النوع الثاني والثالث من الشفاعة : ، فيشفع فيهم ، ليدخلوا الجنة ، وفي أقوام آخرين قد أمر بهم إلى النار أن لا يدخلوها . شفاعته في أقوام قد تساوت حسناتهم وسيئاتهم
قال الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب " الأهوال " : حدثنا سعيد بن محمد الجرمي ، حدثنا أبو عبيدة الحداد ، حدثنا محمد بن ثابت البناني ، عن عبيد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل ، عن أبيه ، عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عبد الله بن عباس ، محمد ، وما تريد أن أصنع بأمتك ؟ فأقول : يا رب ، عجل حسابهم ، فيدعى بهم ، فيحاسبون ، فمنهم من يدخل الجنة برحمة الله ، ومنهم من يدخل الجنة بشفاعتي ، وما أزال أشفع حتى أعطى [ ص: 190 ] صكاكا برجال قد بعث بهم إلى النار ، حتى أن مالكا خازن النار ليقول : يا محمد ، ما تركت لغضب ربك لأمتك من نقمة " . ينصب للأنبياء يوم القيامة منابر من ذهب ، فيجلسون عليها " . قال : " ويبقى منبري لا أجلس عليه ، قائما بين يدي الله ، عز وجل ، منتصبا بأمتي ; مخافة أن يبعث بي إلى الجنة وتبقى أمتي بعدي ، فأقول : يا رب أمتي ، فيقول الله : يا
وحدثنا إسماعيل بن عبيد بن عمر بن أبي كريمة ، حدثني عن محمد بن سلمة ، أبي عبد الرحيم ، حدثني عن زيد بن أبي أنيسة ، عن المنهال بن عمرو ، عبد الله بن الحارث ، عن قال : " أبي هريرة ، إبراهيم الخليل ، عليه الصلاة والسلام ، فيكسى قبطيتين من الجنة ، ثم يقول : ادعوا لي النبي الأمي محمدا " . قال : " فأقوم ، فأكسى حلة من ثياب الجنة " . قال : " ويفجر لي الحوض ، وعرضه كما بين أيلة إلى الكعبة " . قال : " فأشرب وأغتسل وقد تقطعت أعناق الخلائق من العطش ، ثم أقوم عن يمين الكرسي ، ليس أحد يومئذ قائما ذلك المقام غيري ، ثم يقال : سل تعطه ، واشفع تشفع " . قال : فقال رجل : أترجو لوالديك شيئا يا رسول الله ؟ قال : " إني لشافع لهما ، أعطيت أو منعت ، وما أرجو لهما شيئا " . يحشر الناس عراة ، فيجتمعون شاخصة أبصارهم إلى السماء ، ينتظرون فصل القضاء قياما أربعين سنة ، فينزل الله عز وجل ، من العرش إلى الكرسي ، فيكون أول من يدعى
ثم قال المنهال : حدثني عبد الله بن الحارث أيضا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " أمر بقوم من أمتي قد أمر بهم إلى النار ، فيقولون : يا محمد ، ننشدك [ ص: 191 ] الشفاعة " . قال : " فآمر الملائكة أن يقفوا بهم " . قال : " فأنطلق فأستأذن على الرب عز وجل ، فيؤذن لي فأسجد ، وأقول : يا رب ، قوم من أمتي قد أمرت بهم إلى النار " . قال : " فيقول : انطلق فأخرج منهم " . قال : " فأنطلق ، فأخرج منهم من شاء الله أن أخرج ، ثم ينادي الباقون : يا محمد ، ننشدك الشفاعة . فأرجع إلى الرب عز وجل ، فأستأذن ، فيؤذن لي فأسجد ، فيقال لي : ارفع رأسك ، وسل تعطه ، واشفع تشفع " . قال : " فأقوم فأثني على الله سبحانه ثناء لم يثن عليه أحد ثناء مثله ، فأقول : يا رب ، قوم من أمتي قد أمر بهم إلى النار . فيقول : انطلق ، فأخرج منهم " . قال : " فأقول : يا رب ، أخرج منهم من قال لا إله إلا الله ، ومن كان في قلبه مثقال حبة من إيمان ؟ " قال : " فيقول : يا محمد ، ليست تلك لك ، تلك لي " . قال : " فأنطلق فأخرج من شاء الله أن أخرج " . قال : " ويبقى قوم فيدخلون النار ، فيعيرهم أهل النار فيقولون : أنتم كنتم تعبدون الله ، ولا تشركون به شيئا ، فما الذي أدخلكم النار ؟! " قال : " فيحرجون ويحزنون من ذلك " . قال : " فيبعث الله ملكا بكف من ماء فينضح بها في النار التي فيها الموحدون ، فلا يبقى أحد من أهل لا إله إلا الله إلا وقعت في وجهه منها قطرة " . قال : " فيعرفون بها . ويغبطهم أهل النار ، ثم يخرجون فيدخلون الجنة ، فيقال لهم : انطلقوا ، فتضيفوا الناس . فلو أن جميعهم نزلوا برجل واحد كان لهم عنده سعة ، ويسمون المحررين " .
وهذا السياق يقتضي تعداد هذه ثلاث مرات [ ص: 192 ] أن لا يدخلوها ، ويكون معنى قوله : " فأخرج " . أي أنقذ ، بدليل قوله بعد ذلك : " ويبقى قوم فيدخلون النار " . والله أعلم بالصواب . الشفاعة فيمن أمر بهم إلى النار