nindex.php?page=treesubj&link=33876_33881خروج ملك الأمراء بيدمر من دمشق إلى غزة
صلى الجمعة بالمقصورة الثاني عشر من رمضان هو ونائب السلطنة
بأطرابلس ، ثم اجتمعا بالخطبة في مقصورة الخطابة ، ثم راح
لدار السعادة ، ثم خرج طلبه في تجمل هائل على ما ذكر بعد العصر ، وخرج معهم فاستعرضهم ، ثم عاد إلى دار السعادة ، فبات إلى أن صلى الصبح ، ثم ركب خلف الجيش هو ونائب
طرابلس ، وخرج عامة من بقي من الجيش من الأمراء وبقية الحلقة في أثناء الليل ، ومن جملة الذاهبين في صحبته الولد
عبد الرحمن أحد رجال الحلقة ، وسلمهم الله ، وكذلك خرج القضاة ، وكذا كاتب السر ، ووكيل بيت المال ، وغيرهم من كتاب الدست ، وأصبح الناس يوم السبت وليس أحد من الجند
بدمشق ، سوى نائب الغيبة
الأمير سيف الدين بن حمزة التركماني ، وقريبه والي البر ، ومتولي البلد الأمير
بدر الدين صدقة بن أوحد ، ومحتسب البلد ، ونواب القضاة ،
والقلعة على حالها ، والمجانيق منصوبة كما هي . ولما كان صبح يوم الأحد رجع القضاة بكرة ، ثم رجع ملك الأمراء في أثناء النهار هو
وتومان [ ص: 635 ] تمر ، وهم كلهم في لبس وأسلحة تامة ، وكل منهما خائف من الآخر أن يمسكه ، فدخل هذا دار السعادة ، وراح الآخر إلى
القصر الأبلق ، ولما كان بعد العصر قدم
منجك وأسندمر نائبا السلطنة
بدمشق - كانا - وهما مغلوبان قد كسرهما من كان قدم على
منجك من العساكر التي جهزها
بيدمر إلى
منجك قوة له على المصريين ، وكان ذلك على يدي
الأمير سيف الدين تمر حاجب الحجاب ، ويعرف
بالمهمندار ، قال
لمنجك : كلنا في خدمة من
بمصر ، ونحن لا نطيعك على نصرة
بيدمر ، فتقاولا ثم تقاتلا ، فهزم
منجك ، وذهب
تمر ومنجك ومن كان معهما كابن صبح ، وطيدمر إلى المصريين . ولما أصبح الصباح من يوم الاثنين خامس عشر لم يوجد
لتومان تمر ، وطنيرق ، ولا أحد من أمراء
دمشق عين ولا أثر ، بل قد ذهبوا كلهم إلى طاعة صاحب
مصر ، ولم يبق
بدمشق من أمرائها سوى
ابن قراسنقر من الأمراء المقدمين ، وسوى
بيدمر ، ومنجك ، وأسندمر ، والقلعة قد هيئت ، والمجانيق منصوبة على حالها ، والناس في خوف شديد من دخول
بيدمر إلى
القلعة ، فيحصل بعد ذلك عند قدوم الجيش المصري حصار ، وتعب ، ومشقة على الناس ، والله يحسن العاقبة .
