حديث في تقريب يوم القيامة بالنسبة إلى ما سلف من الأزمنة  
قال الإمام أحمد    : حدثنا أبو اليمان ،  حدثنا شعيب ،  عن الزهري ،  أخبرني  سالم بن عبد الله  أن عبد الله بن عمر  قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم على المنبر ، يقول : " إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم ، كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس ، أعطي أهل التوراة التوراة فعملوا بها ، حتى إذا انتصف النهار عجزوا ، فأعطوا قيراطا قيراطا ، ثم أعطي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا به حتى صلاة العصر ، ثم عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ، ثم أعطيتم القرآن فعملتم به حتى غربت الشمس ، فأعطيتم قيراطين قيراطين ، فقال أهل   [ ص: 291 ] التوراة والإنجيل : ربنا ، هؤلاء أقل عملا ، وأكثر أجرا ! فقال : هل ظلمتكم من أجركم من شيء؟ قالوا : لا . فقال : فذاك فضلي أوتيه من أشاء   " . وهكذا رواه  البخاري ،  عن أبي اليمان    . 
 وللبخاري  من حديث  سفيان الثوري ،  عن  عبد الله بن دينار ،  عن ابن عمر ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم قبلكم ، كما بين صلاة العصر ومغرب الشمس ، ومثلكم ومثل اليهود  والنصارى    .   . . . " . فذكر الحديث بتمامه وطوله . 
طريق أخرى عن ابن عمر ،  رضي الله عنهما : قال الإمام أحمد    : حدثنا  الفضل بن دكين ،  حدثنا شريك ،  سمعت سلمة بن كهيل ،  يحدث عن مجاهد ،  عن ابن عمر ،  قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، والشمس على قعيقعان ، بعد العصر ، فقال : " ما أعماركم في أعمار من مضى ، إلا كما بقي من النهار فيما مضى منه   " . تفرد به أحمد    . وهذا إسناد حسن ، لا بأس به . طريق أخرى عنه : قال أحمد    : حدثنا إسماعيل بن عمر ،  حدثني كثير بن   [ ص: 292 ] زيد ،  عن المطلب بن عبد الله ،  عن عبد الله بن عمر ،  أنه كان واقفا بعرفات ،  فنظر إلى الشمس حين تدلت مثل الترس للغروب ، فبكى واشتد بكاؤه ، فقال له رجل عنده : يا أبا عبد الرحمن ،  قد وقفت معي مرارا فلم تصنع هذا؟! فقال : ذكرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بمكاني هذا ، فقال : " أيها الناس ، إنه لم يبق من دنياكم فيما مضى منها ، إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه   " . تفرد به أحمد    . 
طريق أخرى عنه : قال الإمام أحمد    : حدثنا يونس ،  حدثنا  حماد ، يعني ابن زيد ،  عن أيوب ،  عن نافع ،  عن ابن عمر ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا إن مثل آجالكم في آجال الأمم قبلكم ، كما بين صلاة العصر إلى مغيربان الشمس   " . ورواه  البخاري ،  عن سليمان بن حرب ،  من حماد بن زيد ،  به ، نحوه ، بأبسط منه . 
وروى الحافظ  أبو القاسم الطبراني ،  من حديث عطية العوفي ،   ووهب بن كيسان ،  عن ابن عمر ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحو ذلك . 
وهذا كله يدل على أن ما بقي من الدنيا بالنسبة إلى ما مضى منها شيء   [ ص: 293 ] يسير ، لكن لا يعلم مقدار ما مضى منها إلا الله تعالى ، ولا ما بقي إلا الله تعالى ، ولكن لها أشراط إذا وجدت كانت قريبة ، والله أعلم ، ولم يجئ في حديث تحديد يصح سنده عن المعصوم ، حتى يصار إليه ، ويعلم نسبة ما بقي بالنسبة إليه ، ولكنه قليل جدا بالنسبة إلى الماضي ، وتعيين وقت الساعة لم يأت به حديث صحيح ، بل الآيات والأحاديث دالة على أن علم ذلك مما استأثر الله سبحانه وتعالى به ، دون خلقه ، كما سيأتي تقريره في أول الجزء الآتي بعد هذا ، إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة ، وعليه التكلان . 
فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد ،  رحمه الله ، في " مسنده " قائلا : حدثنا أبو اليمان ،  أخبرنا شعيب ،  عن الزهري ،  حدثني  سالم بن عبد الله ،   وأبو بكر بن أبي حثمة ،  أن عبد الله بن عمر  قال : صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء في آخر حياته ، فلما سلم قام ، فقال : " أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد   " . قال عبد الله    : فوهل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك ، إلى ما يحدثون من هذه الأحاديث عن مائة سنة ، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد   " . يريد بذلك أنه ينخرم ذلك القرن . وهكذا رواه   [ ص: 294 ]  البخاري ،  عن أبي اليمان  بسنده ولفظه سواء ، ورواه مسلم ،  عن  عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ،  عن  أبي اليمان الحكم بن نافع ،  عن شعيب ،  به . فقد فسر الصحابي المراد من هذا الحديث بما فهمه ، وهو أولى بالفهم من كل أحد من أنه يريد بذلك أن ينخرم قرنه ذلك ، فلا يبقى أحد ممن هو كائن على وجه الأرض من أهل ذلك الزمان من حين قال هذه المقالة إلى مائة سنة ، وقد اختلف العلماء; هل ذلك خاص بذلك القرن؟ أو عام في كل قرن أنه لا يبقى أحد أكثر من مائة سنة؟ على قولين ، والتخصيص بذلك القرن المعين الأول أولى; فإنه قد شوهد أن بعض الناس قد جاوز المائة سنة ، وذلك طائفة كثيرة من الناس ، كما قد ذكرنا هذا في كتابنا هذا في وفيات الأعيان ، فالله أعلم . 
