قال مقتل ابن إسحاق : حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفراء قتل النضر بن الحارث ، قتله علي بن أبي طالب ، كما أخبرني بعض أهل العلم من أهل مكة ، ثم خرج حتى إذا كان بعرق الظبية قتل عقبة بن أبي معيط .
قال ابن إسحاق : عقبة حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله : فمن للصبية يا محمد ؟ قال : النار . وكان الذي قتله فقال عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح أخو بني عمرو بن عوف ، كما حدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر . وكذا قال في " مغازيه " ، وزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل من الأسارى أسيرا غيره . قال : ولما أقبل إليه موسى بن عقبة عاصم بن ثابت ، قال : يا معشر قريش ، علام أقتل من بين من هاهنا ؟ قال : على عداوتك الله ورسوله .
وقال حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن الشعبي ، قال : لما أمر [ ص: 189 ] النبي صلى الله عليه وسلم بقتل عقبة ، قال : أتقتلني يا محمد من بين قريش ؟ قال : نعم ! أتدرون ما صنع هذا بي ؟ جاء وأنا ساجد خلف المقام فوضع رجله على عنقي وغمزها ، فما رفعها حتى ظننت أن عيني ستندران ، وجاء مرة أخرى بسلى شاة فألقاه على رأسي وأنا ساجد ، فجاءت فاطمة فغسلته عن رأسي . قال ابن هشام : ويقال : بل قتل عقبة علي بن أبي طالب ، فيما ذكره الزهري وغيره من أهل العلم .
قلت : كان هذان الرجلان من شر عباد الله ، وأكثرهم كفرا ، وعنادا ، وبغيا ، وحسدا ، وهجاء للإسلام وأهله ، لعنهما الله ، وقد فعل .
قال ابن هشام : فقالت قتيلة بنت الحارث ، أخت النضر بن الحارث في مقتل أخيها :
يا راكبا إن الأثيل مظنة من صبح خامسة وأنت موفق أبلغ بها ميتا بأن تحية
ما إن تزال بها النجائب تخفق مني إليك وعبرة مسفوحة
جادت بواكفها وأخرى تخنق [ ص: 190 ] هل يسمعن النضر إن ناديته
أم كيف يسمع ميت لا ينطق أمحمد يا خير ضنء كريمة
من قومها والفحل فحل معرق ما كان ضرك لو مننت وربما
من الفتى وهو المغيظ المحنق أو كنت قابل فدية فلينفقن
بأعز ما يغلو به ما ينفق والنضر أقرب من أسرت قرابة
وأحقهم إن كان عتق يعتق ظلت سيوف بني أبيه تنوشه
لله أرحام هنالك تشقق صبرا يقاد إلى المنية متعبا
رسف المقيد وهو عان موثق
قال ابن إسحاق : وقد تلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الموضع أبو هند مولى فروة بن عمرو البياضي حجامه ، عليه الصلاة والسلام ، ومعه زق مملوء حيسا وهو التمر والسويق بالسمن - هدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله منه ، ووصى به الأنصار .
قال ابن إسحاق : ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم المدينة قبل [ ص: 191 ] الأسارى بيوم .
قال ابن إسحاق : وحدثني نبيه بن وهب أخو بني عبد الدار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل بالأسارى فرقهم بين أصحابه ، وقال : استوصوا بهم خيرا . قال : وكان أبو عزيز بن عمير بن هاشم أخو لأبيه وأمه ، في الأسارى ، قال مصعب بن عمير أبو عزيز : مر بي أخي ورجل من مصعب بن عمير الأنصار يأسرني ، فقال : شد يديك به ، فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك . قال أبو عزيز : فكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر ، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز وأكلوا التمر ، لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا ، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها ، فأستحي فأردها فيردها علي ما يمسها .
قال ابن هشام : وكان أبو عزيز هذا صاحب لواء المشركين ببدر بعد النضر بن الحارث ، ولما قال أخوه مصعب لأبي اليسر ، وهو الذي أسره ، ما قال ، قال له أبو عزيز : يا أخي ، هذه وصايتك بي ؟ فقال له مصعب : إنه أخي دونك . فسألت أمه عن أغلى ما فدي به قرشي ، فقيل لها : أربعة آلاف درهم . فبعثت بأربعة آلاف درهم ففدته بها . [ ص: 192 ]
قلت : وأبو عزيز هذا اسمه زرارة ، فيما قاله في " غابة الصحابة " ، وعده ابن الأثير خليفة بن خياط في أسماء الصحابة . وكان أخا لأبويه ، وكان لهما أخ آخر لأبويهما ، وهو مصعب بن عمير أبو الروم بن عمير ، وقد غلط من جعله قتل يوم أحد كافرا ، ذاك أبو عزة ، كما سيأتي في موضعه . والله أعلم .
قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر ، أن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة ، قال : قدم بالأسارى حين قدم بهم ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم عند وسودة بنت زمعة آل عفراء في مناحتهم على عوف ومعوذ ابني عفراء . قال : وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب . قال : تقول سودة : والله إني لعندهم إذ أتينا ، فقيل : هؤلاء الأسارى قد أتي بهم . قالت فرجعت إلى بيتي ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ، وإذا أبو يزيد سهيل بن عمرو في ناحية الحجرة مجموعة يداه إلى عنقه بحبل . قالت : فلا والله ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد كذلك أن قلت : أي أبا يزيد ، أعطيتم بأيديكم ، ألا متم كراما ؟ فوالله ما أنبهني إلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من البيت يا سودة ، أعلى الله وعلى رسوله تحرضين ؟ قالت : قلت : يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد مجموعة يداه إلى عنقه أن قلت [ ص: 193 ] ما قلت . ثم كان من قصة الأسارى بالمدينة ما سيأتي بيانه وتفصيله فيما بعد من كيفية فدائهم وكميته ، إن شاء الله .