[ ص: 61 ] ثم دخلت سنة أربع عشرة وستمائة 
في ثالث المحرم منها كمل تبليط داخل الجامع الأموي ، وجاء المعتمد مبارز الدين إبراهيم المتولي  بدمشق ،  فوضع آخر بلاطة منه بيده عند باب الزيارة ، فرحا بذلك . 
وفيها زادت دجلة ببغداد  زيادة عظيمة ،  وارتفع الماء حتى ساوى السور إلا مقدار أصبعين ، ثم طفح الماء من فوقه ، وأيقن الناس بالهلكة ، واستمر ذلك سبع ليال وثمانية أيام حسوما ، ثم من الله فتناقص الماء ، وذهبت الزيادة وقد بقيت بغداد  تلولا ، وتهدمت أكثر البنايات ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . 
وفيها درس بالنظامية محمد بن يحيى بن فضلان ،  وحضر عنده القضاة والأعيان . 
 [ ص: 62 ] وفيها سار الصدر بن حمويه في الرسلية  إلى بغداد  من العادل  إلى الخليفة . 
وفيها قدم ولده الفخر  من الكامل  إلى أخيه المعظم  يخطب منه ابنته على ابنه أقسيس  صاحب اليمن ،  فعقد العقد بدمشق  على صداق هائل . 
وفيها قدم السلطان علاء الدين خوارزم شاه محمد بن تكش  إلى همذان  قاصدا إلى بغداد  في أربعمائة ألف ، وقيل في ستمائة ألف . فاستعد له الخليفة ، واستخدم الجيوش الكثيرة ، وأرسل إلى الخليفة يطلب منه أن يكون بين يديه على قاعدة من تقدمه من الملوك السلاجقة ،  وأن يخطب له ببغداد  على منابرها ، فلم يجبه الخليفة إلى ذلك ، وأرسل إليه الشيخ شهاب الدين السهروردي ،  فلما وصل شاهد عنده من العظمة وكثرة الملوك بين يديه ، وهو جالس في خركاه من ذهب على سرير ساذج ، وعليه قباء بخاري  ما يساوي خمسة دراهم ، وعلى رأسه جلدة ما تساوي درهما ، فسلم فلم يرد عليه من الكبر ، ولم يأذن له في الجلوس ، فقام إلى جانب السرير ، وأخذ في خطبة هائلة ، فذكر فيها فضل بني العباس  وشرفهم ، وأورد حديثا في النهي عن أذاهم ، والترجمان يعيد على الملك ، فقال الملك : أما ما ذكرت من فضل الخليفة فإنه ليس كذلك ، ولكني إذا قدمت بغداد  أقمت من يكون بهذه الصفات ، وما ذكرت من النهي عن أذاهم ، فإني لم أوذ منهم أحدا ، ولكن الخليفة في سجونه منهم طائفة كثيرة   [ ص: 63 ] يتناسلون في السجون ، فهو الذي آذى بني العباس    . ثم تركه ولم يرد عليه جوابا بعد ذلك ، وانصرف السهروردي  راجعا ، وأرسل الله تعالى على الملك وجنده ثلجا عظيما ثلاثة أيام حتى طم الخراكي والخيام ووصل إلى رءوس الأعلام ، وتقطعت أيدي رجال وأرجلهم ، وعمهم من البلاء ما لا يحد ولا يوصف ، فردهم الله خائبين ، والحمد لله رب العالمين . 
وفيها انقضت الهدنة التي كانت بين العادل  والفرنج ،   واتفق قدوم العادل  من الديار المصرية ،  فاجتمع هو وولده المعظم ببيسان ،  فركبت الفرنج  من عكا  ومقدمهم وصحبتهم ملوك السواحل كلهم ، وساقوا كلهم قاصدين مغافصة العادل ،  فلما أحس بهم فر منهم لكثرة جيوشهم وقلة من معه ، فقال له ابنه المعظم    : إلى أين يا أبت؟ فشتمه بالعجمية ، وقال له : أقطعت الشام  مماليكك ، وتركت من ينفعني من أبناء الناس . فتوجه العادل  إلى دمشق  ، وكتب إلى واليها المعتمد  ليحصنها من الفرنج ،  وينقل إليها من الغلات من داريا  إلى القلعة ، ويرسل الماء على أراضي داريا ،  وقصر حجاج  والشاغور ،  ففزع الناس من ذلك ، وابتهلوا إلى الله بالدعاء ، وكثر الضجيج بالجامع ، وأقبل السلطان ، فنزل بمرج الصفر ،  وأرسل إلى ملوك الشرق ليقدموا لقتال الفرنج ،  فكان أول من قدم صاحب حمص  أسد الدين شيركوه ،  فتلقاه الناس فدخل من باب الفرج ،  وجاء فسلم على ست الشام  بدارها عند المارستان ،  ثم عاد إلى داره ، ولما قدم   [ ص: 64 ] أسد الدين  سري عن الناس وأمنوا ، فلما أصبح توجه إلى السلطان بمرج الصفر ،  وأما الفرنج  فإنهم وردوا إلى بيسان  ، فنهبوا ما كان بها من الغلات والدواب ، وقتلوا وأسروا شيئا كثيرا ، ثم عاثوا في الأرض فسادا يقتلون وينهبون ويسبون ما بين بيسان  إلى بانياس  ، وخرجوا إلى أراضي الجولان  إلى نوى  وخسفين  وغير ذلك من الأراضي ، وسار الملك المعظم ،  فنزل على عقبة اللبن  بين القدس  ونابلس  خوفا على القدس الشريف ،  ثم حاصر الفرنج  حصن الطور حصارا هائلا ، ومانع عنه الذين به من الأبطال ممانعة هائلة ، ثم كر الفرنج  راجعين إلى عكا  ، وجاء الملك المعظم  إلى الطور ،  فخلع على الأمراء الذين به ، وطيب نفوسهم ، ثم اتفق هو وأبوه على هدمه ، كما سيأتي . 
				
						
						
