[ ص: 155 ] صبيحة عرسها الذي ولي الله عقد نكاحه ذكر نزول آية الحجاب
فناسب نزول الحجاب في هذا العرس صيانة لها ولأخواتها من أمهات المؤمنين وذلك وفق الرأي العمري .
قال : حدثنا البخاري محمد بن عبد الله الرقاشي ، حدثنا معتمر بن سليمان ، سمعت أبي ، حدثنا أبو مجلز ، عن أنس بن مالك قال : لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون ، فإذا هو يتهيأ للقيام فلم يقوموا ، فلما رأى ذلك قام ، فلما قام ، قام من قام ، وقعد ثلاثة نفر ، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل فإذا القوم جلوس ، ثم إنهم قاموا فانطلقوا ، فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا ، فجاء حتى دخل [ ص: 156 ] فذهبت أدخل ، فألقى الحجاب بيني وبينه ، فأنزل الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي الآية . وقد رواه في مواضع أخر البخاري ومسلم ، من طرق عن والنسائي معتمر . ثم رواه منفردا به من حديث البخاري أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس ، بنحوه .
وقال : حدثنا البخاري أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا ، عن عبد العزيز بن صهيب أنس بن مالك ، قال : بني على النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش بخبز ولحم ، فأرسلت على الطعام داعيا ، فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون ، ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون ، فدعوت حتى ما أجد أحدا أدعوه ، فقلت : يا نبي الله ، ما أجد أحدا أدعوه . قال : " فارفعوا طعامكم " . وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ، فانطلق إلى حجرة عائشة فقال : " السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته " قالت : وعليك السلام ورحمة الله ، كيف وجدت أهلك ، بارك الله لك ؟ فتقرى حجر نسائه كلهن ، يقول لهن كما يقول لعائشة ، ويقلن له كما قالت عائشة ، ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا رهط ثلاثة في البيت يتحدثون ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحياء ، فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة ، فما أدري آخبرته ، [ ص: 157 ] أم أخبر أن القوم خرجوا ؟ فخرج حتى إذا وضع رجله في أسكفة الباب داخلة وأخرى خارجة أرخى الستر بيني وبينه ، وأنزلت آية الحجاب تفرد به من هذا الوجه . ثم رواه منفردا به أيضا ، عن البخاري إسحاق هو ابن منصور ، عن ، عن عبد الله بن بكر السهمي حميد ، عن أنس ، بنحو ذلك وقال : رجلان . بدل ثلاثة . فالله أعلم . قال : وقال البخاري ، عن إبراهيم بن طهمان الجعد أبي عثمان ، عن أنس ، فذكر نحوه .
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو المظفر ، حدثنا جعفر بن سليمان ، عن الجعد أبي عثمان اليشكري ، عن أنس بن مالك قال : أم سليم حيسا ثم وضعته في تور ، فقالت : اذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره أن هذا منا له قليل . قال أنس : والناس يومئذ في جهد فجئت به فقلت : يا رسول الله [ ص: 158 ] بعثت بهذا أم سليم إليك ، وهي تقرئك السلام وتقول : أخبره أن هذا منا له قليل . فنظر إليه ثم قال : " ضعه " . فوضعته في ناحية البيت ، ثم قال : " اذهب فادع لي فلانا وفلانا " . فسمى رجالا كثيرا . قال : " ومن لقيت من المسلمين " فدعوت من قال لي ، ومن لقيت من المسلمين ، فجئت والبيت والصفة والحجرة ملأى من الناس ، فقلت : يا أبا عثمان ، كم كانوا ؟ قال : كانوا زهاء ثلاثمائة . قال أنس : فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " جئ به " . فجئت به إليه ، ، وقال : " ما شاء الله " ثم قال : " ليتحلق عشرة عشرة ويسموا ، وليأكل كل إنسان مما يليه " . فجعلوا يسمون ويأكلون حتى أكلوا كلهم ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ارفعه " . قال : فجئت فأخذت التور فنظرت ، فما أدري أهو حين وضعته أكثر أم حين رفعته . قال : وتخلف رجال يتحدثون في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم التي دخل بها معهم مولية وجهها إلى الحائط ، فأطالوا الحديث ، فشقوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أشد الناس حياء ، ولو علموا كان ذلك عليهم عزيزا ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فسلم على حجره وعلى نسائه ، فلما رأوه قد جاء ظنوا أنهم قد ثقلوا عليه ، ابتدروا الباب فخرجوا ، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أرخى الستر ، ودخل البيت وأنا في الحجرة ، فمكث رسول الله [ ص: 159 ] صلى الله عليه وسلم في بيته يسيرا ، وأنزل الله القرآن ، فخرج وهو يقرأ هذه الآية : فوضع يده عليه ودعا يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما ( الأحزاب : 53 54 ) . قال أنس : فقرأهن علي قبل الناس ، وأنا أحدث الناس بهن عهدا . وقد رواه أعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض نسائه فصنعت مسلم والترمذي جميعا ، عن والنسائي قتيبة ، عن جعفر بن سليمان ، عن الجعد أبي عثمان به . وقال الترمذي : حسن صحيح . ورواه مسلم أيضا ، عن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الجعد أبى عثمان ، به . وقد روى هذا الحديث البخاري والترمذي ، من طرق ، عن والنسائي بيان أبي بشر الأحمسي الكوفي ، عن أنس ، بنحوه . ورواه ابن أبي حاتم من حديث ، عن أبي نضرة العبدي أنس ، بنحوه ، ولم يخرجوه . ورواه ابن جرير ، [ ص: 160 ] من حديث عمرو بن سعيد ، ومن حديث الزهري ، عن أنس ، بنحو ذلك .
قلت : كانت زينب بنت جحش رضي الله عنها من المهاجرات الأول وكانت كثيرة الخير والصدقة ، وكان اسمها أولا برة فسماها النبي صلى الله عليه وسلم زينب وكانت تكنى بأم الحكم ، قالت عائشة رضي الله عنها : ما رأيت امرأة قط خيرا في الدين من زينب ، وأتقى لله وأصدق حديثا وأوصل للرحم وأعظم أمانة وصدقة .
وثبت في " الصحيحين " - كما سيأتي في حديث الإفك - عن عائشة أنها قالت : زينب بنت جحش ، وهي التي كانت تساميني من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، فعصمها الله بالورع ، فقالت : يا رسول الله ، أحمي سمعي وبصري ، ما علمت إلا خيرا . وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عني
وقال مسلم بن الحجاج في " صحيحه " : حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا الفضل بن موسى السيناني ، حدثنا طلحة بن يحيى بن طلحة ، عن عن عائشة بنت طلحة ، قالت : عائشة أم المؤمنين انفرد به قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا " قالت : فكنا نتطاول أينا أطول يدا . قالت : فكانت زينب أطولنا يدا ؛ لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق مسلم . [ ص: 161 ]
قال الواقدي وغيره من أهل السير والمغازي والتواريخ : توفيت سنة عشرين من الهجرة . وصلى عليها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ودفنت بالبقيع ، وهي أول امرأة صنع لها النعش .