[ ص: 467 ] ذكر أن لكل نبي حوضا ، وأن حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين أعظمها ، وأجلها ، وأكثرها واردا  جعلنا الله تعالى من وراده ، وسقانا منه شربة لا نظمأ بعدها ، ونعوذ بالله سبحانه أن نذاد عنه 
قال الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا ،  رحمه الله ، في كتاب " الأهوال " : حدثنا محمد بن سليمان الأسدي  حدثنا عيسى بن يونس ،  عن زكريا ،  عن عطية ،  عن  أبي سعيد الخدري ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن لي حوضا طوله ما بين الكعبة  إلى بيت المقدس ،  أشد بياضا من اللبن ، آنيته عدد النجوم ، وكل نبي يدعو أمته ، ولكل نبي حوض ، فمنهم من يأتيه الفئام ، ومنهم من يأتيه العصبة ، ومنهم من يأتيه النفر ، ومنهم من يأتيه الرجلان والرجل ، ومنهم من لا يأتيه أحد ، فيقال : لقد بلغت . وإني لأكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة   " . 
ورواه ابن ماجه ،  عن أبي بكر بن أبي شيبة ،  عن محمد بن بشر ،  عن زكريا بن أبي زائدة ،  عن  عطية بن سعد العوفي ،  عن أبي سعيد ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه . 
حديث آخر : قال ابن أبي الدنيا    : حدثنا العباس بن محمد ،  حدثنا الحسين بن محمد المروزي ،  حدثنا محصن بن عقبة اليمامي ،  عن الزبير بن شبيب ،   [ ص: 468 ] عن عثمان بن حاضر ،  عن ابن عباس ،  قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوقوف بين يدي رب العالمين هل فيه ماء؟ فقال : " إي والذي نفسي بيده ، إن فيه لماء ، إن أولياء الله ليردون حياض الأنبياء ، ويبعث الله سبعين ألف ملك في أيديهم عصي من نار ، يذودون الكفار عن حياض الأنبياء   " . هذا حديث غريب من هذا الوجه ، وليس هو في شيء من الكتب الستة . 
وتقدم ما رواه الترمذي ،   والطبراني ،  وغيرهما من حديث  سعيد بن بشير ،  عن قتادة ،  عن الحسن ،  عن سمرة ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن لكل نبي حوضا ، وإنهم يتباهون أيهم أكثر واردة ، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم واردة   " . ثم قال الترمذي    : هذا حديث غريب ، وقد رواه أشعث بن عبد الملك ،  عن الحسن  مرسلا ، وهو أصح . 
ورواه  الطبراني  أيضا من حديث خبيب بن سليمان ،  عن سمرة بن جندب ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الأنبياء يتباهون أيهم أكثر أصحابا ، وإني أرجو أن أكون يومئذ أكثرهم واردة ، وإن كل رجل منهم يومئذ قائم على حوض ملآن ، معه عصا يدعو من عرف من أمته ، ولكل أمة سيما يعرفهم بها نبيهم   . 
 [ ص: 469 ] وقال ابن أبي الدنيا    : حدثنا خالد بن خداش ،  حدثنا حزم بن أبي حزم ،  سمعت  الحسن البصري  يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا فقدتموني فأنا فرطكم على الحوض ، إن لكل نبي حوضا وهو قائم على حوضه ، بيده عصا ، يدعو من عرف من أمته ، ألا وإنهم يتباهون أيهم أكثر تبعا ، والذي نفسي بيده إني لأرجو أن أكون أكثرهم تبعا   " . وذكر تمام الحديث ، وهذا مرسل عن الحسن ،  وهو حسن ، صححه  يحيى بن سعيد القطان  وغيره ، وقد أفتى شيخنا الحافظ المزي  بصحته بهذه الطرق . 
إن قال قائل : فهل يكون الحوض قبل الجواز على الصراط أو بعده؟  فالجواب أن ظاهر ما تقدم من الأحاديث يقتضي كونه قبل الصراط لأنه يذاد عنه أقوام يقال عنهم : إنهم لم يزالوا يرتدون على أدبارهم ، وأعقابهم منذ فارقتهم . فإن كان هؤلاء كفارا فالكافر لا يجاوز الصراط ، بل يكب على وجهه في النار قبل أن يجاوزه ، وقيل : إن الصراط طريق ومعبر إلى الجنة ، فهو إنما ينصب للمؤمنين ، والعصاة ، والفساق ، والظلمة ، تحفظهم عليه الكلاليب ، فمنهم المخدوش المسلم ، ومنهم من يأخذ الكلوب فيهوي في النار على وجهه ، وإن كان المشار إليهم بالردة عصاة من المسلمين فيبعد حجبهم عن الحوض ، لاسيما وعليهم سيما الوضوء ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعرفكم غرا محجلين من آثار الوضوء   " . 