ولما كان في أثناء نهار الاثنين خامس عشره دقت البشائر في
القلعة ، وأظهر أن يلبغا الخاصكي قد نفاه السلطان إلى
الشام ، ثم ضربت وقت المغرب ، ثم بعد العشاء في صبيحة يوم الثلاثاء أيضا ، وفي كل ذلك يركب الأمراء الثلاثة
منجك ، وبيدمر ، وأسندمر ملبسين ، ويخرجون إلى خارج البلد ثم يعودون ، والناس فيما يقال ما بين مصدق ومكذب ، ولكن قد شرع إلى تستير
القلعة [ ص: 636 ] وتهيؤ الحصار ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . ثم تبين أن هذه البشائر لا حقيقة لها ، فاهتم في عمل ستائر
القلعة ، وحمل الزلط ، والأحجار ، والأغنام والحواصل إليها ، وقد وردت الأخبار بأن الركاب الشريف السلطاني وصحبته
يلبغا في جميع جيش
مصر قد عدا
غزة ، فعند ذلك خرج الصاحب ، وكاتب السر ، والقاضي الشافعي ، وناظر الجيش ، ونقباؤه ، ومتولي البلد ، وتوجهوا تلقاء
حماة لتلقي الأمير علي الذي قد جاءه تقليد
دمشق ، وبقي البلد شاغرا عن حاكم فيها سوى المحتسب ، وبعض القضاة ، والناس كغنم لا راعي لهم ، ومع هذا الأحوال صالحة ، والأمور ساكنة ، لا يعدو أحد على أحد فيما بلغنا هذا ،
وبيدمر ومنجك وأسندمر في تحصين
القلعة ، وتحصيل العدد والأقوات فيها ،
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=21والله غالب على أمره [ يوسف : 21 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة [ النساء : 78 ] ، والستائر تعمل فوق الأبرجة ، وصلى الأمير
بيدمر صلاة الجمعة تاسع عشر الشهر في الشباك الكمالي في مشهد
عثمان ، وصلى عنده
منجك إلى جانبه داخل موضع القضاة ، وليس هناك أحد من الحجبة ، ولا من النقباء ، وليس في البلد أحد من المباشرين بالكلية ، ولا من الجند إلا القليل ، وكلهم قد سافروا إلى ناحية السلطان ، والمباشرون إلى ناحية
حماة لتلقي الأمير علي نائب
الشام المحروس ، ثم عاد إلى
القلعة ، ولم يحضر الصلاة
أسندمر; لأنه قيل : كان منقطعا; قد صلى في
القلعة .
وفي يوم السبت العشرين من الشهر وصل البريد من جهة السلطان من أبناء
[ ص: 637 ] الرسول إلى نائب
دمشق يستعلم طاعته أو مخالفته ، وتعتب عليه فيما اعتمده من استحواذه على
القلعة وتحصينها ، وادخار الآلات والأطعمات فيها ، ونصب المجانيق والستائر عليها ، وكيف تصرف في الأموال السلطانية تصرف الملاك والملوك ، فتنصل ملك الأمراء من ذلك ، وذكر أنه إنما أرصد في
القلعة جنادتها ، وأنه لم يدخلها ، وأن أبوابها مفتوحة ، وهي قلعة السلطان ، وإنما له غريم بينه وبينه الشرع والقضاة الأربعة - يعني بذلك
يلبغا - وكتب بالجواب وأرسله صحبة البريدي ، وهو
كيكلدي مملوك
يقطية الدوادار ، وأرسل في صحبته
الأمير صارم الدين أحد أمراء العشرات من يومه ذلك .
وفي يوم الاثنين الثاني والعشرين من رمضان تصبح أبواب البلد مغلقة إلى قريب الظهر ، وليس ثم مفتوح سوى
بابي النصر والفرج ، والناس في حصر شديد وانزعاج ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولكن قد اقترب وصول السلطان والعساكر المنصورة . وفي صبيحة الأربعاء أصبح الحال كما كان وأزيد ، ونزل
الأمير سيف الدين يلبغا الخاصكي بقبة يلبغا ، وامتد طلبه من
سيف داريا إلى القبة المذكورة في أبهة عظيمة ، وهيئة حسنة ، وتأخر الركاب الشريف بتأخره عن الصنمين بعد ، ودخل
بيدمر في هذا اليوم إلى
القلعة ، وتحصن بها ، وفي يوم الخميس الخامس والعشرين منه استمرت الأبواب كلها مغلقة سوى
بابي النصر والفرج ، وضاق النطاق ، وانحصر الناس جدا ، وقطع المصريون نهر
باناس [ ص: 638 ] والفرع الداخل إليها ، وإلى
دار السعادة من القنوات ، واحتاجوا لذلك أن يقطعوا القنوات ليسدوا الفرع المذكور ، فانزعج أهل البلد لذلك ، وملئوا ما في بيوتهم من برك المدارس وغير ذلك ، وبيعت القربة بدرهم ، والحق بنصف ، ثم أرسلت القنوات وقت العصر من يومئذ - ولله الحمد والمنة - فانشرح الناس لذلك ، وأصبح الصباح يوم الجمعة ، والأبواب مغلقة ، ولم يفتح
بابا النصر والفرج إلا بعد طلوع الشمس بزمان ، فأرسل يلبغا من جهته أربعة أمراء ، وهم
الأمير زين الدين زبالة الذي كان نائب
القلعة ، والملك صلاح الدين بن الكامل ، والشيخ علي الذي كان نائب الرحبة من جهة
بيدمر ، وأمير آخر ، فدخلوا البلد ، وكسروا أقفال أبواب البلد وفتحوا الأبواب ، فلما رأى
بيدمر ذلك أرسل مفاتيح البلد إليهم .
