلى خلتهم ، إلا أن الله تعالى قد امتحن قلبه بحبه حبا طبعيا لا شرعيا ، فكان استمراره على دين قومه من حكمة الله تعالى ، ومما صنعه لرسوله من الحماية ; إذ لو كان أسلم أبو طالب لما كان له عند مشركي قريش وجاهة ولا كلمة ، ولا كانوا يهابونه ويحترمونه ، ولاجترؤوا عليه ولمدوا أيديهم وألسنتهم بالسوء إليه ، وربك يخلق ما يشاء ويختار وقد قسم خلقه أنواعا وأجناسا ، فهذان العمان كافران أبو طالب وأبو لهب ولكن هذا يكون في القيامة في ضحضاح من نار ، وذلك في [ ص: 105 ] الدرك الأسفل من النار ، ، وتقرأ في المواعظ والخطب ، تتضمن أنه وأنزل الله فيه سورة في كتابه تتلى على المنابر سيصلى نارا ذات لهب ، وامرأته حمالة الحطب .
قال : حدثنا الإمام أحمد إبراهيم بن أبي العباس حدثنا عن أبيه ، قال : أخبرني رجل ، يقال له : عبد الرحمن بن أبي الزناد ربيعة بن عباد من بني الديل ، وكان جاهليا فأسلم ، قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجاهلية ، في سوق ذي المجاز ، وهو يقول : " يا أيها الناس ، قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا " . والناس مجتمعون عليه ، ووراءه رجل وضيء الوجه ، أحول ، ذو غديرتين ، يقول : إنه صابئ كاذب . يتبعه حيث ذهب ، فسألت عنه ، فقالوا : هذا عمه أبو لهب . ثم رواه هو من حديث والبيهقي بنحوه . عبد الرحمن بن أبي الزناد
وقال أيضا : حدثنا البيهقي أبو طاهر الفقيه حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان حدثنا أبو الأزهر حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري [ ص: 106 ] حدثنا محمد بن عمرو عن محمد بن المنكدر عن ربيعة الديلي قال : بذي المجاز يتبع الناس في منازلهم ، يدعوهم إلى الله ، ووراءه رجل أحول تقد وجنتاه ، وهو يقول : أيها الناس ، لا يغرنكم هذا عن دينكم ، ودين آبائكم . قلت : من هذا ؟ قيل : هذا أبو لهب . رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
ثم رواه من طريق شعبة عن الأشعث بن سليم عن رجل من كنانة ، قال : ذي المجاز ، وهو يقول : " يا أيها الناس ، قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا " . وإذا رجل خلفه يسفي عليه التراب ، وإذا هو أبو جهل وإذا هو يقول : يا أيها الناس ، لا يغرنكم هذا عن دينكم ، فإنما يريد أن تتركوا عبادة اللات والعزى . كذا قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسوق أبو جهل والظاهر أنه أبو لهب وسنذكر بقية ترجمته عند ذكر وفاته ، وذلك بعد وقعة بدر إن شاء الله تعالى .
وأما أبو طالب فكان في غاية الشفقة والحنو الطبيعي ، كما سيظهر من صنائعه ، وسجاياه ، واعتماده فيما يحامي به عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، رضي الله عنهم .
[ ص: 107 ] قال عن يونس بن بكير طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن أخبرني موسى بن طلحة عقيل بن أبي طالب قال : قريش إلى أبي طالب فقالوا : إن ابن أخيك هذا قد آذانا في نادينا ومسجدنا ، فانهه عنا . فقال : يا جاءت عقيل انطلق فأتني بمحمد . فانطلقت إليه ، فاستخرجته من كبس أو قال حفش يقول : بيت صغير . فجاء به في الظهيرة في شدة الحر ، فلما أتاهم ، قال : إن بني عمك هؤلاء زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم ، فانته عن أذاهم ، فحلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببصره إلى السماء ، فقال : " ترون هذه الشمس " . قالوا : نعم . قال : " فما أنا بأقدر على أن أدع ذلك منكم على أن تستشعلوا منها شعلة " . فقال أبو طالب : والله ما كذب ابن أخي قط ، فارجعوا . رواه في " التاريخ " عن البخاري محمد بن العلاء عن . ورواه يونس بن بكير عن البيهقي عن الحاكم الأصم عن أحمد بن عبد الجبار عنه به . وهذا لفظه .
