[ ص: 386 ] ثم دخلت سنة سبع وخمسين وستمائة  
استهلت هذه السنة وليس للمسلمين خليفة ،  وسلطان دمشق  وحلب  الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن العزيز محمد بن أبي الظاهر غازي بن الناصر   فاتح بيت المقدس  وهو واقع بينه وبين المصريين ، وقد ملكوا نور الدين علي بن المعز أيبك التركماني ،   ولقبوه بالمنصور ، وقد أرسل الملك الغاشم هولاكوقان  إلى الملك الناصر  بدمشق  يستدعيه إليه ، فأرسل إليه ولده العزيز  وهو صغير ، ومعه هدايا كثيرة وتحف ، فلم يحتفل به هولاكو  ، وغضب على أبيه إذ لم يقبل إليه ، وقال : أنا الذي أسير إلى بلاده بنفسي . فانزعج الناصر  لذلك ، وبعث بحريمه وأهله إلى الكرك  ليحصنهم بها ، وخاف أهل دمشق  خوفا شديدا حين بلغهم أن التتار  قد قطعوا الفرات ، فصار كثير منهم إلى الديار المصرية في زمن الشتاء ، ومات كثير منهم ونهب آخرون ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . 
وأقبل هولاكو  ، فقصد الشام  بجنوده وعساكره ، وقد كانت ميافارقين  قد امتنعت على التتار  مدة سنة ونصف ، فأرسل إليها ولده أشموط ،  فافتتحها قسرا ، واستنزل ملكها الكامل بن الشهاب غازي بن العادل ،   فأرسله إلى أبيه وهو محاصر حلب  ، فقتله بين يديه ، واستناب عليها بعض مماليك الأشرف ، وطيف   [ ص: 387 ] برأس الكامل  في البلاد ، ودخلوا برأسه إلى دمشق  ، فنصب على باب الفراديس البراني ،  ثم دفن بمسجد الرأس داخل باب الفراديس الجواني ،  فنظم أبو شامة  في ذلك قصيدة يذكر فيها فضله وجهاده ، وشبهه بالحسين  في قتله مظلوما ، ودفن رأسه عند رأسه . 
وفيها عمل الخواجا نصير الدين الطوسي  الرصد بمدينة مراغة  ونقل إليه شيئا كثيرا من كتب الأوقاف التي كانت ببغداد ،  وعمل دار حكمة فيها فلاسفة ، لكل واحد في اليوم ثلاثة دراهم ، ودار طب ، فيها للحكيم في اليوم درهمان ، ومدرسة ، لكل فقيه في اليوم درهم ، ودار حديث لكل محدث نصف درهم في اليوم . 
وفيها قدم القاضي الوزير كمال الدين عمر بن أبي جرادة المعروف بابن العديم إلى الديار المصرية رسولا من صاحب دمشق  الناصر بن العزيز يستنجد المصريين على قتال التتار ،  بأنهم قد اقترب قدومهم إلى الشام  وقد استولوا على بلاد الجزيرة  وحران وغيرها في هذه السنة ، وقد جاز أشموط بن هولاكو  الفرات ، واقترب من مدينة حلب  ، فعقد عند ذلك مجلس بين يدي المنصور بن المعز التركماني ،   وحضر قاضي مصر  بدر الدين السنجاري ،  والشيخ عز الدين بن عبد السلام ،   وأفاضوا الكلام فيما يتعلق بأخذ شيء من أموال العامة لمساعدة الجند ، وكانت العمدة على ما يقوله ابن عبد السلام ،   فكان   [ ص: 388 ] حاصله : إذا لم يبق في بيت المال شيء ، وأنفقتم الحوائص الذهب وغيرها من الزينة ، وتساويتم أنتم والعامة في الملابس سوى آلات الحرب ، ولم يبق للجندي شيء سوى فرسه التي يركبها ، ساغ أخذ شيء من أموال الناس في دفع الأعداء    ; لأنه إذا دهم العدو وجب على الناس كافة أن يدفعوهم بأموالهم وأنفسهم    . 
				
						
						
