[ ص: 144 ] فصل في بأم حبيبة رملة بنت أبي سفيان تزويج النبي صلى الله عليه وسلم
ذكر بعد وقعة الخندق من طريق البيهقي الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله تعالى : عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة ( الممتحنة : 7 ) . قال : هو تزويج النبي صلى الله عليه وسلم فصارت أم المؤمنين ، وصار معاوية خال المؤمنين . بأم حبيبة بنت أبي سفيان ،
ثم قال : أنبأنا البيهقي أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا علي بن عيسى ، حدثنا أحمد بن نجدة ، حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، أنبأنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، أم حبيبة ، أنها كانت عند عبيد الله بن جحش ، وكان رحل إلى النجاشي فمات ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج وهي بأرض الحبشة ، وزوجها إياه بأم حبيبة النجاشي ومهرها أربعة آلاف درهم ، وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة وجهزها من عنده ، وما بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء قال : وكان مهور أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أربعمائة . [ ص: 145 ] عن
قلت : والصحيح أن مهور أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كانت ثنتي عشرة أوقية ونشا ، والوقية أربعون درهما ، والنش النصف ، وذلك يعدل خمسمائة درهم .
ثم روى ، من طريق البيهقي ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة أن عبيد الله بن جحش مات بالحبشة نصرانيا ، فخلف على زوجته أم حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، زوجها منه عثمان بن عفان رضي الله عنه .
قلت : أما تنصر عبيد الله بن جحش فقد تقدم بيانه ، وذلك على أثر ما هاجر مع المسلمين إلى أرض الحبشة ، استزله الشيطان فزين له دين النصارى ، فصار إليه حتى مات عليه ، لعنه الله ، وكان يلقى المسلمين فيقول لهم : أبصرنا وصأصأتم . وقد تقدم شرح ذلك في هجرة الحبشة . وأما قول عروة : أن عثمان زوجها منه ، فغريب ؛ لأن عثمان كان قد رجع إلى مكة قبل ذلك ، ثم هاجر إلى المدينة وصحبته زوجته رقية كما تقدم . والله أعلم .
والصحيح ما ذكره يونس ، عن محمد بن إسحاق قال : بلغني أن الذي ولي نكاحها ابن عمها خالد بن سعيد بن العاص
قلت : وكان وكيل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبول العقد أصحمة النجاشي ملك الحبشة ، كما قال يونس ، عن محمد بن إسحاق ، حدثني أبو جعفر محمد [ ص: 146 ] بن علي بن الحسين قال : إلى عمرو بن أمية الضمري النجاشي ، فزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وساق عنه أربعمائة دينار . بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال الزبير بن بكار حدثني محمد بن الحسن ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو بن زهير ، عن إسماعيل بن عمرو ، أم حبيبة بنت أبي سفيان قالت : ما شعرت وأنا بأرض الحبشة إلا برسول النجاشي جارية يقال لها : أبرهة . كانت تقوم على ثيابه ودهنه ، فاستأذنت علي فأذنت لها فقالت : إن الملك يقول لك : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلي أن أزوجكه . فقلت : بشرك الله بالخير . وقالت : يقول لك الملك : وكلي من يزوجك . قالت : فأرسلت إلى ، فوكلته ، وأعطيت خالد بن سعيد بن العاص أبرهة سوارين من فضة ، وخدمتين من فضة كانتا علي وخواتيم من فضة كانت في كل أصابع رجلي ؛ سرورا بما بشرتني به ، فلما أن كان من العشي أمر النجاشي ومن كان هناك من المسلمين أن يحضروا ، وخطب جعفر بن أبي طالب النجاشي وقال : الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار وأشهد أن لا إله إلا الله وأنمحمدا عبده ورسوله ، وأنه الذي بشر به عيسى بن مريم ، أما بعد ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلي أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أصدقتها أربعمائة دينار . ثم سكب الدنانير بين يدي القوم ، فتكلم خالد بن سعيد فقال : الحمد لله ، أحمده [ ص: 147 ] وأستغفره ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، أما بعد ، فقد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فبارك الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم . ودفع النجاشي الدنانير إلى خالد بن سعيد فقبضها ، ثم أرادوا أن يقوموا فقال : اجلسوا ، فإن من سنة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج . فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرقوا . أن
قلت : فلعل عمرو بن العاص لما رأى عمرو بن أمية خارجا من عند النجاشي بعد الخندق إنما كان في قضية أم حبيبة . فالله أعلم .
لكن قال الحافظ : ذكر البيهقي أبو عبد الله بن منده أن تزويجه ، عليه السلام كان في سنة ست وأن تزويجه بأم حبيبة كان في سنة أربع . بأم سلمة
قلت : وكذا قال خليفة وأبو عبيدة معمر بن المثنى : إن تزويج وابن البرقي أم حبيبة كان في سنة ست . وقال بعض الناس : سنة سبع . قال : وذهب البيهقي ابن إسحاق إلى أنه صلى الله عليه وسلم تزوج قبل بأم حبيبة أم سلمة . قال : وهو أشبه . [ ص: 148 ] البيهقي
قلت : قد تقدم تزويجه ، عليه السلام ، في أواخر سنة أربع ، وأما بأم سلمة أم حبيبة فيحتمل أن يكون قبل ذلك ، ويحتمل أن يكون بعده ، وكونه بعد الخندق أشبه ؛ لما تقدم من ذكر عمرو بن العاص أنه رأى عمرو بن أمية عند النجاشي ، فهو في قضيتها . والله أعلم .
وقد حكى الحافظ في " الغابة " عن ابن الأثير قتادة ، أن أم حبيبة لما هاجرت من الحبشة إلى المدينة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها . وحكى عن بعضهم أنه تزوجها بعد إسلام أبيها بعد الفتح ، واحتج هذا القائل بما رواه مسلم من طريق ، عن عكرمة بن عمار اليمامي أبي زميل سماك بن الوليد ، عن ابن عباس أبا سفيان قال : يا رسول الله ، ثلاث أعطنيهن . قال : " نعم " قال : تؤمرني على أن أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين . قال : " نعم " قال : ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك . قال : " نعم " قال : وعندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها . الحديث بتمامه . قال أن : وهذا الحديث مما أنكر على ابن الأثير مسلم ؛ لأن أبا سفيان لما جاء يجدد العقد قبل الفتح ، دخل على ابنته أم حبيبة فثنت عنه فراش النبي صلى الله عليه وسلم فقال : والله ما أدري أرغبت بي عنه ، أو به عني ؟ قالت : بل هذا فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنت رجل مشرك . فقال : والله لقد أصابك بعدي يا بنية شر . [ ص: 149 ] وقال هذا الحديث وضعه ابن حزم : . وهذا القول منه لا يتابع عليه . وقال آخرون : أراد أن يجدد العقد لما فيه بغير إذنه من الغضاضة عليه . وقال بعضهم : لأنه اعتقد انفساخ نكاح ابنته بإسلامه . وهذه كلها ضعيفة ، والأحسن في هذا أنه أراد أن يزوجه ابنته الأخرى عكرمة بن عمار عزة ، لما رأى في ذلك من الشرف له ، واستعان بأختها أم حبيبة كما في " الصحيحين " وإنما وهم الراوي هذا بتسميته أم حبيبة ، وقد أفردنا لذلك جزءا مفردا .
قال : توفيت أبو عبيد القاسم بن سلام أم حبيبة سنة أربع وأربعين . وقال أبو بكر بن أبي خيثمة : توفيت قبل معاوية بسنة ، وكانت وفاة معاوية في رجب سنة ستين .