[ ص: 108 ] ثم روى من طريق البيهقي يونس عن ابن إسحاق حدثني أنه حدث يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أن قريشا حين قالت لأبي طالب هذه المقالة بعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له : يا ابن أخي ، إن قومك قد جاءوني ، وقالوا كذا وكذا ، فأبق علي وعلى نفسك ، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق أنا ولا أنت ، فاكفف عن قومك ما يكرهون من قولك ، فظن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن قد بدا لعمه فيه ، وأنه خاذله ومسلمه ، وضعف عن القيام معه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا عم ، لو وضعت الشمس في يميني ، والقمر في يساري ، ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك في طلبه " ثم استعبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبكى ، فلما ولى قال له حين رأى ما بلغ الأمر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا بن أخي . فأقبل عليه ، فقال : امض على أمرك ، وافعل ما أحببت ، فوالله لا أسلمك لشيء أبدا . قال ابن إسحاق : ثم قال أبو طالب في ذلك
والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا فامضي لأمرك ما عليك غضاضة
أبشر وقر بذاك منك عيونا ودعوتني وعلمت أنك ناصحي
فلقد صدقت وكنت قدم أمينا وعرضت دينا قد عرفت بأنه
من خير أديان البرية دينا [ ص: 109 ] لولا الملامة أو حذاري سبة
لوجدتني سمحا بذاك مبينا
وقال : حدثني يونس بن بكير محمد بن إسحاق حدثني رجل من أهل مصر قديما منذ بضع وأربعين سنة ، عن عكرمة عن ابن عباس في مكة وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما قام عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال قصة طويلة جرت بين مشركي أبو جهل بن هشام : يا معشر قريش ، إن محمدا قد أبى إلا ما ترون ; من عيب ديننا ، وشتم آبائنا ، وتسفيه أحلامنا ، وسب آلهتنا ، وإني أعاهد الله لأجلس له غدا بحجر ، فإذا سجد في صلاته ، فضخت به رأسه ، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم . فلما أصبح أبو جهل لعنه الله أخذ حجرا ، ثم جلس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينتظره ، وغدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما كان يغدو ، وكانت قبلته الشام ، فكان إذا صلى صلى بين الركنين الأسود واليماني ، وجعل الكعبة بينه وبين الشام ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي ، وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ينتظرون ، فلما سجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتمل [ ص: 110 ] أبو جهل الحجر ، ثم أقبل نحوه ، حتى إذا دنا منه رجع منبهتا ممتقعا لونه مرعوبا ، قد يبست يداه على حجره ، حتى قذف الحجر من يده ، وقامت إليه رجال من قريش ، فقالوا : له ما بك يا أبا الحكم ؟ فقال : قمت إليه لأفعل ما قلت لكم البارحة ، فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل ، والله ما رأيت مثل هامته ، ولا قصرته ، ولا أنيابه لفحل قط ، فهم أن يأكلني . قال ابن إسحاق : فذكر لي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ذلك جبريل ، لو دنا مني لأخذه " .
وقال : أخبرنا البيهقي أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو النضر الفقيه حدثنا عثمان الدارمي حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث بن سعد عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن أبان بن صالح عن عن أبيه ، علي بن عبد الله بن عباس قال : كنت يوما في المسجد ، فأقبل عباس بن عبد المطلب أبو جهل لعنه الله ، فقال : إن لله علي إن رأيت محمدا ساجدا أن أطأ على رقبته . فخرجت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى دخلت عليه ، فأخبرته بقول أبي جهل فخرج غضبان حتى جاء المسجد ، فعجل أن يدخل من الباب فاقتحم الحائط ، فقلت : هذا يوم شر . فاتزرت ثم اتبعته . فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأ : اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق [ العلق : 1 ، 2 ] فلما بلغ شأن أبي جهل كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى [ العلق : 6 ، 7 ] فقال إنسان لأبي جهل : يا أبا الحكم هذا محمد . [ ص: 111 ] فقال أبو جهل : ألا ترون ما أرى ؟ والله لقد سد أفق السماء علي ، فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخر السورة سجد . عن
وقال : حدثنا الإمام أحمد عبد الرزاق أخبرنا معمر عن عبد الكريم عن عكرمة قال : قال ابن عباس قال أبو جهل : لئن رأيت محمدا يصلي عند الكعبة لأطأن على عنقه . فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " لو فعل لأخذته الملائكة عيانا " . ورواه عن البخاري يحيى عن عبد الرزاق به . قال عن داود بن أبي هند عكرمة عن ابن عباس قال : أبو جهل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي ، فقال : ألم أنهك أن تصلي يا محمد ؟ لقد علمت ما بها أحد أكثر ناديا مني . فانتهره النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال جبريل : فليدع ناديه سندع الزبانية [ العلق : 17 ، 18 ] والله لو دعا ناديه لأخذته زبانية العذاب . رواه مر أحمد وصححه والترمذي من طريق والنسائي داود به .
