[ ص: 516 ] وهذه قصة ذي الكفل  الذي زعم قوم أنه ابن أيوب  عليه السلام 
قال الله تعالى بعد قصة أيوب  في سورة الأنبياء : وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين    [ الأنبياء : 85 - 86 ] . وقال تعالى بعد قصة أيوب أيضا في سورة ص : واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار    [ ص : 45 - 48 ] . فالظاهر من ذكره في القرآن العظيم بالثناء عليه مقرونا مع هؤلاء السادة الأنبياء أنه نبي عليه من ربه الصلاة والسلام . وهذا هو المشهور ، وقد زعم آخرون أنه لم يكن نبيا ، وإنما كان رجلا صالحا وحكما مقسطا عادلا . وتوقف ابن جرير  في ذلك فالله أعلم . وروى ابن جرير  ،  وابن أبي نجيح  ، عن مجاهد    : أنه لم يكن نبيا ، وإنما كان رجلا صالحا ، وكان قد تكفل لبني قومه أن يكفيه أمرهم ، ويقضي بينهم بالعدل ففعل   [ ص: 517 ] فسمي ذا الكفل . وروى ابن جرير  ،  وابن أبي حاتم  من طريق  داود بن أبي هند  ، عن مجاهد  أنه قال : لما كبر اليسع  قال : لو أني استخلفت رجلا على الناس يعمل عليهم في حياتي حتى أنظر كيف يعمل . فجمع الناس . فقال : من يتقبل لي بثلاث أستخلفه ؛ يصوم النهار ، ويقوم الليل ، ولا يغضب ؟ قال : فقام رجل تزدريه العين . فقال : أنا . فقال : أنت تصوم النهار ، وتقوم الليل ، ولا تغضب ؟ قال : نعم . قال : فردهم ذلك اليوم . وقال مثلها اليوم الآخر فسكت الناس ، وقام ذلك الرجل ، فقال : أنا . فاستخلفه ، قال : فجعل إبليس يقول للشياطين : عليكم بفلان . فأعياهم ذلك ، فقال : دعوني وإياه ، فأتاه في صورة شيخ كبير فقير ، وأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة ، وكان لا ينام الليل والنهار إلا تلك النومة فدق الباب ، فقال : من هذا ؟ قال : شيخ كبير مظلوم . قال : فقام ففتح الباب فجعل يقص عليه . فقال : إن بيني وبين قومي خصومة ، وإنهم ظلموني وفعلوا بي وفعلوا ، وجعل يطول عليه حتى حضر الرواح ، وذهبت القائلة . وقال : إذا رحت فأتني آخذ لك بحقك فانطلق ، وراح فكان في مجلسه فجعل ينظر هل يرى الشيخ فلم يره ، فقام يتبعه ، فلما كان الغد جعل يقضي بين الناس ، وينتظره فلا يراه ، فلما رجع إلى القائلة فأخذ مضجعه أتاه فدق الباب . فقال : من هذا ؟ فقال : الشيخ الكبير المظلوم ففتح له . فقال : ألم أقل لك إذا قعدت فأتني ؟ فقال : إنهم أخبث قوم ، إذا عرفوا أنك قاعد قالوا : نحن نعطيك حقك . وإذا قمت جحدوني ، قال : فانطلق فإذا رحت فأتني . قال : ففاتته القائلة فراح فجعل ينتظر فلا يراه ، وشق   [ ص: 518 ] عليه النعاس . فقال : لبعض أهله لا تدعن أحدا يقرب هذا الباب حتى أنام فإني قد شق علي النوم ، فلما كان تلك الساعة جاء ، فقال له الرجل : وراءك ، وراءك . فقال : إني قد أتيته أمس فذكرت له أمري . فقال : لا ، والله لقد أمرنا أن لا ندع أحدا يقربه ، فلما أعياه نظر فرأى كوة في البيت فتسور منها فإذا هو في البيت ، وإذا هو يدق الباب من داخل قال : فاستيقظ الرجل . فقال : يا فلان ألم آمرك ؟ قال : أما من قبلي ، والله لم تؤت فانظر من أين أتيت ؟ قال : فقام إلى الباب فإذا هو مغلق ، كما أغلقه ، وإذا الرجل معه في البيت فعرفه . فقال : أعدو الله ؟ قال : نعم . أعييتني في كل شيء ، ففعلت ما ترى لأغضبك فسماه الله ذا الكفل  ؛ لأنه تكفل بأمر فوفى به   . 
وقد روى ابن أبي حاتم  أيضا عن ابن عباس  قريبا من هذا السياق . وهكذا روي عن عبد الله بن الحارث  ، ومحمد بن قيس  ، وابن حجيرة الأكبر  ، وغيرهم من السلف نحو هذا . وقال ابن أبي حاتم    : حدثنا أبي ، حدثنا أبو الجماهر  ، أنبأنا  سعيد بن بشير  ، حدثنا قتادة  ، عن كنانة بن الأخنس  قال : سمعت الأشعري  يعني أبا موسى  رضي الله عنه ، وهو على هذا المنبر يقول : ما كان ذو الكفل  نبيا ، ولكن كان رجلا صالحا يصلي كل يوم مائة صلاة ، فتكفل له ذو الكفل  من بعده يصلي كل يوم مائة صلاة فسمي ذا الكفل    . ورواه ابن جرير  من طريق عبد الرزاق  ، عن معمر  ، عن قتادة  قال : قال  أبو موسى الأشعري  فذكره منقطعا . 
 [ ص: 519 ] فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد    : حدثنا أسباط بن محمد  ، حدثنا الأعمش  ، عن عبد الله بن عبد الله  ، عن سعد مولى طلحة  ، عن ابن عمر  قال : سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين حتى عد سبع مرار ، ولكن قد سمعته أكثر من ذلك قال : كان الكفل  من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله ، فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها ، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته ارتعدت ، وبكت فقال لها ما يبكيك أكرهتك . قالت : لا ، ولكن هذا عمل لم أعمله قط ، وإنما حملتني عليه الحاجة . قال : فتفعلين هذا ، ولم تفعليه قط ؟ ثم نزل . فقال : اذهبي بالدنانير لك ، ثم قال : والله لا يعصي الله الكفل أبدا . فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه قد غفر الله للكفل    . ورواه الترمذي  من حديث الأعمش  به . وقال حسن . وذكر أن بعضهم رواه فوقفه على ابن عمر  فهو حديث غريب جدا ، وفي إسناده نظر فإن سعدا  هذا قال أبو حاتم    : لا أعرفه إلا بحديث واحد . ووثقه  ابن حبان    . ولم يرو عنه سوى عبد الله بن عبد الله الرازي  هذا . فالله أعلم . وإن كان محفوظا فليس هو ذا الكفل    . وإنما لفظ الحديث " الكفل    " من غير إضافة فهو رجل آخر غير المذكور في القرآن الكريم . والله أعلم بالصواب . 
				
						
						