nindex.php?page=treesubj&link=33876_33881خُرُوجُ مَلِكِ الْأُمَرَاءِ بَيْدَمُرَ مِنْ دِمَشْقَ إِلَى غَزَّةَ
صَلَّى الْجُمُعَةَ بِالْمَقْصُورَةِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ رَمَضَانَ هُوَ وَنَائِبُ السَّلْطَنَةِ
بِأَطْرَابُلُسَ ، ثُمَّ اجْتَمَعَا بِالْخُطْبَةِ فِي مَقْصُورَةِ الْخَطَابَةِ ، ثُمَّ رَاحَ
لِدَارِ السَّعَادَةِ ، ثُمَّ خَرَجَ طُلْبُهُ فِي تَجَمُّلٍ هَائِلٍ عَلَى مَا ذُكِرَ بَعْدَ الْعَصْرِ ، وَخَرَجَ مَعَهُمْ فَاسْتَعْرَضَهُمْ ، ثُمَّ عَادَ إِلَى دَارِ السَّعَادَةِ ، فَبَاتَ إِلَى أَنْ صَلَّى الصُّبْحَ ، ثُمَّ رَكِبَ خَلْفَ الْجَيْشِ هُوَ وَنَائِبُ
طَرَابُلُسَ ، وَخَرَجَ عَامَّةُ مَنْ بَقِيَ مِنَ الْجَيْشِ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَبَقِيَّةُ الْحَلْقَةِ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ ، وَمِنْ جُمْلَةِ الذَّاهِبِينَ فِي صُحْبَتِهِ الْوَلَدُ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَحَدُ رِجَالِ الْحَلْقَةِ ، وَسَلَّمَهُمُ اللَّهُ ، وَكَذَلِكَ خَرَجَ الْقُضَاةُ ، وَكَذَا كَاتِبُ السِّرِّ ، وَوَكِيلُ بَيْتِ الْمَالِ ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ كُتَّابِ الدَّسْتِ ، وَأَصْبَحَ النَّاسُ يَوْمَ السَّبْتِ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْجُنْدِ
بِدِمَشْقَ ، سِوَى نَائِبِ الْغَيْبَةِ
الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ بْنِ حَمْزَةَ التُّرْكُمَانِيِّ ، وَقَرِيبِهِ وَالِي الْبَرِّ ، وَمُتَوَلِّي الْبَلَدِ الْأَمِيرِ
بَدْرِ الدِّينِ صَدَقَةَ بْنِ أَوْحَدَ ، وَمُحْتَسِبِ الْبَلَدِ ، وَنُوَّابِ الْقُضَاةِ ،
وَالْقَلْعَةُ عَلَى حَالِهَا ، وَالْمَجَانِيقُ مَنْصُوبَةٌ كَمَا هِيَ . وَلَمَّا كَانَ صُبْحُ يَوْمِ الْأَحَدِ رَجَعَ الْقُضَاةُ بُكْرَةً ، ثُمَّ رَجَعَ مَلِكُ الْأُمَرَاءِ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ هُوَ
وَتُومَانُ [ ص: 635 ] تَمُرُ ، وَهُمْ كُلُّهُمْ فِي لَبْسٍ وَأَسْلِحَةٍ تَامَّةٍ ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا خَائِفٌ مِنَ الْآخَرِ أَنْ يُمْسِكَهُ ، فَدَخَلَ هَذَا دَارَ السَّعَادَةِ ، وَرَاحَ الْآخَرُ إِلَى
الْقَصْرِ الْأَبْلَقِ ، وَلَمَّا كَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ قَدِمَ
مَنْجَكُ وَأَسَنْدَمُرُ نَائِبَا السَّلْطَنَةِ
بِدِمَشْقَ - كَانَا - وَهُمَا مَغْلُوبَانِ قَدْ كَسَرَهُمَا مَنْ كَانَ قَدِمَ عَلَى
مَنْجَكَ مِنَ الْعَسَاكِرِ الَّتِي جَهَّزَهَا
بَيْدَمُرُ إِلَى
مَنْجَكَ قُوَّةً لَهُ عَلَى الْمِصْرِيِّينَ ، وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى يَدَيِ
الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ تَمُرَ حَاجِبِ الْحُجَّابِ ، وَيُعْرَفُ
بِالْمَهْمَنْدَارِ ، قَالَ
لِمَنْجَكَ : كُلُّنَا فِي خِدْمَةِ مَنْ