وقال : حدثنا الإمام أحمد إسماعيل بن يزيد أبو يزيد حدثنا فرات عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس قال قال أبو جهل : لئن رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي عند الكعبة لآتينه حتى أطأ على عنقه . قال : فقال : " لو فعل [ ص: 112 ] لأخذته الملائكة عيانا " .
وقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا ابن حميد حدثنا حدثنا يحيى بن واضح يونس بن أبي إسحاق عن الوليد بن العيزار عن ابن عباس قال : أبو جهل : لئن عاد محمد يصلي عند المقام لأقتلنه . فأنزل الله تعالى اقرأ باسم ربك الذي خلق حتى بلغ من الآية لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانية [ العلق : 15 - 18 ] فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي ، فقيل : ما يمنعك ؟ قال : قد اسود ما بيني وبينه من الكتائب . قال ابن عباس : والله لو تحرك لأخذته الملائكة ، والناس ينظرون إليه . قال
وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى حدثنا المعتمر عن أبيه ، عن نعيم بن أبي هند عن أبي حازم عن قال : أبي هريرة أبو جهل : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ قالوا : نعم . قال : فقال : واللات والعزى لئن رأيته يصلي كذلك لأطأن على رقبته ، ولأعفرن وجهه في التراب . فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي ; ليطأ على رقبته . قال : فما فجئهم منه إلا [ ص: 113 ] وهو ينكص على عقبيه ، ويتقي بيديه . قال : فقيل له : ما لك ؟ قال : إن بيني وبينه خندقا من نار ، وهولا ، وأجنحة . قال : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا " . قال : وأنزل الله تعالى لا أدري في حديث أم لا أبي هريرة كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى إلى آخر السورة . وقد رواه قال أحمد ومسلم والنسائي وابن أبي حاتم من حديث والبيهقي به . معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي
وقال : حدثنا الإمام أحمد حدثنا وهب بن جرير شعبة عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال : قريش غير يوم واحد ; فإنه كان يصلي ، ورهط من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا على قريش جلوس ، وسلى جزور قريب منه ، فقالوا : من يأخذ هذا السلى فيلقيه على ظهره ؟ فقال عقبة بن أبي معيط : أنا فأخذه فألقاه على ظهره ، فلم يزل ساجدا حتى جاءت فاطمة ، فأخذته عن ظهره ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اللهم عليك بهذا الملأ من قريش ، اللهم عليك بعتبة بن ربيعة اللهم عليك بشيبة بن ربيعة اللهم عليك بأبي جهل بن هشام اللهم عليك بعقبة بن أبي معيط اللهم عليك بأبي بن خلف أو أمية بن خلف شعبة الشاك . قال عبد الله : فلقد رأيتهم [ ص: 114 ] بدر جميعا ، ثم سحبوا إلى القليب ، غير قتلوا يوم أبي أو أمية فإنه كان رجلا ضخما فتقطع . وقد رواه ما رأيت في مواضع متعددة من " صحيحه " البخاري ومسلم من طرق عن أبي إسحاق به ، والصواب أمية بن خلف ; فإنه الذي قتل يوم بدر ، وأخوه أبي إنما قتل يوم أحد ، كما سيأتي بيانه ، والسلى : هو الذي يخرج مع ولد الناقة كالمشيمة لولد المرأة .
وفي بعض ألفاظ " الصحيح " أنهم لما فعلوا ذلك استضحكوا ، حتى جعل بعضهم يميل على بعض . أي يميل هذا على هذا من شدة الضحك ، لعنهم الله . وفيه : أن فاطمة لما ألقته عنه أقبلت عليهم فسبتهم ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - لما فرغ من صلاته رفع يديه يدعو عليهم ، فلما رأوا ذلك سكن عنهم الضحك ، وخافوا دعوته ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - دعا على الملأ منهم جملة ، وعين في دعائه سبعة ، وقع في أكثر الروايات تسمية ستة منهم ، وهم : عتبة وأخوه شيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة وأبو جهل بن هشام وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف قال أبو إسحاق : ونسيت السابع . قلت : وهو عمارة بن الوليد وقع تسميته في " صحيح " . البخاري