[ ص: 521 ] حاطب بن أبي بلتعة قصة
قال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن جعفر ، عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا قالوا : لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة ، كتب كتابا إلى حاطب بن أبي بلتعة قريش ، يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر في السير إليهم ، ثم أعطاه امرأة - زعم محمد بن جعفر أنها من مزينة ، وزعم لي غيره أنها سارة ، مولاة لبعض بني عبد المطلب - وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا ، فجعلته في رأسها ، ثم فتلت عليه قرونها ثم خرجت به ، وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب ، فبعث علي بن أبي طالب ، فقال : " أدركا امرأة قد كتب معها والزبير بن العوام بكتاب إلى حاطب بن أبي بلتعة قريش ، يحذرهم ما قد أجمعنا له من أمرهم " فخرجا حتى أدركاها بالخليقة خليقة بني أبي أحمد ، فاستنزلاها ، فالتمساه في رحلها فلم يجدا فيه شيئا ، فقال لها علي : إني أحلف بالله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا ، ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك . فلما رأت الجد منه قالت : أعرض . فأعرض ، فحلت قرون رأسها ، [ ص: 522 ] فاستخرجت الكتاب منها فدفعته إليه ، فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا فقال : " يا حاطب ما حملك على هذا ؟ " فقال : يا رسول الله ، أما والله إني لمؤمن بالله وبرسوله ، ما غيرت ولا بدلت ، ولكنني كنت امرأ ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة ، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليهم . فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله ، دعني فلأضرب عنقه ، فإن الرجل قد نافق . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عمر ، لعل الله قد اطلع إلى أصحاب بدر يوم بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " وأنزل الله تعالى في وما يدريك يا حاطب : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة إلى آخر القصة ( الممتحنة : 1 - 9 ) . هكذا أورد ابن إسحاق هذه القصة مرسلة ، وقد ذكر السهيلي أنه كان في كتاب حاطب : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل ، وأقسم بالله لو سار إليكم وحده لنصره الله عليكم ، فإنه منجز له ما وعده . قال : وفي " تفسير ابن سلام " أن حاطبا كتب : إن محمدا قد نفر ، فإما إليكم وإما إلى غيركم ، فعليكم الحذر .
[ ص: 523 ] وقد قال : ثنا البخاري قتيبة ، ثنا سفيان ، عن أخبرني عمرو بن دينار ، الحسن بن محمد ، أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع ، سمعت عليا يقول : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير فقال : " انطلقوا حتى تأتوا والمقداد روضة خاخ ، فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها " . فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة ، فإذا نحن بالظعينة ، فقلنا : أخرجي الكتاب . فقالت : ما معي كتاب . فقلنا : لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب . قال : فأخرجته من عقاصها ، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا فيه : من . إلى ناس حاطب بن أبي بلتعة بمكة من المشركين ، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " يا حاطب ، ما هذا ؟ " فقال : يا رسول الله ، لا تعجل علي ، إني كنت امرأ ملصقا في قريش - يقول : كنت حليفا ولم أكن من أنفسها - وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم ، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي ، ولم أفعله ارتدادا عن ديني ، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما إنه قد صدقكم " . فقال عمر : يا رسول الله ، دعني أضرب عنق هذا المنافق . فقال : " " . فأنزل الله السورة إنه قد شهد بدرا ، وما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد بدرا فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء [ ص: 524 ] إلى قوله : فقد ضل سواء السبيل .
وأخرجه بقية الجماعة ، إلا ابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة وقال الترمذي : حسن صحيح .
وقال الإمام أحمد : ثنا حجين ويونس قالا : حدثنا عن ليث بن سعد ، عن أبي الزبير ، جابر بن عبد الله ، أن كتب إلى أهل حاطب بن أبي بلتعة مكة يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد غزوهم ، فدل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المرأة التي معها الكتاب ، فأرسل إليها ، فأخذ كتابها من رأسها ، وقال : " يا حاطب أفعلت ؟ " قال : نعم . قال : أما إني لم أفعله غشا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفاقا ، قد علمت أن الله مظهر رسوله ، ومتم له أمره ، غير أني كنت عريرا بين ظهريهم ، وكانت والدتي معهم ، فأردت أن أتخذ هذا عندهم . فقال له عمر : ألا أضرب رأس هذا ؟ فقال : " أتقتل رجلا من أهل بدر ، وما يدريك لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم . تفرد بهذا الحديث من هذا الوجه الإمام أحمد ، وإسناده على شرط مسلم ، ولله الحمد .