[ ص: 405 ] طريق إسلام خالد بن الوليد  
قال الواقدي    : حدثني يحيى بن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام  قال : سمعت أبي يحدث عن خالد بن الوليد  قال : لما أراد الله بي ما أراد من الخير ، قذف في قلبي الإسلام ، وحضرني رشدي ، فقلت : قد شهدت هذه المواطن كلها على محمد  صلى الله عليه وسلم ، فليس في موطن أشهده إلا أنصرف وأنا أرى في نفسي أني موضع في غير شيء ، وأن محمدا  سيظهر ، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية  خرجت في خيل من المشركين ، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه بعسفان  ، فقمت بإزائه وتعرضت له ، فصلى بأصحابه الظهر أمامنا ، فهممنا أن نغير عليهم ، ثم لم يعزم لنا - وكانت فيه خيرة - فاطلع على ما في أنفسنا من الهم به ، فصلى بأصحابه صلاة العصر صلاة الخوف ، فوقع ذلك منا موقعا ، وقلت : الرجل ممنوع فاعتزلنا وعدل عن سنن خيلنا ، وأخذ ذات اليمين ، فلما صالح قريشا  بالحديبية  ، ودافعته قريش  بالراح ، قلت في نفسي : أي شيء بقي ؟ أين المذهب ؟ إلى   [ ص: 406 ] النجاشي ؟  فقد اتبع محمدا ،  وأصحابه عنده آمنون ، فأخرج إلى هرقل ؟  فأخرج من ديني إلى نصرانية أو يهودية ، فأقيم في عجم تابعا ، فأقيم في داري فيمن بقي ؟ فأنا في ذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة  في عمرة القضية ، فتغيبت ولم أشهد دخوله ، وكان أخي  الوليد بن الوليد  قد دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضية ، فطلبني فلم يجدني ، فكتب إلي كتابا ، فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، أما بعد ، فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام وعقلك عقلك! ومثل الإسلام جهله أحد ؟! وقد سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عنك ، وقال : " أين خالد ؟    " فقلت : يأتي الله به . فقال : " ما مثله جهل الإسلام ، ولو كان جعل نكايته وحده مع المسلمين كان خيرا له ، ولقدمناه على غيره " . فاستدرك يا أخي ما قد فاتك ، فقد فاتك مواطن صالحة . قال : فلما جاءني كتابه نشطت للخروج ، وزادني رغبة في الإسلام ، وسرني سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عني ، وأرى في النوم كأني في بلاد ضيقة مجدبة ، فخرجت إلى بلاد خضراء واسعة ، فقلت : إن هذه لرؤيا فلما أن قدمت المدينة  قلت : لأذكرنها لأبي بكر    . فقال : مخرجك الذى هداك الله للإسلام ، والضيق الذي كنت فيه من الشرك . قال : فلما أجمعت الخروج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : من أصاحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فلقيت صفوان بن أمية ،   [ ص: 407 ]  فقلت : يا أبا وهب ،  أما ترى ما نحن فيه ، إنما نحن أكلة رأس ، وقد ظهر محمد  على العرب  والعجم ،  فلو قدمنا على محمد  واتبعناه ، فإن شرف محمد  لنا شرف . فأبى أشد الإباء ، فقال : لو لم يبق غيري ما اتبعته أبدا . فافترقنا ، وقلت : هذا رجل قتل أخوه وأبوه ببدر . فلقيت  عكرمة بن أبي جهل ،  فقلت له مثل ما قلت  لصفوان بن أمية ،  فقال لي مثل ما قال صفوان بن أمية ،  قلت : فاكتم علي . قال : لا أذكره . فخرجت إلى منزلي ، فأمرت براحلتي ، فخرجت بها إلى أن لقيت عثمان بن طلحة ،  فقلت : إن هذا لي صديق ، فلو ذكرت له ما أرجو . ثم ذكرت من قتل من آبائه ، فكرهت أن أذكره ، ثم قلت : وما علي وأنا راحل من ساعتي . فذكرت له ما صار الأمر إليه ، فقلت : إنما نحن بمنزلة ثعلب في جحر ، لو صب فيه ذنوب من ماء لخرج . وقلت له نحوا مما قلت لصاحبي ، فأسرع الإجابة ، وقال : إني غدوت اليوم وأنا أريد أن أغدو ، وهذه راحلتي بفخ مناخة . قال : فاتعدت أنا وهو يأجج  ، إن سبقني أقام ، وإن سبقته أقمت عليه . قال : فأدلجنا سحرا ، فلم يطلع الفجر حتى التقينا بيأجج  ، فغدونا حتى انتهينا إلى الهدة ، فنجد عمرو بن العاص  بها فقال : مرحبا بالقوم ، فقلنا : وبك . فقال : إلى أين مسيركم ؟ فقلنا : وما أخرجك . فقال : وما أخرجكم ؟ قلنا : الدخول في الإسلام واتباع   [ ص: 408 ] محمد  صلى الله عليه وسلم . قال : وذاك الذي أقدمني . فاصطحبنا جميعا حتى دخلنا المدينة  ، فأنخنا بظهر الحرة ركابنا ، فأخبر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر بنا ، فلبست من صالح ثيابي ، ثم عمدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيني أخي ، فقال : أسرع ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر بك ، فسر بقدومك ، وهو ينتظركم . فأسرعنا المشي ، فاطلعت عليه ، فما زال يتبسم إلي حتى وقفت عليه ، فسلمت عليه بالنبوة ، فرد علي السلام بوجه طلق ، فقلت : إني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله . فقال : " تعال " . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الحمد لله الذي هداك ، قد كنت أرى لك عقلا رجوت أن لا يسلمك إلا إلى خير   " . قلت : يا رسول الله ، قد رأيت ما كنت أشهد من تلك المواطن عليك معاندا للحق ، فادع الله أن يغفرها لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الإسلام يجب ما كان قبله   " . قلت : يا رسول الله ، على ذلك . قال : " اللهم اغفر لخالد بن الوليد  كل ما أوضع فيه من صد عن سبيلك   " . قال خالد    : وتقدم عثمان وعمرو  فبايعا رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : وكان قدومنا في صفر سنة ثمان . قال : فوالله ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدل بي أحدا من أصحابه فيما حزبه . 
				
						
						
