[ ص: 667 ] ثم دخلت سنة إحدى وتسعين وخمسمائة 
 فيها كانت وقعة الزلاقة  ببلاد الأندلس  شمالي قرطبة  بمرج الحديد  ، كانت وقعة عظيمة ، نصر الله فيها الإسلام وخذل فيها عبدة الصلبان ، وذلك أن الفنش  ملك الفرنج  ببلاد الأندلس  ومقر ملكه بمدينة طليطلة  كتب إلى الأمير يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن  ملك المغرب يستنخيه ويستدعيه ويستحثه إليه ، في كلام طويل فيه تأنيب وتهديد ووعيد شديد ، فكتب السلطان يعقوب بن يوسف  في رأس كتابه فوق خطه : ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون    [ النمل : 27 ] 
ثم نهض من فوره بجنوده وعساكره حتى قطع الزقاق إلى الأندلس ،  فالتقوا في المكان المتقدم ذكره ، فكانت الدائرة أولا على المسلمين ، فقتل منهم عشرون ألفا ، ثم كانت أخيرا على الكافرين ، فهزمهم الله وكسرهم وخذلهم أقبح كسرة ، وشر هزيمة وأشنعها ، فقتل منهم مائة ألف وثلاثة وأربعون ألفا ، وأسر منهم ثلاثة عشر ألفا ، وغنم المسلمون منهم شيئا كثيرا ; من ذلك مائة ألف خيمة وثلاثة وأربعون خيمة ، ومن الخيل ستة وأربعون ألف فرس ، ومن البغال مائة ألف بغل ، ومن الحمر مثلها ، ومن السلاح التام سبعون ألفا ، ومن العدد شيء كثير ، وملك عليهم من حصونهم شيئا كثيرا ، وحاصر مدينتهم طليطلة  مدة ، ثم لم يفتحها ،   [ ص: 668 ] فانفصل عنها راجعا إلى بلاده . 
ولما حصل للفنش  ما حصل حلق رأسه ولحيته ، ونكس صليبه وركب حمارا ، وحلف لا يركب فرسا ولا يتلذذ بطعام ، ولا ينام مع امرأة حتى تنصره النصرانية ، فجمع من الجنود ما لا يعلمه إلا الله عز وجل ، فاستعد له السلطان يعقوب  ، فالتقيا فاقتتلا قتالا عظيما ، فانهزم الفرنج  أقبح من هزيمتهم الأولى وغنموا منهم نظير ما تقدم ذكره أو أكثر ، واستحوذ السلطان على كثير من معاقلهم وقلاعهم ؛ ولله الحمد والمنة ، حتى قيل : إنه بيع الأسير بدرهم ، والحصان بخمسة دراهم ، والخيمة بدرهم ، والسيف بنصف درهم ، ثم قسم السلطان هذه الغنائم على الوجه الشرعي ، فاستغنى المجاهدون إلى الأبد ، ثم طلبت الفرنج  من السلطان الأمان فهادنهم على وضع الحرب خمس سنين ، وإنما حمله على ذلك أن رجلا يقال له : علي بن إسحاق الميورقي  الذي يقال له : الملثم . ظهر ببلاد إفريقية  ، فأحدث أمورا فظيعة في غيبة السلطان واشتغاله بقتال الفرنج  مدة ثلاث سنين ، وظهر هذا المارق الميورقي بالبادية ، وعاث في الأرض فسادا ، وقتل خلقا كثيرا ، وتملك بلادا . 
وفي هذه السنة والتي قبلها استحوذ جيش الخليفة على بلاد الري  وأصبهان  وهمذان  وخوزستان  وغيرها من البلاد ، وقوي جانب الخلافة على الملوك والممالك . وفيها خرج العزيز  من مصر  قاصدا دمشق  ليأخذها من يد أخيه الأفضل  ، وكان الأفضل  قد تاب وأناب وأقلع عما كان فيه من الشراب واللهو   [ ص: 669 ] واللعب ، وأقبل على الصيام والصلاة ، وشرع بكتابة مصحف بيده وحسنت طريقته ، غير أن وزيره الضياء الجزري  يفسد عليه دولته ويكدر عليه صفوته ، فلما بلغ الأفضل  إقبال أخيه نحوه سار سريعا إلى عمه العادل  وهو بجعبر  فاستنجده ، فسار معه وسبقه إلى دمشق  ، وراح الأفضل  أيضا إلى أخيه الظاهر  بحلب  فسارا جميعا نحو دمشق  ، فلما سمع العزيز  بذلك وقد اقترب من دمشق  كر راجعا سريعا إلى مصر  ، وركب وراءه العادل  والأفضل  ليأخذا منه ديار مصر  ، وقد اتفقا على أن يكون ثلث مصر  للعادل  وثلثاها للأفضل ،  ثم بدا للعادل  في ذلك فأرسل للعزيز  يثبته ، وأقبل على الأفضل  يثبطه ، وأقاما على بلبيس  أياما حتى خرج إليهما القاضي الفاضل  من جهة العزيز  ، فوقع الصلح بينهما على أن يرجع القدس  ومعاملتها للأفضل  ، ويستقر العادل  مقيما بمصر  على إقطاعه القديم ، فأقام العادل  بها طمعا فيها ، ورجع الأفضل  إلى دمشق  بعدما خرج العزيز  لتوديعه ، وهي هدنة على قذى ، وصلح على دخن . 
				
						
						
