[ ص: 469 ] ثم دخلت سنة خمس وستين وستمائة  
في يوم الأحد ثاني المحرم توجه السلطان الملك الظاهر  من دمشق  إلى الديار المصرية ، وصحبته العساكر المنصورة وقد استولت الدولة الإسلامية على بلاد سيس  بكمالها ، وعلى كثير من معاقل الفرنج  في هذه السنة ، وقد أرسل العساكر بين يديه إلى غزة  ، وعدل هو إلى ناحية الكرك  لينظر في أحوالها ، فلما كان عند بركة زيزى  تصيد هنالك ، فسقط عن فرسه ، فانكسرت فخذه فأقام هناك أياما يتداوى حتى أمكنه أن يركب في المحفة ، وسار إلى مصر ،  فبرأت رجله في أثناء الطريق ، فأمكنه الركوب وحده على الفرس . ودخل القاهرة  في أبهة عظيمة وتجمل هائل ، وقد زينت البلد واحتفل الناس له احتفالا عظيما ، وفرحوا بقدومه وعافيته فرحا كثيرا . ثم في رجب منها رجع من القاهرة  إلى صفد ،  وحفر خندقا حول قلعتها وعمل فيه بنفسه وأمرائه وجيشه ، وأغار على ناحية عكا  ، فقتل وأسر وغنم وسلم ، وضربت لذلك البشائر بدمشق    . وفي ثاني عشر ربيع الأول صلى الظاهر  بالجامع الأزهر الجمعة ، ولم تكن تقام به الجمعة من زمن العبيديين إلى هذا الحين ، مع أنه أول مسجد وضع بالقاهرة ،   بناه جوهر القائد  وأقام فيه الجمعة ، فلما بنى  الحاكم  جامعه حول الجمعة منه إليه ، وترك الأزهر لا جمعة فيه ، فصار في حكم بقية المساجد ، وشعث حاله ، وتغيرت   [ ص: 470 ] أحواله ، فأمر السلطان بعمارته وبياضه وإقامة الجمعة ، وأمر بعمارة جامع الحسينية ، فكمل في سنة سبع وستين ، كما سيأتي ، إن شاء الله تعالى . 
وفيها أمر الظاهر  أن لا يبيت أحد من المجاورين بجامع دمشق  وأمر بإخراج الخزائن منه ، والمقاصير التي كانت فيه ، فكانت قريبا من ثلاثمائة خزانة ومقصورة ، ووجدوا فيها قوارير البول والفرش والسجاجيد الكثيرة ، فاستراح الناس والجامع من ذلك ، واتسع على المصلين . 
وفيها أمر السلطان بعمارة أسوار صفد  وقلعتها ، وأن يكتب عليها ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون    [ الأنبياء : 105 ] أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون    [ المجادلة : 22 ] . 
وفيها التقى أبغا  ومنكوتمر  الذي قام مقام بركة خان ،  فكسره أبغا  وغنم منه شيئا كثيرا . 
وحكى ابن خلكان  فيما نقل من خط الشيخ قطب الدين اليونيني  قال : بلغنا أن رجلا بدير أبي سلامة  من ناحية بصرى  كان فيه مجون واستهتار ، فذكر عنده السواك وما فيه من الفضيلة ، فقال : والله لا أستاك إلا في المخرج . يعني دبره ، فأخذ سواكا فوضعه في مخرجه ثم أخرجه ، فمكث بعده تسعة   [ ص: 471 ] أشهر ، فوضع ولدا على صفة الجرذان ، له أربعة قوائم ورأسه كرأس السمكة ، وله دبر كدبر الأرنب . ولما وضعه صاح ذلك الحيوان ثلاث صيحات ، فقامت ابنة ذلك الرجل فرضخت رأسه فمات ، وعاش ذلك الرجل بعد وضعه له يومين ، ومات في الثالث ، وكان يقول : هذا الحيوان قتلني وقطع أمعائي . وقد شاهد ذلك جماعة من أهل تلك الناحية وخطباء ذلك المكان ، ومنهم من رأى ذلك الحيوان حيا قبل أن يموت ، ومنهم من رآه بعد موته . 
				
						
						
