ذكر خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ
قال ابن جرير : حدثني أخبرنا يونس بن عبد الأعلى ، ابن وهب ، عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي ، أنه بلغه عن بالمدينة في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في أول جمعة صلاها بني سالم بن عوف رضي الله عنهم : " الحمد لله أحمده ، وأستعينه ، وأستغفره وأستهديه ، وأومن به ولا أكفره ، وأعادي من يكفره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده [ ص: 527 ] ورسوله أرسله بالهدى ، والنور ، والموعظة على فترة من الرسل ، وقلة من العلم ، وضلالة من الناس ، وانقطاع من الزمان ، ودنو من الساعة ، وقرب من الأجل ، من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فقد غوى وفرط ، وضل ضلالا بعيدا ، وأوصيكم بتقوى الله ، فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الآخرة ، وأن يأمره بتقوى الله ، فاحذروا ما حذركم الله من نفسه ، ولا أفضل من ذلك نصيحة ، ولا أفضل من ذلك ذكرى ، وإنه تقوى لمن عمل به على وجل ومخافة ، وعون صدق ما تبتغون من أمر الآخرة ، ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمر السر والعلانية ، لا ينوي بذلك إلا وجه الله ، يكن له ذكرا في عاجل أمره ، وذخرا فيما بعد الموت ، حين يفتقر المرء إلى ما قدم ، وما كان من سوى ذلك ، يود لو أن بينه وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءؤف بالعباد . والذي صدق قوله ، وأنجز وعده ، لا خلف لذلك ، فإنه يقول تعالى : ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد . واتقوا الله في عاجل أمركم وآجله ، في السر والعلانية ، فإنه من يتق الله يكفر عنه سيئاته ، ويعظم له أجرا ، ومن يتق الله فقد فاز فوزا عظيما ، وإن تقوى الله توقي مقته ، وتوقي عقوبته ، وتوقي سخطه ، وإن تقوى الله تبيض الوجه ، وترضي الرب ، وترفع الدرجة ، خذوا بحظكم ، ولا تفرطوا في جنب الله ، قد علمكم الله كتابه ، ونهج لكم سبيله; ليعلم الذين صدقوا وليعلم الكاذبين ، فأحسنوا كما أحسن الله إليكم ، وعادوا أعداءه ، [ ص: 528 ] وجاهدوا في الله حق جهاده ، هو اجتباكم وسماكم المسلمين ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من حي عن بينة ، ولا قوة إلا بالله ، فأكثروا ذكر الله واعملوا لما بعد الموت ، فإنه من أصلح ما بينه وبين الله ، يكفه ما بينه وبين الناس ، ذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه ، ويملك من الناس ولا يملكون منه ، الله أكبر ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " . هكذا أوردها ابن جرير وفي السند إرسال .
وقال : باب : أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم البيهقي المدينة : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو العباس الأصم ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، ثنا عن يونس بن بكير ، ابن إسحاق ، حدثني المغيرة بن عثمان بن محمد بن عثمان بن الأخنس بن شريق ، عن قال : أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، كانت أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، أن قام فيها فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : " أما بعد ، أيها الناس فقدموا لأنفسكم تعلمن والله ليصعقن أحدكم ، ثم ليدعن غنمه ليس لها راع ، ثم ليقولن له ربه - ليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه - : ألم يأتك رسولي فبلغك ، وآتيتك مالا ، وأفضلت عليك ، فما قدمت لنفسك ؟ فينظر يمينا وشمالا فلا يرى شيئا ، ثم ينظر قدامه فلا يرى غير جهنم فمن استطاع أن [ ص: 529 ] يقي وجهه من النار ، ولو بشق تمرة ، فليفعل ، ومن لم يجد فبكلمة طيبة ، فإن بها تجزى الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، والسلام على رسول الله ورحمة الله وبركاته . ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة أخرى ، فقال : " إن الحمد لله أحمده وأستعينه ، نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إن أحسن الحديث كتاب الله ، قد أفلح من زينه الله في قلبه ، وأدخله في الإسلام بعد الكفر ، واختاره على ما سواه من أحاديث الناس ، إنه أحسن الحديث وأبلغه ، أحبوا من أحب الله ، أحبوا الله من كل قلوبكم ، ولا تملوا كلام الله وذكره ، ولا تقس عنه قلوبكم ، فإنه من كل يختار الله ويصطفي ، فقد سماه خيرته من الأعمال ، وخيرته من العباد ، والصالح من الحديث ، ومن كل ما أوتي الناس من الحلال والحرام ، فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، واتقوه حق تقاته ، واصدقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم ، وتحابوا بروح الله بينكم ، إن الله يغضب أن ينكث عهده ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وهذه الطريق أيضا مرسلة ، إلا أنها مقوية لما قبلها ، وإن اختلفت الألفاظ .