 [ ص: 470 ] ثم من جاوز الصراط لا يكون إلا ناجيا مسلما ، فمثل هذا لا يحجب عن الحوض ، فالأشبه ، والله أعلم أن الحوض قبل الصراط . 
فأما الحديث الذي قال الإمام أحمد    : حدثنا يونس ،  حدثنا حرب بن ميمون ،  عن النضر بن أنس ،  عن أنس ،  قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن يشفع لي يوم القيامة . قال : " أنا فاعل " . قال : فأين أطلبك يوم القيامة يا نبي الله؟ قال : " اطلبني أول ما تطلبني على الصراط " . قال : قلت : فإن لم ألقك على الصراط ؟ قال : " فأنا عند الميزان " . قلت : فإن لم ألقك عند الميزان ؟ قال : " فأنا عند الحوض ، لا أخطئ هذه الثلاث مواطن يوم القيامة   " . 
ورواه الترمذي  من حديث بدل بن المحبر ،   وابن ماجه  في " تفسيره " من حديث عبد الصمد ،  كلاهما عن حرب بن ميمون أبي الخطاب الأنصاري البصري ،  من رجال مسلم ،  وقد وثقه  علي بن المديني ،   وعمرو بن علي الفلاس  ، وفرقا بينه وبين حرب بن ميمون أبي عبد الرحمن العبدي البصري  أيضا ، صاحب الأغمية ،  وضعفا هذا . 
وأما  البخاري  فجعلهما واحدا ، وحكى عن سليمان بن حرب  أنه قال : كان هذا أكذب الخلق . وأنكر  الدارقطني  على  البخاري ،  ومسلم  في جعلهما هذين واحدا . 
 [ ص: 471 ] وقال شيخنا الحافظ المزي    : جمعهما غير واحد ، وفرق بينهما غير واحد ، وهو الصحيح ، إن شاء الله . قلت : وقد حررت هذا في " التكميل " بما فيه كفاية . 
وقال الترمذي    : هذا حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه . 
والمقصود : أن ظاهر هذا الحديث يقتضي أن الحوض بعد الصراط ، وكذلك الميزان أيضا ، وهذا لا أعلم به قائلا ، اللهم إلا أن يكون المراد به حوضا آخر ، يكون بعد قطع الصراط ، كما جاء في بعض الأحاديث ، ويكون ذلك حوضا ثانيا لا يذاد عنه أحد ، والله سبحانه أعلم . 
وإذا كان الظاهر كونه قبل الصراط ، فهل يكون ذلك قبل وضع الكرسي لفصل القضاء أو بعد ذلك ؟  هذا مما يحتمل كلا من الأمرين ، ولم أر في ذلك شيئا فاصلا ، فالله أعلم أي ذلك يكون . 
وقال القرطبي  في " التذكرة " : واختلف في الميزان والحوض؟ أيهما يكون قبل الآخر؟ فقيل : الميزان قبل . وقيل : الحوض . قال أبو الحسن القابسي    : والصحيح أن الحوض قبل . قال القرطبي    : والمعنى يقتضيه فإن الناس يخرجون عطاشا من قبورهم كما تقدم - فيقدم قبل الميزان والصراط . 
 [ ص: 472 ] قال  أبو حامد الغزالي  في كتاب " كشف علم الآخرة " : حكى بعض السلف من أهل التصنيف أن الحوض يورد بعد الصراط ، وهو غلط من قائله . قال القرطبي    : هو كما قال . ثم أورد حديث منع المرتدين على أعقابهم عن الحوض ، ثم قال : وهذا الحديث مع صحته أدل دليل على أن الحوض يكون في الموقف قبل الصراط ; لأن الصراط من جاز عليه سلم ، كما سيأتي . قلت : وهذا التوجيه قد أسلفناه . ولله الحمد . 
قال القرطبي    : وقد ظن بعض الناس أن في تحديد الحوض تارة بجرباء وأذرح ، وتارة كما بين الكعبة  إلى كذا ، وتارة بغير ذلك ، اضطرابا . قال : وليس الأمر كذلك ؟ فإنه صلى الله عليه وسلم حدث أصحابه به مرات متعددة ، فخاطب في كل مرة لكل قوم بما يعرفون من الأماكن ، وقد جاء في الصحيح تحديده بشهر في شهر . قال : ولا يخطر ببالك أنه في هذه الأرض ، بل في الأرض المبدلة ، وهي أرض بيضاء كالفضة ، لم يسفك فيها دم ، ولم يظلم على ظهرها أحد قط ، تطهر لنزول الجبار جل جلاله ، لفصل القضاء . 
قال : وقد روي أن على كل زاوية من زوايا الحوض واحدا من الخلفاء الأربعة ، فعلى الركن الأول أبو بكر ،  وعلى الثاني عمر ،  وعلى الثالث عثمان ،  وعلى الرابع علي ،  رضي الله عنهم . قلت : وقد رويناه في   " الغيلانيات " ، ولا يصح إسناده لضعف بعض رجاله . والله أعلم . 
				
						
						