ولهذا الحديث طرق أخرى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . 
رواية  جابر بن عبد الله    : قال الإمام أحمد    : حدثنا أبو النضر ،  حدثنا المبارك ،  حدثنا الحسن ،  عن  جابر بن عبد الله ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الساعة قبل أن يموت بشهر ، فقال : " تسألوني عن الساعة ، وإنما علمها عند الله ، فوالذي نفسي بيده ، ما أعلم اليوم نفسا يأتي عليها مائة سنة   " . تفرد به أحمد ،  وهو إسناد جيد حسن رجاله ثقات;  أبو النضر هاشم بن القاسم  من رجال   [ ص: 295 ] الصحيحين ،  ومبارك بن فضالة  حديثه عند أهل السنن ،  والحسن بن أبي الحسن البصري  من الأئمة الثقات الكبار ، وروايته مخرجة في الصحاح كلها وغيرها . 
طريق أخرى عن جابر    : قال الإمام أحمد    : حدثنا حجاج ،  قال  ابن جريج    : أخبرني أبو الزبير ،  أنه سمع  جابر بن عبد الله  يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بشهر : " تسألوني عن الساعة ، وإنما علمها عند الله ، وأقسم بالله ما على الأرض نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة   " . 
وكذا رواه مسلم ،  عن هارون بن عبد الله ،   وحجاج بن الشاعر ،  عن  حجاج بن محمد الأعور ،  وعن محمد بن حاتم ،  عن  محمد بن بكر ،  كلاهما عن  ابن جريج ،  به . 
وقال مسلم  في " الصحيح " ، باب تقريب قيام الساعة : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة  وأبو كريب ،  قالا : حدثنا أبو أسامة ،  عن هشام ،  عن أبيه ، عن عائشة ،  قالت : كان الأعراب إذا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن الساعة : متى الساعة؟ فنظر إلى أحدث إنسان منهم ، فقال : " إن يعش هذا لم يدركه الهرم ، قامت عليكم ساعتكم   " . تفرد به الإمام مسلم ،  رحمه الله . 
ثم قال مسلم    : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ،  حدثنا يونس بن محمد ،  عن حماد بن سلمة ،  عن ثابت ،  عن أنس ،  أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : متى تقوم   [ ص: 296 ] الساعة؟ وعنده غلام من الأنصار  يقال له : محمد    . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن يعش هذا الغلام ، فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة   " . تفرد به مسلم  من هذا الوجه . 
ثم قال مسلم    : وحدثني حجاج بن الشاعر ،  حدثنا سليمان بن حرب ،  حدثنا  حماد ، يعني ابن زيد  ، حدثنا معبد بن هلال العنزي ،  عن أنس بن مالك ،  أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال : متى تقوم الساعة؟ قال : فسكت النبي صلى الله عليه وسلم هنيهة ثم نظر إلى غلام بين يديه من أزد شنوءة ، فقال : " إن عمر هذا ، لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة  " . قال أنس    : ذاك الغلام من أترابي يومئذ . تفرد به مسلم  أيضا من هذا الوجه . 
ثم قال مسلم    : حدثنا هارون بن عبد الله ،  حدثنا  عفان بن مسلم ،  حدثنا همام ،  حدثنا قتادة ،  عن أنس  قال : مر غلام  للمغيرة بن شعبة ،  وكان من أقراني ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن يؤخر هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة   " . ورواه  البخاري ،  عن عمرو بن عاصم ،  عن همام ،  به . 
وهذه الروايات تدل على تعداد هذا السؤال وهذا الجواب ، وليس المراد بذلك تحديد وقت الساعة العظمى إلى وقت هرم هذا الغلام المشار إليه ، وإنما المراد ساعتهم ، وهو انقراض قرنهم وعصرهم ، وأن قصاراه تتناهى في مدة عمر ذلك الغلام ، كما تقدم في الحديث : " تسألوني عن الساعة ، وإنما علمها عند   [ ص: 297 ] الله ، وأقسم بالله ما على الأرض نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة   " . ويؤيد ذلك رواية عائشة ،  رضي الله عنها : " قامت عليكم ساعتكم   " . وذلك أنه من مات فقد دخل في حكم القيامة ، فإن عالم البرزخ قريب من عالم يوم القيامة ، وفيه شبه من الدنيا أيضا ، ولكن هو أشبه بالآخرة ، ثم إذا تناهت المدة المضروبة للدنيا أمر الله بقيام الساعة ، فجمع الأولون والآخرون لميقات يوم معلوم ، كما سيأتي بيان ذلك من الكتاب والسنة ، وبالله المستعان . 
				
						
						
