فصل فيما ورد من الأحاديث الدالة على أنه ، عليه الصلاة والسلام ، خطب الناس بمنى  في اليوم الثاني من أيام التشريق وهو أوسطها . 
قال أبو داود    : باب أي يوم يخطب بمنى    . حدثنا محمد بن العلاء  ، أنبأنا ابن المبارك  ، عن إبراهيم بن نافع  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن أبيه ، عن رجلين   [ ص: 649 ] من بني بكر  قالا : رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بين أوسط أيام التشريق ونحن عند راحلته ، وهي خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي خطب بمنى     . انفرد به أبو داود    . 
ثم قال أبو داود    : ثنا  محمد بن بشار  ، ثنا أبو عاصم  ، ثنا ربيعة بن عبد الرحمن بن حصن  ، حدثتني جدتي سراء بنت نبهان    - وكانت ربة بيت في الجاهلية - قالت : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الرءوس ، فقال : " أي يوم هذا ؟ " قلنا : الله ورسوله أعلم . قال : " أليس أوسط أيام التشريق ؟ " انفرد به أبو داود    . قال أبو داود    : وكذلك قال عم أبي حرة الرقاشي  أنه خطب أوسط أيام التشريق . 
وهذا الحديث قد رواه الإمام أحمد  متصلا مطولا ، فقال : ثنا عفان  ، ثنا حماد بن سلمة  ، أنبأنا علي بن زيد  ، عن أبي حرة الرقاشي  ، عن عمه قال : كنت آخذا بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق أذود عنه الناس ، فقال : " يا أيها الناس ، أتدرون في أي شهر أنتم ؟ وفي أي يوم أنتم ؟ وفي أي بلد أنتم ؟ " قالوا : في يوم حرام ، وشهر حرام ، وبلد حرام . قال : " فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، إلى يوم تلقونه " . ثم قال : " اسمعوا مني تعيشوا ، ألا لا تظلموا ،   [ ص: 650 ] ألا لا تظلموا ، ألا لا تظلموا ، إنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه  ، ألا إن كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة  ، وإن أول دم يوضع دم  ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب  ، كان مسترضعا في بني ليث ،  فقتلته هذيل ،  ألا وإن كل ربا كان في الجاهلية موضوع  ، وإن الله ، عز وجل ، قضى أن أول ربا يوضع ربا  العباس بن عبد المطلب  ، لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ، ألا وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض " . ثم قرأ : " إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم    " . ( التوبة : 36 ) " ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، ألا إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون ، ولكنه في التحريش بينكم  ، فاتقوا الله ، عز وجل ، في النساء ; فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا ، وإن لهن   [ ص: 651 ] عليكم حقا ، ولكم عليهن حقا أن لا يوطئن فرشكم أحدا غيركم ، ولا يأذن في بيوتكم لأحد تكرهونه  ، فإن خفتم نشوزهن فعظوهن  ، واهجروهن في المضاجع  ، واضربوهن ضربا غير مبرح    " - قال حميد    : قلنا للحسن    : ما المبرح ؟ قال : المؤثر - " ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف  وإنما أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، عز وجل ، ألا ومن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها " . وبسط يده ، فقال : " ألا هل بلغت ؟ ألا هل بلغت ؟ ألا هل بلغت ؟ " ثم قال : " ليبلغ الشاهد الغائب ; فإنه رب مبلغ أسعد من سامع " قال حميد    : قال الحسن  حين بلغ هذه الكلمة : قد والله بلغوا أقواما كانوا أسعد به . وقد روى أبو داود  في كتاب النكاح من " سننه " عن موسى بن إسماعيل  ، عن حماد بن سلمة  ، عن  علي بن زيد بن جدعان  ، عن أبي حرة الرقاشي    - واسمه حنيفة    - عن عمه ببعضه في النشوز . 
قال  ابن حزم    : جاء أنه خطب يوم الرءوس ، وهو اليوم الثاني من يوم النحر بلا خلاف عن أهل مكة  ، وجاء أنه أوسط أيام التشريق ; فتحمل على أن أوسط بمعنى أشرف ، كما قال تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا    ( البقرة : 143 ) وهذا المسلك الذي سلكه  ابن حزم  بعيد . والله أعلم . 
 [ ص: 652 ] وقال  الحافظ أبو بكر البزار    : حدثنا الوليد بن عمرو بن السكين  ، ثنا أبو همام محمد بن الزبرقان  ، ثنا موسى بن عبيدة  ، عن  عبد الله بن دينار  وصدقة بن يسار  ، عن عبد الله بن عمر  قال : نزلت هذه السورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى وهو في أوسط أيام التشريق في حجة الوداع : " إذا جاء نصر الله والفتح " فعرف أنه الوداع ، فأمر براحلته القصواء ، فرحلت له ، ثم ركب فوقف الناس بالعقبة ،  فاجتمع إليه ما شاء الله من المسلمين ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : " أما بعد ، أيها الناس ، فإن كل دم كان في الجاهلية فهو هدر ، وإن أول دمائكم أهدر دم ربيعة بن الحارث  ، كان مسترضعا في بني ليث  فقتلته هذيل ،  وكل ربا في الجاهلية فهو موضوع ، وإن أول رباكم أضع ربا  العباس بن عبد المطلب  ، أيها الناس ، إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا  منها أربعة حرم    ; رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم " ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم    " الآية " إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله    " . ( التوبة : 36 ) كانوا يحلون صفرا عاما ويحرمون المحرم عاما   [ ص: 653 ] ، ويحرمون صفرا عاما ، ويحلون المحرم عاما ، فذلك النسيء ، يا أيها الناس من كان عنده وديعة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ، أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد ببلادكم آخر الزمان وقد يرضى عنكم بمحقرات الأعمال ، فاحذروا على دينكم محقرات الأعمال ، أيها الناس ، إن النساء عندكم عوان ، أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، لكم عليهن حق ، ولهن عليكم حق ، ومن حقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم غيركم ولا يعصينكم في معروف ، فإن فعلن ذلك فليس لكم عليهن سبيل ، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، فإن ضربتم فاضربوا ضربا غير مبرح ، ولا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه ، أيها الناس ، إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا    ; كتاب الله ، فاعملوا به ، أيها الناس ، أي يوم هذا ؟ " قالوا : يوم حرام . قال : " فأي بلد هذا ؟ " قالوا : بلد حرام . قال : " فأي شهر هذا ؟ " قالوا : شهر حرام . قال : " فإن الله حرم دماءكم وأموالكم وأعراضكم ، كحرمة هذا اليوم ، في هذا البلد ، وهذا الشهر ، ألا ليبلغ شاهدكم غائبكم ، لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم " . ثم رفع يديه فقال : " اللهم اشهد " 
				
						
						
