[ ص: 132 ] فصل في أمية بن خلف مقتل
قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، وحدثنيه أيضا عبد الله بن أبي بكر وغيرهما ، عن عبد الرحمن بن عوف قال : كان أمية بن خلف لي صديقا بمكة ، وكان اسمي عبد عمرو ، فتسميت حين أسلمت : عبد الرحمن . فكان يلقاني إذ نحن بمكة فيقول : يا عبد عمرو ، أرغبت عن اسم سماكه أبواك ؟ قال : فأقول : نعم . قال : فإني لا أعرف الرحمن ، فاجعل بيني وبينك شيئا أدعوك به ، أما أنت فلا تجيبني باسمك الأول ، وأما أنا فلا أدعوك بما لا أعرف . قال : وكان إذا دعاني : يا عبد عمرو ، لم أجبه . قال : فقلت له : يا أبا علي ، اجعل ما شئت . قال فأنت عبد الإله . قال : قلت : نعم . قال : فكنت إذا مررت به قال : يا عبد الإله . فأجيبه فأتحدث معه ، حتى إذا كان يوم بدر ، مررت به وهو واقف مع ابنه علي ، وهو آخذ بيده . قال : ومعي أدراع لي قد استلبتها ، فأنا أحملها ، فلما رآني قال : يا عبد عمرو . فلم أجبه . فقال : يا عبد الإله . فقلت : نعم . قال : هل لك في ، فأنا خير لك من هذه الأدراع التي معك ؟ قال : قلت : نعم ، ها الله . قال : فطرحت الأدراع من يدي ، وأخذت بيده وبيد ابنه ، [ ص: 133 ] وهو يقول : ما رأيت كاليوم قط ، أما لكم حاجة في اللبن ؟ ثم خرجت أمشي بهما .
قال ابن إسحاق : حدثني عبد الواحد بن أبي عون ، عن سعد بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن عوف قال : قال لي أمية بن خلف وأنا بينه وبين ابنه آخذ بأيديهما : يا عبد الإله ، من الرجل منكم ، المعلم بريشة نعامة في صدره ؟ قال : قلت : ذاك حمزة . قال : ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل . قال عبد الرحمن : فوالله إني لأقودهما إذ رآه بلال معي ، وكان هو الذي يعذب بلالا بمكة على الإسلام ، فلما رآه قال : رأس الكفر أمية بن خلف ، لا نجوت إن نجا . قال : قلت : أي بلال ، أبأسيري ؟ قال : لا نجوت إن نجا . قال : ثم صرخ بأعلى صوته : يا أنصار الله ، رأس الكفر أمية بن خلف ، لا نجوت إن نجا . فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المسكة ، فأنا أذب عنه . قال : فأخلف رجل السيف ، فضرب رجل ابنه فوقع ، وصاح أمية صيحة ما سمعت بمثلها قط . قال : قلت : انج بنفسك ولا نجاء ، فوالله ما أغني عنك شيئا . قال : فهبروهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما . قال : فكان عبد الرحمن يقول : يرحم الله بلالا ، فجعني بأدراعي وبأسيري . [ ص: 134 ]
وهكذا رواه في " صحيحه " قريبا من هذا السياق ، فقال في الوكالة : حدثنا البخاري عبد العزيز ، هو ابن عبد الله ، حدثنا عن يوسف ، هو ابن الماجشون ، صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، عن جده عبد الرحمن بن عوف قال : كاتبت أمية بن خلف كتابا بأن يحفظني في صاغيتي بمكة وأحفظه في صاغيته بالمدينة ، فلما ذكرت الرحمن قال : لا أعرف الرحمن ، كاتبني باسمك الذي كان في الجاهلية . فكاتبته عبد عمرو ، فلما كان يوم بدر ، خرجت إلى جبل لأحرزه حين نام الناس ، فأبصره بلال ، فخرج حتى وقف على مجلس من الأنصار فقال : أمية بن خلف ؟ ! لا نجوت إن نجا أمية ، فخرج معه فريق من الأنصار في آثارنا ، فلما خشيت أن يلحقونا ، خلفت لهم ابنه لأشغلهم فقتلوه ثم أتوا حتى تبعونا ، وكان رجلا ثقيلا ، فلما أدركونا قلت له : ابرك . فبرك فألقيت عليه نفسي لأمنعه ، فتخللوه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه ، وأصاب أحدهم رجلي بسيفه . فكان عبد الرحمن بن عوف يرينا ذلك الأثر في ظهر قدمه . سمع يوسف صالحا ، وإبراهيم أباه . تفرد به من بينهم كلهم . وفي مسند البخاري رفاعة بن رافع ، أنه هو الذي قتل أمية بن خلف .