بِمِصْرَ ، وَنَحْنُ لَا نُطِيعُكَ عَلَى نُصْرَةِ
بَيْدَمُرَ ، فَتَقَاوَلَا ثُمَّ تَقَاتَلَا ، فَهُزِمَ
مَنْجَكُ ، وَذَهَبَ
تَمُرُ وَمَنْجَكُ وَمَنْ كَانَ مَعَهُمَا كَابْنِ صُبْحٍ ، وَطَيْدَمُرَ إِلَى الْمِصْرِيِّينَ . وَلَمَّا أَصْبَحَ الصَّبَاحُ مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ خَامِسَ عَشَرَ لَمْ يُوجَدْ
لِتُومَانَ تَمُرَ ، وَطُنَيْرِقَ ، وَلَا أَحَدٍ مِنْ أُمَرَاءِ
دِمَشْقَ عَيْنٌ وَلَا أَثَرٌ ، بَلْ قَدْ ذَهَبُوا كُلُّهُمْ إِلَى طَاعَةِ صَاحِبِ
مِصْرَ ، وَلَمْ يَبْقَ
بِدِمَشْقَ مِنَ أُمَرَائِهَا سِوَى
ابْنِ قَرَاسُنْقُرَ مِنَ الْأُمَرَاءِ الْمُقَدَّمِينَ ، وَسِوَى
بَيْدَمُرَ ، وَمَنْجَكَ ، وَأَسَنْدَمُرَ ، وَالْقَلْعَةُ قَدْ هُيِّئَتْ ، وَالْمَجَانِيقُ مَنْصُوبَةٌ عَلَى حَالِهَا ، وَالنَّاسُ فِي خَوْفٍ شَدِيدٍ مِنْ دُخُولِ
بَيْدَمُرَ إِلَى
الْقَلْعَةِ ، فَيَحْصُلُ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ قُدُومِ الْجَيْشِ الْمِصْرِيِّ حِصَارٌ ، وَتَعَبٌ ، وَمَشَقَّةٌ عَلَى النَّاسِ ، وَاللَّهُ يُحْسِنُ الْعَاقِبَةَ .
وَلَمَّا كَانَ فِي أَثْنَاءِ نَهَارِ الِاثْنَيْنِ خَامِسَ عَشَرَهُ دَقَّتِ الْبَشَائِرُ فِي
الْقَلْعَةِ ، وَأُظْهِرَ أَنْ يَلْبُغَا الْخَاصِّكِيَّ قَدْ نَفَاهُ السُّلْطَانُ إِلَى
الشَّامِ ، ثُمَّ ضُرِبَتْ وَقْتَ الْمَغْرِبِ ، ثُمَّ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ أَيْضًا ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ يَرْكَبُ الْأُمَرَاءُ الثَّلَاثَةُ
مَنْجَكُ ، وَبَيْدَمُرُ ، وَأَسَنْدَمُرُ مُلْبِسِينَ ، وَيَخْرُجُونَ إِلَى خَارِجِ الْبَلَدِ ثُمَّ يَعُودُونَ ، وَالنَّاسُ فِيمَا يُقَالُ مَا بَيْنَ مُصَدِّقٍ وَمُكَذِّبٍ ، وَلَكِنْ قَدْ شُرِعَ إِلَى تَسْتِيرِ
الْقَلْعَةِ [ ص: 636 ] وَتَهَيُّؤِ الْحِصَارِ ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ هَذِهِ الْبَشَائِرَ لَا حَقِيقَةَ لَهَا ، فَاهْتَمَّ فِي عَمَلِ سَتَائِرِ
الْقَلْعَةِ ، وَحَمْلِ الزَّلَطِ ، وَالْأَحْجَارِ ، وَالْأَغْنَامِ وَالْحَوَاصِلِ إِلَيْهَا ، وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَخْبَارُ بِأَنَّ الرِّكَابَ الشَّرِيفَ السُّلْطَانِيَّ وَصُحْبَتَهُ
يَلْبُغَا فِي جَمِيعِ جَيْشِ
مِصْرَ قَدْ عَدَّا
غَزَّةَ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ خَرَجَ الصَّاحِبُ ، وَكَاتِبُ السِّرِّ ، وَالْقَاضِي الشَّافِعِيُّ ، وَنَاظِرُ الْجَيْشِ ، وَنُقَبَاؤُهُ ، وَمُتَوَلِّي الْبَلَدِ ، وَتَوَجَّهُوا تِلْقَاءَ
حَمَاةَ لِتَلَقِّي الْأَمِيرِ عَلِيٍّ الَّذِي قَدْ جَاءَهُ تَقْلِيدُ
دِمَشْقَ ، وَبَقِيَ الْبَلَدُ شَاغِرًا عَنْ حَاكِمٍ فِيهَا سِوَى الْمُحْتَسِبِ ، وَبَعْضِ الْقُضَاةِ ، وَالنَّاسُ كَغَنَمٍ لَا رَاعِيَ لَهُمْ ، وَمَعَ هَذَا الْأَحْوَالُ صَالِحَةٌ ، وَالْأُمُورُ سَاكِنَةٌ ، لَا يَعْدُو أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ فِيمَا بَلَغْنَا هَذَا ،
