[ ص: 502 ] إلى أبي عبيدة بن الجراح سيف البحر
قال الإمام سرية مالك ، عن عن وهب بن كيسان ، جابر قال : وهم ثلاثمائة . قال أبا عبيدة بن الجراح ، جابر : وأنا فيهم ، فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد ، فأتوا أبا عبيدة بأزواد ذلك الجيش ، فجمع كله ، فكان مزودي تمر ، فكان يقوتنا كل يوم قليلا قليلا حتى فني ، فلم يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة . قال : فقلت : وما تغني تمرة ؟ فقال : لقد وجدنا فقدها حين فنيت . قال : ثم انتهينا إلى البحر ، فإذا حوت مثل الظرب . قال : فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشرة ليلة ، ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا ، ثم أمر براحلة فرحلت ، ثم مرت تحتهما فلم تصبهما . أخرجاه في " الصحيحين " من حديث بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا قبل الساحل ، وأمر عليهم مالك ، بنحوه .
وهو في " الصحيحين " أيضا من طريق سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن [ ص: 503 ] دينار ، عن جابر قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائة راكب ، وأميرنا أبو عبيدة بن الجراح ، نرصد عيرا لقريش ، فأصابنا جوع شديد ، حتى أكلنا الخبط ، فسمي ذلك الجيش جيش الخبط . قال : ونحر رجل ثلاث جزائر ، ثم نحر ثلاث جزائر ، ثم ثلاثا ، فنهاه أبو عبيدة . قال : وألقى البحر دابة يقال لها : العنبر . فأكلنا منها نصف شهر وادهنا ، حتى ثابت إلينا أجسامنا وصلحت . ثم ذكر قصة الضلع . فقوله في الحديث : نرصد عيرا لقريش . دليل على أن هذه السرية كانت قبل صلح الحديبية . والله أعلم . والرجل الذي نحر لهم الجزائر هو رضي الله عنهما . قيس بن سعد بن عبادة ،
وقال الحافظ : أنبأنا البيهقي أبو عبد الله الحافظ ، أنبأنا أبو بكر بن إسحاق ، ثنا إسماعيل بن قتيبة ، ثنا يحيى بن يحيى ، ثنا أبو خيثمة ، وهو زهير بن معاوية ، عن عن أبي الزبير ، جابر قال : أبا عبيدة ، نتلقى عيرا لقريش ، وزودنا جرابا من تمر ، لم يجد لنا غيره ، فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة . قال : فقلت : كيف كنتم تصنعون بها ؟ قال : كنا نمصها كما يمص الصبي ، ثم نشرب عليها الماء ، فتكفينا يومنا إلى الليل ، وكنا [ ص: 504 ] نضرب بعصينا الخبط ، ثم نبله بالماء فنأكله . قال : فانطلقنا إلى ساحل البحر ، فرفع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم ، فأتيناه فإذا به دابة تدعى العنبر ، فقال أبو عبيدة : ميتة . ثم قال : لا ، بل نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله ، وقد اضطررتم ، فكلوا . قال : فأقمنا عليه شهرا ونحن ثلاثمائة حتى سمنا ، ولقد كنا نغرف من وقب عينه بالقلال الدهن ، ونقتطع منه الفدر كالثور ، أو كقدر الثور ، ولقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا ، فأقعدهم في عينه ، وأخذ ضلعا من أضلاعه ، فأقامها ثم رحل أعظم بعير منها ، فمر تحتها ، وتزودنا من لحمها وشائق ، فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له ، فقال : " هو رزق أخرجه الله لكم ، فهل معكم شيء من لحمه تطعمونا ؟ " قال : فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل منه . ورواه بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر علينا مسلم ، عن يحيى بن يحيى وأحمد بن يونس ، وأبو داود ، عن النفيلي ، ثلاثتهم عن أبي خيثمة زهير بن معاوية الجعفي الكوفي ، عن عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، به . جابر بن عبد الله الأنصاري ،
قلت : ومقتضى أكثر هذه السياقات ، أن هذه السرية كانت قبل صلح [ ص: 505 ] الحديبية ، ولكن أوردناها هاهنا تبعا للحافظ رحمه الله ، فإنه أوردها بعد مؤتة وقبل غزوة الفتح . والله أعلم . البيهقي ،
وقد ذكر بعد غزوة مؤتة سرية البخاري أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة ، فقال : حدثنا عمرو بن محمد ، ثنا هشيم ، أنبأنا حصين بن جندب ، ثنا أبو ظبيان ، قال : سمعت أسامة بن زيد يقول : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة ، فصبحنا القوم فهزمناهم ، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم ، فلما غشيناه قال : لا إله إلا الله ، فكف الأنصاري ، فطعنته برمحي حتى قتلته ، فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " يا أسامة ، أقتلته بعدما قال : لا إله إلا الله ؟ " قلت : كان متعوذا ، فما زال يكررها ، حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم . وقد تقدم هذا الحديث والكلام عليه فيما سلف .
ثم روى من حديث البخاري عن يزيد بن أبي عبيد ، قال : سلمة بن الأكوع أبو بكر ، ومرة أسامة بن زيد ، رضي الله عنهما . غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات ، وخرجت فيما يبعث من البعوث تسع غزوات ، علينا مرة
ثم ذكر الحافظ هاهنا البيهقي النجاشي - صاحب الحبشة - على الإسلام ، ونعي رسول الله صلى الله عليه وسلم له إلى المسلمين ، وصلاته عليه ، فروى من [ ص: 506 ] طريق موت مالك ، عن الزهري ، عن عن سعيد بن المسيب ، ، أبي هريرة النجاشي في اليوم الذي مات فيه ، وخرج بهم إلى المصلى ، فصف بهم وكبر أربع تكبيرات . أخرجاه من حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى إلى الناس مالك ، وأخرجاه أيضا من حديث الليث ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن سعيد وأبي سلمة ، عن بنحوه . أبي هريرة
وأخرجاه من حديث عن ابن جريج ، عطاء ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مات اليوم رجل صالح " . فصلوا على أصحمة وقد تقدمت هذه الأحاديث أيضا والكلام عليها ، ولله الحمد .
قلت : والظاهر أن موت النجاشي كان قبل الفتح بكثير ، فإن في " صحيح مسلم " أنه لما كتب إلى ملوك الآفاق ، كتب إلى النجاشي ، وليس هو بالمسلم . وزعم آخرون كالواقدي أنه هو . والله أعلم .
وروى الحافظ من طريق البيهقي مسلم بن خالد الزنجي ، عن عن أبيه ، عن موسى بن عقبة أم كلثوم قالت : أم سلمة قال : " قد أهديت إلى النجاشي أواقي من مسك وحلة ، وإني لا أراه إلا قد مات ، [ ص: 507 ] ولا أرى الهدية إلا سترد علي ، فإن ردت علي - أظنه قال - قسمتها بينكن " أو " فهي لك " . قال : فكان كما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مات النجاشي وردت الهدية ، فلما ردت عليه ، أعطى كل امرأة من نسائه أوقية من ذلك المسك ، وأعطى سائره أم سلمة ، وأعطاها الحلة والله أعلم . لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم