وكان سببها أن هوازن لما انهزمت ذهبت فرقة منهم ، فيهم الرئيس مالك بن عوف النصري فلجئوا إلى الطائف فتحصنوا بها ، وسارت فرقة فعسكروا بمكان يقال له : أوطاس . فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية من أصحابه عليهم أبو عامر الأشعري فقاتلوهم فغلبوهم ، ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة ، فحاصر أهل الطائف كما سيأتي .
قال ابن إسحاق : ولما انهزم المشركون يوم حنين أتوا الطائف ومعهم [ ص: 45 ] مالك بن عوف وعسكر بعضهم بأوطاس ، وتوجه بعضهم نحو نخلة ، ولم يكن فيمن توجه نحو نخلة إلا بنو غيرة من ثقيف ، وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك في نخلة من الناس ، ولم تتبع من سلك الثنايا . قال : فأدرك ربيعة بن رفيع بن أهبان السلمي - ويعرف بابن الدغنة وهي أمه - دريد بن الصمة فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنه امرأة ، وذلك أنه في شجار له ، فإذا برجل ، فأناخ به ، فإذا شيخ كبير ، وإذا دريد بن الصمة ولا يعرفه الغلام ، فقال له دريد : ماذا تريد بي؟ قال أقتلك . قال : ومن أنت؟ قال : أنا ربيعة بن رفيع السلمي . ثم ضربه بسيفه ، فلم يغن شيئا ، قال : بئس ما سلحتك أمك ، خذ سيفي هذا من مؤخر رحلي في الشجار ، ثم اضرب به ، وارفع عن العظام واخفض عن الدماغ ، فإني كذلك كنت أضرب الرجال ، ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة فرب - والله - يوم منعت فيه نساءك . فزعم بنو سليم أن ربيعة قال : لما ضربته فوقع تكشف ، فإذا عجانه وبطون فخذيه مثل القراطيس من ركوب الخيل أعراء . فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه ، فقالت : أما والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثا . ثم ذكر ابن إسحاق ما رثت به عمرة بنت دريد أباها ، فمن ذلك قولها :
[ ص: 46 ]
قالوا قتلنا دريدا قلت قد صدقوا فظل دمعي على السربال منحدر لولا الذي قهر الأقوام كلهم
رأت سليم وكعب كيف تأتمر إذن لصبحهم غبا وظاهرة
حيث استقرت نواهم جحفل ذفر
إن تسألوا عني فإني سلمه ابن سمادير لمن توسمه
أضرب بالسيف رءوس المسلمه
وإن الرزية قتل العلاء وأوفى جميعا ولم يسندا
هما القاتلان أبا عامر وقد كان ذا هبة أربدا
هما تركاه لدى معرك كأن على عطفه مجسدا
فلم ير في الناس مثليهما أقل عثارا وأرمى يدا
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق أنبأنا - عن [ ص: 49 ] سفيان - هو الثوري عن عثمان البتي أبي الخليل عن قال : أبي سعيد الخدري أصبنا نساء من أوطاس ولهن أزواج ، فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج ، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية سبي والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم [ النساء : 24 ] . قال : فاستحللنا بها فروجهن وهكذا رواه الترمذي من حديث والنسائي عثمان البتي به . وأخرجه مسلم في " صحيحه " من حديث شعبة عن قتادة عن أبي الخليل عن . أبي سعيد الخدري
وقد رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود من حديث والنسائي - زاد سعيد بن أبي عروبة مسلم : وشعبة - من حديث والترمذي همام بن يحيى ثلاثتهم عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابوا سبايا يوم أوطاس لهن أزواج من أهل الشرك ، فكان أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كفوا وتأثموا من غشيانهن ، فنزلت هذه الآية في ذلك : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم وهذا لفظ فزاد في هذا الإسناد أحمد بن حنبل أبا علقمة الهاشمي وهو ثقة ، وكان هذا هو المحفوظ . والله أعلم .
وقد استدل جماعة من السلف بهذه الآية الكريمة على أن . روي ذلك عن بيع الأمة طلاقها ابن مسعود وأبي بن كعب وجابر بن عبد الله ، وابن عباس [ ص: 50 ] وسعيد بن المسيب والحسن البصري وخالفهم الجمهور مستدلين بحديث بريرة ، حيث بيعت ثم خيرت في فسخ نكاحها أو إبقائه ، فلو كان بيعها طلاقا لها لما خيرت ، وقد تقصينا الكلام على ذلك في " التفسير " بما فيه كفاية ، وسنذكره إن شاء الله في " الأحكام الكبير " . وقد استدل جماعة من السلف على بهذا الحديث في سبايا إباحة الأمة المشركة أوطاس ، وخالفهم الجمهور ، وقالوا : هذه قضية عين ، فلعلهن أسلمن أو كن كتابيات ، وموضع تقرير ذلك في " الأحكام الكبير " إن شاء الله تعالى .