وَبَيْدَمُرُ وَمَنْجَكُ وَأَسَنْدَمُرُ فِي تَحْصِينِ
الْقَلْعَةِ ، وَتَحْصِيلِ الْعُدَدِ وَالْأَقْوَاتِ فِيهَا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=21وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ [ يُوسُفَ : 21 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [ النِّسَاءِ : 78 ] ، وَالسَّتَائِرُ تُعْمَلُ فَوْقَ الْأَبْرَجَةِ ، وَصَلَّى الْأَمِيرُ
بَيْدَمُرُ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ تَاسِعَ عَشَرَ الشَّهْرِ فِي الشُّبَّاكِ الْكَمَالِيِّ فِي مَشْهَدِ
عُثْمَانَ ، وَصَلَّى عِنْدَهُ
مَنْجَكُ إِلَى جَانِبِهِ دَاخِلَ مَوْضِعِ الْقُضَاةِ ، وَلَيْسَ هُنَاكَ أَحَدٌ مِنَ الْحَجَبَةِ ، وَلَا مِنَ النُّقَبَاءِ ، وَلَيْسَ فِي الْبَلَدِ أَحَدٌ مِنَ الْمُبَاشِرِينَ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَلَا مِنَ الْجُنْدِ إِلَّا الْقَلِيلُ ، وَكُلُّهُمْ قَدْ سَافَرُوا إِلَى نَاحِيَةِ السُّلْطَانِ ، وَالْمُبَاشِرُونَ إِلَى نَاحِيَةِ
حَمَاةَ لِتَلَقِّي الْأَمِيرِ عَلِيٍّ نَائِبِ
الشَّامِ الْمَحْرُوسِ ، ثُمَّ عَادَ إِلَى
الْقَلْعَةِ ، وَلَمْ يَحْضُرِ الصَّلَاةَ
أَسَنْدَمُرُ; لِأَنَّهُ قِيلَ : كَانَ مُنْقَطِعًا; قَدْ صَلَّى فِي
الْقَلْعَةِ .
وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ الْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ وَصَلَ الْبَرِيدُ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ مِنْ أَبْنَاءِ
[ ص: 637 ] الرَّسُولِ إِلَى نَائِبِ
دِمَشْقَ يَسْتَعْلِمُ طَاعَتَهُ أَوْ مُخَالَفَتَهُ ، وَتَعَتَّبَ عَلَيْهِ فِيمَا اعْتَمَدَهُ مِنَ اسْتِحْوَاذِهِ عَلَى
الْقَلْعَةِ وَتَحْصِينِهَا ، وَادِّخَارِ الْآلَاتِ وَالْأَطْعِمَاتِ فِيهَا ، وَنَصْبِ الْمَجَانِيقِ وَالسَّتَائِرِ عَلَيْهَا ، وَكَيْفَ تَصَرَّفَ فِي الْأَمْوَالِ السُّلْطَانِيَّةِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ وَالْمُلُوكِ ، فَتَنَصَّلَ مَلِكُ الْأُمَرَاءِ مِنْ ذَلِكَ ، وَذَكَرَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرْصَدَ فِي
الْقَلْعَةِ جَنَادِتَهَا ، وَأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا ، وَأَنَّ أَبْوَابَهَا مَفْتُوحَةٌ ، وَهِيَ قَلْعَةُ السُّلْطَانِ ، وَإِنَّمَا لَهُ غَرِيمٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ الشَّرْعُ وَالْقُضَاةُ الْأَرْبَعَةُ - يَعْنِي بِذَلِكَ
يَلْبُغَا - وَكَتَبَ بِالْجَوَابِ وَأَرْسَلَهُ صُحْبَةَ الْبَرِيدِيِّ ، وَهُوَ
كَيْكَلِدِي مَمْلُوكُ
يَقْطِيَةَ الدَّوَادَارِ ، وَأَرْسَلَ فِي صُحْبَتِهِ
الْأَمِيرَ صَارِمَ الدِّينِ أَحَدَ أُمَرَاءِ الْعَشَرَاتِ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ .
