[ ص: 354 ] ذكر إسماعيل عليه الصلاة والسلام من هاجر
قال أهل الكتاب : إن مولد إبراهيم عليه السلام سأل الله ذرية طيبة ، وأن الله بشره بذلك ، وأنه لما كان لإبراهيم ببلاد بيت المقدس عشر سنين ، قالت سارة لإبراهيم عليه السلام : إن الرب قد أحرمني الولد ، فادخل على أمتي هذه لعل الله يرزقنا منها ولدا . فلما وهبتها له دخل بها إبراهيم عليه السلام فحين دخل بها حملت منه . قالوا : فلما حملت ارتفعت نفسها وتعاظمت على سيدتها ، فغارت منهاسارة فشكت ذلك إلى إبراهيم ، فقال لها : افعلي بها ما شئت . فخافت هاجر فهربت فنزلت عند عين هناك ، فقال لها ملك من الملائكة : لا تخافي فإن الله جاعل من هذا الغلام الذي حملت خيرا . وأمرها بالرجوع ، وبشرها أنها ستلد ابنا وتسميه إسماعيل ، ويكون وحش الناس ، يده على الكل ، ويد الكل به ، ويملك جميع بلاد إخوته ، فشكرت الله عز وجل على ذلك .
وهذه البشارة إنما انطبقت على ولده محمد صلوات الله وسلامه عليه ، فإنه الذي سادت به العرب ، وملكت جميع البلاد غربا وشرقا ، وأتاها الله من العلم النافع والعمل الصالح ما لم يؤت أمة من الأمم قبلهم ، وما ذاك إلا بشرف رسولها على سائر الرسل وبركة رسالته ويمن بشارته وكماله فيما جاء به . وعموم بعثته لجميع أهل الأرض . [ ص: 355 ] ولما رجعت هاجر وضعت إسماعيل عليه السلام قالوا : ولدته ولإبراهيم من العمر ست وثمانون سنة قبل مولد إسحاق بثلاث عشرة سنة . ولما ولد إسماعيل أوحى الله إلى إبراهيم يبشره بإسحاق من سارة فخر لله ساجدا . وقال له : قد استجبت لك في إسماعيل ، وباركت عليه وكثرته ونميته جدا كبيرا ، ويولد له اثنا عشر عظيما ، وأجعله رئيسا لشعب عظيم . وهذه أيضا بشارة بهذه الأمة العظيمة ، وهؤلاء الاثنا عشر عظيما هم الخلفاء الاثنا عشر المبشر بهم في حديث ، عن عبد الملك بن عمير ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : جابر بن سمرة يكون اثنا عشر أميرا . ثم قال : كلمة لم أفهمها فسألت أبي ما قال ؟ قال : كلهم من قريش . أخرجاه في الصحيحين ، وفي رواية لا يزال هذا الأمر قائما . وفي رواية عزيزا حتى يكون اثنا عشر خليفة كلهم من قريش . فهؤلاء منهم الأئمة الأربعة ؛ أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، ومنهم عمر بن عبد العزيز أيضا ، ومنهم بعض بني العباس ، وليس المراد أنهم يكونون اثني عشر نسقا ، بل لا بد من وجودهم ، وليس المراد الأئمة الاثني عشر الذي يعتقد فيهم الرافضة الذين أولهم علي بن أبي طالب ، وآخرهم المنتظر بسرداب سامرا ، وهو فيما يزعمون ، فإن أولئك لم يكن فيهم أنفع من محمد بن الحسن العسكري علي وابنه الحسن بن علي حين ترك القتال وسلم الأمر لمعاوية ، وأخمد نار [ ص: 356 ] الفتنة ، وسكن رحى الحروب بين المسلمين ، والباقون من جملة الرعايا لم يكن لهم حكم على الأمة في أمر من الأمور ، وأما ما يعتقدونه بسرداب سامرا فذاك هوس في الرءوس ، وهذيان في النفوس لا حقيقة له ولا عين ولا أثر .
والمقصود هاجر عليها السلام لما ولد لها إسماعيل اشتدت غيرة سارة منها ، وطلبت من أن الخليل أن يغيب وجهها عنها ، فذهب بها وبولدها فسار بهما حتى وضعهما حيث مكة اليوم ، ويقال : إن ولدها كان إذ ذاك رضيعا ، فلما تركهما هناك وولى ظهره عنهما قامت إليه هاجر وتعلقت بثيابه ، وقالت : يا إبراهيم أين تذهب ، وتدعنا هاهنا ، وليس معنا ما يكفينا ؟ فلم يجبها ، فلما ألحت عليه وهو لا يجيبها قالت له : آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم . قالت : فإذا لا يضيعنا . وقد ذكر الشيخ أبو محمد بن أبي زيد رحمه الله في كتاب النوادر : أن سارة تغضبت على هاجر فحلفت لتقطعن ثلاثة أعضاء منها ، فأمرها الخليل أن تثقب أذنيها وأن تخفضها فتبر قسمها . قال السهيلي : فكانت أول من اختتن من النساء ، وأول من ثقبت أذنيها منهن ، وأول من طولت ذيلها .