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ تُصْبِحُ أَبْوَابُ الْبَلَدِ مُغْلَقَةً إِلَى قُرَيْبِ الظُّهْرِ ، وَلَيْسَ ثُمَّ مَفْتُوحٌ سِوَى
بَابَيِ النَّصْرِ وَالْفَرَجِ ، وَالنَّاسُ فِي حَصْرٍ شَدِيدٍ وَانْزِعَاجٍ ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، وَلَكِنْ قَدِ اقْتَرَبَ وُصُولُ السُّلْطَانِ وَالْعَسَاكِرِ الْمَنْصُورَةِ . وَفِي صَبِيحَةِ الْأَرْبِعَاءِ أَصْبَحَ الْحَالُ كَمَا كَانَ وَأَزِيدَ ، وَنَزَلَ
الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ يَلْبُغَا الْخَاصِّكِيُّ بِقُبَّةِ يَلْبُغَا ، وَامْتَدَّ طُلْبُهُ مِنْ
سَيْفِ دَارَيًا إِلَى الْقُبَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي أُبَّهَةٍ عَظِيمَةٍ ، وَهَيْئَةٍ حَسَنَةٍ ، وَتَأَخَّرَ الرِّكَابُ الشَّرِيفُ بِتَأَخُّرِهِ عَنِ الصَّنَمَيْنِ بَعْدُ ، وَدَخَلَ
بَيْدَمُرُ فِي هَذَا الْيَوْمِ إِلَى
الْقَلْعَةِ ، وَتَحَصَّنَ بِهَا ، وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ اسْتَمَرَّتِ الْأَبْوَابُ كُلُّهَا مُغَلَّقَةً سِوَى
بَابَيِ النَّصْرِ وَالْفَرَجِ ، وَضَاقَ النِّطَاقُ ، وَانْحَصَرَ النَّاسُ جِدًّا ، وَقَطَعَ الْمِصْرِيُّونَ نَهْرَ
بَانَاسَ [ ص: 638 ] وَالْفَرْعَ الدَّاخِلَ إِلَيْهَا ، وَإِلَى
دَارِ السَّعَادَةِ مِنَ الْقَنَوَاتِ ، وَاحْتَاجُوا لِذَلِكَ أَنْ يَقْطَعُوا الْقَنَوَاتِ لِيَسُدُّوا الْفَرْعَ الْمَذْكُورَ ، فَانْزَعَجَ أَهْلُ الْبَلَدِ لِذَلِكَ ، وَمَلَئُوا مَا فِي بُيُوتِهِمْ مِنْ بِرَكِ الْمَدَارِسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَبِيعَتِ الْقِرْبَةُ بِدِرْهَمٍ ، وَالْحُقُّ بِنِصْفٍ ، ثُمَّ أُرْسِلَتِ الْقَنَوَاتُ وَقْتَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمَئِذٍ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ - فَانْشَرَحَ النَّاسُ لِذَلِكَ ، وَأَصْبَحَ الصَّبَاحُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَالْأَبْوَابُ مُغْلَقَةٌ ، وَلَمْ يُفْتَحْ
بَابَا النَّصْرِ وَالْفَرَجِ إِلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِزَمَانٍ ، فَأَرْسَلَ يَلْبُغَا مِنْ جِهَتِهِ أَرْبَعَةَ أُمَرَاءَ ، وَهُمُ
الْأَمِيرُ زَيْنُ الدِّينِ زُبَالَةُ الَّذِي كَانَ نَائِبَ
الْقَلْعَةِ ، وَالْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينِ بْنُ الْكَامِلِ ، وَالشَّيْخُ عَلِيٌّ الَّذِي كَانَ نَائِبَ الرَّحْبَةِ مِنْ جِهَةِ
بَيْدَمُرَ ، وَأَمِيرٌ آخَرُ ، فَدَخَلُوا الْبَلَدَ ، وَكَسَرُوا أَقْفَالَ أَبْوَابِ الْبَلَدِ وَفَتَحُوا الْأَبْوَابَ ، فَلَمَّا رَأَى
بَيْدَمُرُ ذَلِكَ أَرْسَلَ مَفَاتِيحَ الْبَلَدِ إِلَيْهِمْ .